قرار قسد هل هو غباء أم تآمر أم إذعان؟
د. عبدالحكيم بشار
منذ أشهر وطبول الحرب تُدق في الجانب التركي، مع زيادة تواتر تصريحات المسؤولين الاتراك وخفوت او شبه غياب الاعتراضات الامريكية.
وعوضاً البحث عن حلولٍ دبلوماسية تمنع وقوع الحرب، تواصل قسد قصفها لمناطق النفوذ التركي، كما أن بعض مقذوفاتها تصل إلى داخل الأراضي التركية أحياناً، إذ بدلاً من التهدئة وخفض التوتر وإزالة أسباب الحرب تتحرش بتركيا باستمرار.
ولا شك أن الهدف التركي المعلن من العملية التي تنوي شنها في الداخل السوري هذه المرة هي المناطق الواقعة تحت سيطرة قسد، وعلى وجه الخصوص منبج وتل رفعت، ويبدو أن ساعة الصفر قد اقتربت، فقسد تعلن حالة الطوارئ والنفير العام في مناطق سيطرتها، والجيشان التركي والوطني يعززان مواقعهما وهما في انتظار قرار انطلاق العملية.
هنا لا بد لنا من ذكر بعض الحقائق ومن خلالها يمكن تكهن الأسباب والدوافع الكامنة وراء سلوك قسد ومسد قرارهما المتعلق بخوض الحرب التي يعرفون سلفاً بأنهم سيُهزمون فيها كما كان حالهم في المرات الماضية، ومن تلك الأسباب:
ـ إن تركيا وحزب العمال الكردستاني في حالة حرب منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود ونصف، ولن تقبل تركيا أن يحكم هذا الحزب على حدودها من الجانب السوري، وهذا شأن أية دولة أخرى لا تقبل أن يحكم أعداؤها على حدودها إذا كانت تلك الدولة تملك القوة لمنع ذلك.
ـ إن تعامل الولايات المتحدة مع قسد هو تحت عنوان واضح وبارز وهو التحالف ضد الإرهاب وحسب المنظور الأمريكي هو ضد داعش، وهذا يعني بأن أمريكا لن تساعد قوات قسد في حروبها مع أي جهات عسكرية أخرى غير داعش ومن كان في حكمها وفق المنطق الأمريكي.
ـ إن حزب العمال الكردستاني ما يزال مصنفاً على لوائح الإرهاب أمريكياً وأوربياً، وهذا ما يضعف موقف قسد، ويقوّي موقف تركيا.
ـ إن الولايات المتحدة تحاول كل جهودها لإقناع تركيا بأن قسد ليست جزءاً من حزب العمال الكردستاني، إلا أن قسد تكذِّب أمريكا باستمرار من خلال ممارساتها الميدانية، وترفع صور عبدالله أوجلان رئيس حزب العمال الكردستاني وأعلام الحزب المذكور تنتشر أكثر من أي شيء آخر في مناطق قسد، وربما يوازي انتشار تلك الرايات والصور فقط الفساد المستشري في مناطق نفوذها.
وفي آخر حادثة أحرَجت فيها قسد الإدارة الأمريكية واستفزت تركيا بنفس الوقت، هو حينما كان مجلس الأمن القومي التركي في حالة انعقاد لاتخاذ ما يلزم وأمريكا تبذل جهودها لمنع الحرب، خرجت بنفس اليوم مظاهرات لحزب العمال الكردستاني وصور أوجلان وأعلام الحزب في الكثير من مناطق سيطرة قسد وعلى الحدود التركية مباشرة.
ـ إن قرار تركيا بالسيطرة على منبج وتل رفعت هو قرار تركي، ولكن ليس بمعزل عن توافق مع أمريكا وروسيا وبالتالي حسمت تركيا أمرها.
ـ الكثير من المعلومات المتوافقة تؤكد أن أمريكا طالبت قسد بتسليم منبج وتل رفعت بدون قتال يعني الانسحاب، إلاَّ أن قسد رفضت العرض الأمركي، وذلك باعتبار أن وقوع الضحايا من جانبها لا يزعجها قط إنما يطيب لها تقديم الضحايا بكونها تعيش على دوام تقديمهم في حروبها المجانية.
بمنطق القوة العسكرية لا يمكن لقسد مواجهة تركيا بأي شكل من الأشكال بل إن نتيجة الحرب محسومة 100% وقسد تدرك ذلك تماماً، إذن السؤال المطروح هو:
لماذا قررت قسد وجانبها السياسي مسد خيار الحرب وهي تدرك أربع أساسيات بهذا الخصوص وهي:
الهزيمة العسكرية المؤكدة – القرار التركي بإعلان الحرب ترافق بتوافق روسي أمريكي – إن النظام السوري الذي تعول عليه قسد غير مستعد وغير قادر للدخول في مواجهة مباشرة في تركيا – إن قسد حسب أهالي منبج وتل رفعت هي قوة احتلال.
وبالرغم من كل ذلك قررت قسد المواجهة، فيا ترى هل هي مرجلة فارغة من أي بُعد سياسي وبمعنى آخر هو غباء صرف؟ كما فعلتها قسد من قبل في منطقة عفرين.
أم أن هذا القرار هو تآمر على الكرد وقضيتهم وذلك بدفع المزيد من شبابه ليكونوا ضحايا مجانية في مناطق ليست بمناطقهم كما كان حالهم في دير الزور والرقة، وفي خوض معركة معروفة النتائج العسكرية، هذا إضافة إلى نتائجها السياسية السلبية على الكورد.
أم أن قرار قسد بدخول الحرب مع تركيا جاء من جهة وصائية غير معلنة، وهي ليست أمريكا وبنفس الوقت ليس لقسد القدرة على رفضها، أي أنها مكرهة على تنفيذ ذلك القرار بكونها غير قادرة على رفض أوامر الجهات المتحكمة بها والتي تسيّرها رغماً عنها بما يشبه الريموت كونترول؛ عموماً فبكل الحالات فإن الخاسر الأكبر من معارك قسد مع دول الجوار، ومن وجود حزب العمال وأذرعه في سوريا هم الكرد وقضيتهم.