قراءة في \روايتي :كاساني وديركا حمكو \ للروائي وليد حاج عبد القادر
بقلم المحامية نالين عبدو
مرةً أخرى المكان وبحجم أكبر من أي شيء آخر يأسر روائي كردي منطلق من مديونيته لوطنه الأم وتربته الأم …حيث جوارحه ما تلبث تئن مهووسة بجبل جودي وعين ديوار ووو… فيروي وليد حاج عبد القادر في روايته كاساني قائلا:”خوبان السفلى وخوبان العليا هما من القرى التي تاهت لسنين طويلة وتداخلات تسويات الحدود بين تركيا الاتاتوركية كدولة ناشئة وفرنسا من خلال انتدابها لسوريا المتشكلة حديثا”*ص 86من رواية كاساني
– يتوغل وليد حاج عبد القادر في الرواية ذاتها بين ثنايا حكايا الطفولة حيث يدفن بطلا الرواية درو وعلو الطير قارئين المولد عليه ،وبين طلاسم الشيوخ وشعوذاتهم فهاهم يضعون القرمز في العين لعلاجها…،راصدا أيضا الموزاييك الديمغرافي الإثني للأقليات العربية والمسيحية في الجزيرة السورية ذات الغلبة الكردية ،بشفافية منطلقاً هذه المرة من اخلاصه للمبادئ التي يرضعها أي كردي مع حليب أمه ،وهي الدماثة وتقبل الآخر والعيش المشترك مع المكونات الاخرى ، وذلك من خلال حبكته للروابط بين شخوصه كصداقة درو وصامو وتركو الذي ينجح بالإيقاع بينهما، والآزخيين وكشه افريم في روايته ديركا حمكو …
-في رواية كاساني استعان الراوي بالميتافيزيقية، والتحمت الأسطورة بالواقع في محطات كثيرة من الرواية التي دلل الروائي وليد على عنصرها الزمني من خلال استعانته بحدث الطائرة النفاثة التي جابت سماء المدينة على أثر القتال على تخومها بين قوات البيشمركة والقوات العراقية ،مما يعني أن الأحداث في رواية كاساني وقعت في العقد الثالث من القرن العشرين…
-ولعل اكثار الروائي من الكلمات والالفاظ الكردية ربما نابع من أمرين :
–الاول: محاولته صبغ الرواية قدر المستطاع بطابع وصبغة كردية بحيث تحتسب روايته رواية كردية بلسان عربي كردي ..
–الثاني :ليلقي الروائي وليد حاج عبد القادر عن كاهله ذنب عدم كتابته للرواية باللغة الكردية لغته الأم ..والواقع ان هذا ليس إلا مأزق الهوية الكردية في اللغة العربية، شأنه في ذلك شأن معظم الادباء والشعراء والروائيين الكرد الذين احترفوا الكتابة باللغة العربية رغماً عن ارادتهم ،تحت ضغط النظام العروبي ،حيث كانت اللغة العربية الاكثر تداولا وقبولا ومعروضا ،وبالتالي الأيسر من حيث افراغ النخبة الادبية الكردية لطاقاتها الابداعية ضمن المكتبة العربية …
-المناخ الروائي كان متوافرا في رواية كاساني بالنظر لفحوى الرواية الا أن العلاقة بين اسم الرواية المخطوط على غلافها \كاساني.. ملحمة درو ديني وليلاني\وبين أبطال الرواية واحداثها بقيت تائهة مهدورة، فتحريك الروائي وليد لشخصية درو ديني خدمت الاحداث في الرواية لصالح الفحوى فقط ،دون ان تستفيد منها الرواية ككل متكامل بكل عناصرها بما في ذلك عنوان الرواية الذي يشي بوجود بطل وهو درو ديني عاشق فتاة كوجرية اسمها ليلان ..لكن الراوي فشل ان صح التعبير في توظيف العنوان لصالح الاحداث والمغزى من الرواية التي روت ومن خلال شخوص نسوية حجم الغبن والاستغلال والضياع الذي اودى بهن نحو الهاوية والفاحشة ،فهاري وشمسو من الشخصيات المحورية في الرواية ظهرتا كفريستين تقتنص كل واحدة منهما الاخرى ،بعد ان تاهتا في عتمة الفعل المحرم بأيادي ذكورية ، وجاء تمثيل الراوي لهذه الهاوية بحد ذاتها على شكل صور مكررة لم يخدم تكرارها الحبكة والسرد في الرواية ، وان كانت ناجحة من حيث التقانة اللغوية ..
-ربط الروائي بين مدينة بحمدون اللبنانية التي وقعت فيها بعض احداث رواية كاساني وبين تأسيس جمعية خويبون الكردية التي تأسست في المدينة ذاتها في تناقض واضح حيث اختلاف الزمان وتوحد المكان ، ليتأخر بعد ذلك غوص الروائي في أطر الوضع الكردي الداخلي ،مستدركا ذلك في الفصل الاخير من الرواية نفسها قائلا : “الا ان الفائض من الشعور القومي من جهة وعدالة الحقوق المطالب بها كانت تخلق في الواقع أرضية أقلها تساند الاستمرارية في الصمود بالرغم من التناحر الكردي الداخلي ” ص237من رواية كاساني
-أما في روايته ديركا حمكو والتي حملت بعدا تاريخيا بمونولوج درامي أثرت الرواية التي اغتنت بنفحات من الهيبة والنفوذ الكردي على الصعيد المجتمعي والسياسي ،فها هو الجنرال الفرنسي يقوم من مجلسه معتذرا من نايف باشا الذي اغتاظ من عدم قيام الجنرال من مجلسه حين جرت التحية بينهما، فالجنرال كان جاهلا لعادات المنطقة ويهمه عدم اثارة غضب الباشا ..
-في روايته ديركا حمكووكما في رواية كاساني بقي الراوي مخلصا للمكان بعيدا عن احكام شخوصه وتعرج هواجسهم فيقول “تشبث الديركي بأرضه رغم وعورتها، ببيئته رغم قساوتها وبنقاوته كانسان حيث نقاء مياه وينابيع ديريك كما حليب امهاتها ” ص24من رواية ديركا حمكو
رواية \ديركا حمكو طفلة الماء\ بما جاء فيها من اطلالة على اتفاقية سيفر مهمة جديرة بالقراءة في ايامنا هذه بعيدا عن نجاحها كرواية، وذلك بالنظر للتطورات الراهنة في كل المناطق الكردستانية ،حيث التنبؤات بإطلاق معاهدات جديدة ربما ستغير الصورة الكردية من حيث الواقع السياسي لأجيال قادمة ،بالإضافة الى اهمية توظيف الراوي للأطماع الفرنسية بحقول النفط في قرة تشوك \وهي أحد المواقع الكردية النفطية \ كأحد الاحداث الرئيسية في الرواية ،حين اظهر عمق اطماع الفرنسيين في تلك الحقبة بالقير الاسود كما اسماه في الرواية وهو مسمى كردي للنفط الذي يشكل عصب الحياة في العالم اجمع وتمتاز الارض الكردية به .. ذلك يجعلنا نحتسب للروائي الكردي وليد حاج عبد القادر تفرده بإلقاء عدسته الروائية على هذه الثروة الاستراتيجية..