قراءة لـ ” دستور ” العقد الاجتماعي ، للإدارة الذاتية
د: محمد جمعان
لدراسة هذا” العقد الاجتماعي” لا بدّ من البحث من جميع جوانبه ، القانونية والسياسية والاجتماعية .
ولكي نسهّل هذا الأمر ونوضّحه للقارئ لا بدّ من ابراز بعض الموضوعات أو المصطلحات المستخدمة قانونياً:
١- الدستور : هو مجموعة القواعد القانونية التي تبيّن وضع الدولة و تنظّم السلطات فيها من حيث التكوين و الاختصاص و تحديد العلاقة بينها بالإضافة إلى تقرير ما للفرد من حقوق وواجبات .
كان فلاسفة اليونان أول من تناولوا مصطلح الدستور بالمدلول السياسي ، و كان أبرزهم هو (أرسطو ) ، وإذا كانت بداية استخدام مصطلح الدستور كمفهوم سياسي قد بدأت في اليونان القديمة، إلا أنّ الاستخدام الحديث والمعاصر لهذا المصطلح قد ارتبط بنظريات العقد الاجتماعي والتطور الديمقراطي الذي بدأ في أوروبا.
٢- مبدأياً ، إصدار عقد اجتماعي لمناطقنا هو شيء إيجابي، ولكن إصدار هكذا عقد وبقوة السلاح وضمن هيمنة أفكار الحزب الواحد، فهذه كلها لا تعطيه أية شرعية أو حق قانوني.
٣-العقد الاجتماعي في الفلسفة الأخلاقية والسياسية هو نظرية أو نموذج تبلور في عصر التنوير، ويهتمّ عادةً بمدى شرعية سلطة الدولة على الأفراد .
تنادي نظرية العقد الاجتماعي بالتحديد بأنّ الأفراد يقبلون بشكلٍ ضمني أو صريح أن يتخلّوا عن بعض حرياتهم ويخضعوا لسلطة الحاكم (أو لقرار الأغلبية) مقابل حماية بقية حقوقهم.
ومن ثم فإنّ العلاقة بين الحقوق الطبيعية والشرعية هي في العادة مبحث من مباحث نظرية العقد الاجتماعي. وقد أخذ المصطلح اسمه من كتاب العقد الاجتماعي لجان جاك روسو الذي ناقش فيه هذا المفهوم.
والسؤال الأكبر هنا هل فوّض الشعب في المنطقة سلطات الـ pyd وتخلّى عن حرياته و مقابل ماذا ؟.
كان ممكناً هذا إذا اعتمد هذا العقد على الإرث التاريخيّ للشعب الكُردي و طموحاته وحقوقه المستقبلية.
٤-في دول العالم تعدّ الدساتير بطريقتين:
1 – تنتخب جمعية تأسيسية من الشعب و هذه الجمعية الممثلة للشعب تقوم بهذه المهمة.
٢- يمكن وضع دستور مقترح من جمعية نيابية منتخبة من الشعب أو بواسطة لجنة حكومية أو بواسطة الحاكم نفسه ثم يعرض على الشعب في استفتاءٍ عام ، ولا يصبح الدستور نافذاً إلا بعد موافقة الشعب عليه.
من الناحية العملية يظهر وبشكلٍ جلي أنّ المبدأ الذي اعتمدت عليه سلطات pyd في التحضير لهذا العقد ما هو إلا نسخة مبتكرة من إخراج النظام السوري لدساتيره. فهي متشابهة من حيث التحضير والتنفيذ و المحتوى الذي اعتمد على فكر ونهج الحزب الواحد .
فلدى النظام : اعتمد على مبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي .
أما الإدارة الذاتية فقد اعتمدت على مبادئ نظرية ” الأمة الديموقراطية ” .
وشاركهم في الإعداد مجموعة من الأحزاب والأشخاص التابعين والمنتفعين والمصفّقين .
حيث أشرك النظامُ الجبهةَ الوطنية ، وأما الإدارة فهي لها المجموعة المسماة : PYNK.وبعض الشخصيات العربية والنتيجة ظاهرة للعلن إنّ النظام الذي أخرج دستوره بالشكل الذي ذكرناه آنفاً ، حيث أوصل بسوريا إلى الكارثة ، وبالتالي انتهى بسوريا إلى دولة فاشلة ؛ دولة مجزّأة ، محتلة ، حيث القتل والتشريد بالملايين وهذا كلّه يعتبر مثالاً تحتذي به سلطات ؛ pyd / pkk .
وهذا يعني بأنّ عملية إعادة تجربة النظام في كتابة الدستور هي عملية فاشلة ولا مستقبل لها.
ولا بدّ من ذكر ظاهرة غريبة في هذا الدستور :
و يظهر من المادة( 8 ) أنّ العقد لم يحدّد مركز الإدارة وعلمها فهذا إنما يدلّ على أنّ الوقت لم يحن لذكر هذه الأمور !؟
وهذا دليل على أنّ مسؤولي الإدارة اتبعوا سياسة الهروب إلى الأمام.
و من بين الإخفاقات الكبرى في هذا العقد وهي ورود مصطلحات غريبة ، منها:
– تسمية كلّ مصطلح بالديموقراطي ما هي إلا مزايدات بعيدة عن واقع هذه السلطات.
– التعصب ( الجنسوي و العلموية…)
– الرئاسة المشتركة مصطلح جديد لا وجود له في عالم الدساتير ، فالمعمول به هو الرئيس و نائب الرئيس .
– حشر مصطلح : الدفاع المشترك والخ
وهكذا نصل إلى نتيجةٍ واضحة وهي أنّ هذا العقد ليس عقدا اجتماعياً ولا جامعاً ولا وطنياً ولا ديموقراطياً ، إنما هو وصف لمشروع يتسم بالانفصال عن الواقع ، وهو يتبع أفكار عبدالله اوجلان التي أخذها من نظرية الفيلسوف الأمريكي موراي بوتشكين، والتي تعتبر خليط بين الآناركية (اللاسلطوية) والفدرالية، وكونها فكرة غير ناضجة , وغير واقعية ، فهي غير واضحة حتى في ذهنية من يطبّقها.
وبهذا يمكن القول إنّ هذا الدستور “العقد الاجتماعي” لا يمثّل الشعب الكُردي ولا قواه السياسية ولا يعبّر عن طموحات أبناء المنطقة ، إنما هو مشروع عمل فوضوي وهمي غير واضح المعالم لحزب بعينه.
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “315”