آراء

قراءة للمستجدات على الساحة السورية إقليمياً ودولياً ومحلياً

فؤاد عليكو

من المعروف أنّ الأزمة السورية مرّت بمرحلة خمولٍ منذ أكثر من أربع سنوات، نتيجة عوامل عدة منها: التباين في المواقف الإقليمية في تعاملهم مع الحامل السياسي للمعارضة السورية والمتمثلة بهيئة التفاوض، والمشكّلة من عدة كيانات سياسية،حيث دبّ الخلاف بين أطرافها نتيجة تدخل هذه الدول ؛ مما عزف البعض منهم عن المشاركة في اجتماعاتها ، لتتحوّل إلى جسم سياسي دون فعالية تذكر، كما أن اللجنة الدستورية المشكّلة من قبل الأمم المتحدة أصابها الإحباط أيضاً بعد ثمان جولات من المفاوضات ؛ نتيجة تعنت النظام في منع التقدم خطوة واحدة في عملها، وزاد الطين بلةٌ دخول روسيا وأوربا وأمريكا في حرب ضروس في أوكرانيا منذ عام ونصف، وبذلك انصبّ كلّ الاهتمام الدولي على الحرب الأوكرانية/ الروسية، ونتيجة لكلّ العوامل السابقة تراجع الاهتمام الدولي بالأزمة السورية، وترافق ذلك بنوعٍ من تجميد الجبهات بين النظام والمعارضة على الأرض.

لكن في المقابل حصل تحرك من نوع آخر بين الدول الإقليمية في اتجاه التقارب فيما بينهم ، وذلك بحلّ خلافاتهم البينية ، وهكذا تحرّكت تركيا في اتجاه حلّ خلافاتها مع الدول الخليجية وخاصةً المملكة العربية السعودية والإمارات وكذلك مع مصر وإسرائيل، واستطاعت تحقيق تقدم كبير في هذا المسعى ، كما أنّ السعودية وإيران دخلوا في حوار جدي بوساطة عراقية وبعد عدة جولات دخلت الصين على الخط مباشرة ، واستطاعت في آذار المنصرم ابرام الاتفاق بين الطرفين، ينهي حالة العداء بينهما وعودة العلاقات الدبلوماسية إلى وضعها الطبيعي ، كلّ ذلك أدّى إلى تهدئة التوترات الإقليمية و انعكس ذلك مباشرةً في (اليمن – سوريا- ليبيا) نظراً لتصارع هذه الأطراف في هذه الجبهات، كما حصل تحرك في اتجاه سوريا بغية إيجاد حلٍّ لها خارج إطار الشرعية الدولية، وهنا برز خطان على المشهد السياسي، أحدها تقودها بعض الدول العربية (الأردن الإمارات السعودية العراق مصر) حيث دخلوا في حوارٍ مباشر مع النظام ، وتوّج مؤخراً بعد عدة جولات بحضور رأس النظام إلى قمة جامعة الدول العربية، مقابل وعود بممارسة المرونة في ملف الأزمة السورية، كما تحرّكت روسيا في اتجاه المصالحة بين النظام وتركيا، وبعد عدة جولات أمنية، دخلت إيران على الخط أيضاً ، وتوّج مؤخراً في تحقيق اختراق سياسي من خلال عقد اجتماع مشترك على مستوى وزراء الخارجية في موسكو، ولازال الحوار مستمراً على أمل تحقيق تقدمٍ ملموس في هذا الجانب وصولاً لعقد اجتماع للرؤساء الأربعة في المرحلة المقبلة، كما أنّ نائب وزير الخارجية الروسي بوغدانوف أعلن مؤخراً أنّ مسودة خارطة طريق لحل الأزمة السورية قد أصبحت جاهزة وستعرض على الدول المعنية.

ومن الجدير ذكره أنه لايوجد تعارض بين المسارين، ولايستبعد أن يكون هناك تنسيق خفي بينهما ؛ لأنّ المسارين يسعيان إلى عودة النظام السوري إلى الساحة الإقليمية وتسفير المشاكل معها مقابل بعض التنازلات غير الجوهرية على صعيد الأزمة السورية بعيداً عن الأخذ بالاعتبار رؤية المعارضة السورية وعن القرارات الدولية المعنية.

لكن في الجانب الآخر برز التعنت الأوربي/الأمريكي حيال ما يجري، حيث تمّ رفض هذا التوجه كلياُ مع التمسك بشكلٍ قاطع بالقرارات الدولية، وخاصةً ٢٢٥٤ في حلّ الأزمة السورية إضافةً الى تفعيل المحكمة الدولية في لاهاي وتقديم الدعوى ضد بعض رؤوس النظام، كما أنّ أمريكا ذهبت إلى أبعد من ذلك، والتوجه باتجاه تطبيق المزيد من العقوبات على النظام السوري وتهديد الدول التي سوف تتعامل اقتصادياً معه بالعقوبات الاقتصادية أيضاً، وأمام هذا الواقع كان لابدّ من التوجه إلى المعارصة السورية من جديد والقرارات الدولية وعدم جدوى تجاهلها في ظل الرسائل الأوربية/ الأمريكية القوية ،ومن هنا علينا أن لا نستغرب تحرك المعارضة أيضاً والتقاط هذه الرسائل بشكل إيجابي، وليس صدفة أن تلجأ هيئة التفاوض إلى لملمة وضعها التنظيمي والالتقاء مجتمعةً مجدداً في اوائل جزيران والخروج ببيان قوي يؤكّد على رفض التعامل مع النظام خارج جنيف والقرارات الدولية، وهذه كانت رسالة واضحة إلى الدول التي تسعى إلى التعامل مع النظام خارج ذلك، كما تزامن مع هذا التوقيت دعوة رجل الأعمال السوري أيمن الاصفري إلى عقد اجتماع لمنظمات المجتمع السوري (١٥٠منظمة) في باريس لتداول الأزمة السورية ، وخرجوا بنتيجة أيضاً تؤكّد على الحل وفق القرارات الدولية ، كما تزامن ذلك بإصدار بيانٍ من المجلس العسكري السوري الذي يتزعّمه اللواء مناف طلاس المقيم في فرنسا مع نشر بيان و فيديو يؤكّد وجوده على الأرض ويدعو إلى تطبيق القرارات الدولية، إضافةً لكلّ ذلك تحرّك الكثير من أطياف المعارضة غير الرسمية إلى الدعوة بعقد مؤتمراتٍ خاصة بها في الدول الأوربية بغية توحيد قواها

اما على الأرض حيث هناك معلومات ومؤشرات بأنّ أمريكا تعزّز وجودها على الأرض باستقدام المزيد من القوات العسكرية إلى شرق الفرات وتشكيل مجموعات عسكرية من عرب المنطقة خارج دائرة قسد، ،يعزوها البعض إلى استخدامهم في السيطرة على الحدود السورية/ العراقية وربط شرق الفرات بمنطقة التنف، وهذا يعني حكماً التصادم مع الفصائل العراقية الموالية لإيران، كما تبذل جهوداً لتطبيع العلاقات بين إقليم كُردستان العراق وpyd وقد تجلّى ذلك في إعادة فتح المعبر بين الطرفين وتسهيل حركة المرور أمام قيادات المجلس الوطني الكُردي.

كلّ هذه العوامل مجتمعة تقودنا إلى نتيجةٍ واحدة إلى إحياء الملف السوري إقليمياً ودولياً من جديد ،

وأننا سوف نشهد في الفترة القادمة تحركاً على عدة محاور بهذا الخصوص، وهذا مادفع بالمبعوث الأممي لسوريا غير بيدريون إلى التصريح بنوعٍ من التفاؤل حول إحياء المفاوضات بين النظام والمعارضة.

ونحن بدورنا نأمل أن نرى ضوءاً في نهاية النفق المظلم ووضع حد لمعاناة الشعب السوري التي طالت كثيراً. لكن ليس بأي ثمن.

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “309”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى