آراء

قشّة بوتين والغريق السوري

خضــر الآغا

لم ينفك السوريون الذين يترقبون على مدار الساعة سقوط النظام يفسرون كل خبر صادر عن قوى كبرى في العالم، خاصة الولايات المتحدة وروسيا، تفسيرًا يرون من خلاله اقترابًا وشيكًا لسقوط النظام، بعد أن خرجت إمكانية إسقاطه ـ حتى الآن ـ من أيديهم وقدراتهم نتيجة عوامل التدخلات الخارجية، إقليميًا ودوليًا، كما هو معلوم.

الأمر يتعدى سوء القراءة السياسية ليدخل في البعد النفسي والرغبوي بعد أعوام من الإحباطات المتتالية، هو من يجعل من السوريين غرقى يتعلقون بقشة!

أحيانًا يبدو الأمر تطبيقًا لمقولة بوشكين في قصيدة “البطل” إذ قال: “وهم يسمو بالنفس خير من ألف حقيقة دنيئة”، هذا الوهم هو ما يجعل السوريين، إلى حد كبير، لا يزالون قادرين على العيش أملًا بسقوط النظام وعودتهم إلى بلدهم المشتهى، لكن ما يخيف هو انتظارهم الدائم أخبارًا من القوى الكبرى يمكنهم تفسيرها حسب ما تمليه عليهم رغباتهم لا الواقع، فيكفون عن المبادرة الذاتية التي تمكّنهم، هم لا القوى الكبرى، من تحقيق حلمهم بإسقاط النظام المتوحش. وغني عن القول إن أخبار الدول ترتبط بهذه الدول ذاتها لا برغبة السوريين.

بعد الكثير من التفاؤل بالأخبار التي صدّرتها الصحافة الروسية والتي وصفت خلالها النظام ورئيسه بالضعف والفساد وغيرها من صفات مهينة صدرت لأول مرة بهذه القسوة من روسيا، وبعد ظهورات متعددة لرامي مخلوف تشير إلى تصدعات في العائلة الحاكمة والمالكة، وغيرها من الأخبار المشابهة التي فسرها السوريون على أنها تشير إلى اقتراب التقسخ النهائي للنظام وبالتالي سقوطه، جاء خبر تعيين الرئيس الروسي بوتين سفيره في دمشق “كمبعوث خاص له لتطوير العلاقات مع سوريا” بمثابة الدليل الأقوى على قرب تخلي بوتين عن الأسد، وأن مبعوثه الخاص هو “المندوب السامي” الجديد على سوريا، وأنه غازي كنعان النظام السوري في لبنان، وبريمر الولايات المتحدة في العراق… إلخ.

في الوضع المتهتك للنظام السوري وللسيادة الوطنية، تبدو جميع التفسيرات ملائمة إذا نظرنا إليها سوريًّا فقط، لكن قد لا تكون ملائمة لو نظرنا إليها بارتباطها بالسياسة الروسية ذاتها، إذ سبق أن عبر المبعوث الخاص عندما كان سفيرًا فقط أن روسيا ليست في وارد التخلي عن الأسد، وأن علاقاتها معه أقوى من أي وقت مضى… لتقطع الطريق على تفسيرات الرغبة والأمل. فلو تذكرنا أن سياسة روسيا في سوريا كان يتزعمها وزير الخارجية لافروف، لكن فجأة اختفى اسم لافروف في سوريا وحل محله اسم وزير الدفاع شويغر ليترأس هو سياسة بلده في سوريا، ثمة تفسيرات تقول إن لافروف فشل في التوصل إلى إمكانية تنفيذ الاتفاق مع كيري وزير الخارجية الأمريكي الأسبق فيما عرف باتفاق لافروف – كيري، فتم تكليف شويغر لهذا السبب، إضافة إلى إيلاء الجانب العسكري الأهمية القصوى بعد أن تفرد بوتين بالعمل داخل سوريا دون أية اتفاقيات معلنة مع الجانب الأمريكي، أي دون الحاجة لوزارة الخارجية.

الآن، وقد بدا الوقت محرجًا لروسيا خاصة أنها على أبواب فقدان ما كانت تريد جنيه اقتصاديًا من سوريا بعد أن سيطرت الولايات المتحدة على النفط، واستأثرت إيران بقطاعات عديدة رسميًا، وبدأ رجال المال والاقتصاد الروس الذين مولوا ميليشيات عديدة في سوريا أهمها “فاغنر” بالتململ وطلب التعويض، يدعم موقفهم انتهاء الحرب في سوريا وفق وجهة النظر الروسية الرسمية بعد الاتفاق مع تركيا على التواجد التركي وفتح الطرق الدولية ام 4 وام 5، والاستجابة الاضطرارية للوجود الأمريكي، وكذلك بعد اقتراب قانون قيصر من التنفيذ.

أمام هذا كان لا بد، كما يبدو، من أن يتسلم الكرملين ذاته السياسة الروسية في سوريا، وأن يتحدث المبعوث الخاص على أنه بوتين شخصيًا.

في القانون الدولي، يحوز المبعوث الرئاسي الخاص على قدرات “استثنائية” في تنفيذ مهامه. وفي هذه الخطوة يتجاوز بوتين كافة الإجراءات الروتينية الدبلوماسية ويتصرف في سوريا كما يتصرف في روسيا؛ مباشرة وبلا وسيط. وهذا ما يجعل رجال المال والاقتصاد الروسي والمافيات التي تتحكم بروسيا تحت كونترول الكرملين بوصفه المافيا الكبرى والزعيم الأكبر للمافيات الأخرى.

تعيين السفير كمبعوث خاص لبوتين يعطي روسيا القدرة على التدخل السريع في هذا الوقت الذي بدأ يهدد المصالح الروسية فعليًا.

قشة الغريق تعطيه بعض الأمل في النجاة، لكنها لا تنقذه.

ultrasawt

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى