أخبار - سوريا

قصة الأميرة الميدية ماندانه (2)

جان كورد
2014 October 11
بعد عشر سنوات من غياب الطفل (كه ي روس) الذي تمّ الأمر بقتله من قبل جدّه الملك الميدي آستياخ، ظهرت الحقيقة إلى النور بعد أن اعتقد آخر ملوك الميديين ووزيره هارباخ بموت الطفل.
كان الولد يلعب في القرية مع أقرانه، حيث حظائر الأبقار، فاختاره الأولاد ملكاً لهم في اللعب، فأمر بعضهم ببناء البيوت الطينية والآخرين بالحراسة، واختار أحدهم “عيناً للملك” أي جاسوساً، ولم يبقَ ثمة ولد إلاّ وكلّفه بمهمةٍ ما. إلا أن ولد أحد الميديين الذي كان معروفاً باسم آرتمبار (Artembartes) رفض الإذعان لملك اللاعبين (كه روس)، فأمر الملك الصغير الآخرين بالقبض عليه وراح يجلده بالسوط، فلما تركوا ذلك الولد الذي كان حانقاً للغاية، ركض عبر القرية إلى أبيه يشكوه جلده بالسوط من قبل “ابن راعي”. ومن الطبيعي أنه لم يكن يسميه ب “كه ى روس) لأن ذلك لم يكن اسمه آنذاك، فأخذ أرتمبار ولده غاضباً وذهب إلى الملك آستياخ ليشكو أمر ابن أحد رعاة هارباخ، الذي كان يمنع على العامة والخاصة حتى معاقبة رعاته القرويين، كما أن الملك الميدي آستياخ كان يتدخّل بنفسه لفض النزاعات بين العوائل الهامة من قومه، فقال آرتمبار: “أيها الملك العظيم! إن عبدك وابن راعٍ من رعاة الوزير هارباخ قد فعل هذا بولدي.” وأراه آثار السوط على ظهر ولده.
استدعى الملك الراعي وولده ليعاقبهما على ما فعله ولده بولد آرتمبار. فلما امتثلا بين يديه قال الملك لولد الراعي: “إذاً أنت يا ابن البسطاء فعلتَ ما فعلته بابن أحدٍ ممن رفعتُ قدرهم!” فأجابه الغلام. “أيها الملك! هذا ما استحقَه الولد العاق، حيث أن أبناء القرية الذين كان هو من بينهم قد نصبوني أثناء اللعب ملكاً عليهم، إذ وجدوا فيّ ما يؤهلني لذلك المنصب، وكلهم أذعنوا لأوامري إلا هو فلم يطعني ولم يحترمني فاستحق الجزاء، فإذا رأيتَ أنني مذنبٌ على ما أمرتُ به، فها أنا بين يديك.”
وما أن فرغ (كه ي روس) من جوابه المقنع ذاك حتى شكّ في أمره الملك آستياخ، خاصة وإن الولد الذي أمامه كان يبدو حراً أبياً وملامح وجهه تشبه ملامح الملك نفسه، فرجع آستياخ بذاكرته إلى ما قبل عشر سنوات، حيث سلّم حفيده إلى هارباخ الوزير بغية التخلّص منه، فعصفت الوساوس بقلبه، وأطرق واجماً بعد أن لمعت في عقله فكرة بقاء حفيده حياً رغم أمره الصريح بقتله ودفنه في مكانٍ بعيد. ولما استجمع قواه المنهارة آنذاك، قال: “يا آرتمبار! خذ ولدك واذهب، فأنا سأفعل ما يرضيك ويرضي ولدك.” فانطلق آرتمبار مع ولده خارجاً من قصر الملك.
طلب الملك من حجابه أن يأخذوا (كه ي روس) إلى جناحٍ معين في القصر، ولما بقي لوحده مع الراعي سأله من أين أتى بهذا الغلام، فادّعى الراعي بأنه ولده من زوجته التي لا تزال تعيش معه في قريته، فهدده الملك بانتزاع الحقيقة منه ولو استدعى ذلك استخدام العنف والتعذيب، وأمر حرّاسه بالقبض عليه، فاعترف الراعي المذعور بالحقيقة كلها، وسرد عليه قصة الغلام (كه ي روس) من أولها، منذ أن طلبه الوزير هارباخ إلى قصره.
شعر الملك آستياخ بأن الراعي قد أخبره بالحقيقة غير منقوصة فطيّب خاطره وعادت إلى نفسه السكينة، إلا أن غضبه على هارباخ كان في ذروته، فأمر الحراس باستدعائه حالاً، ولما جاء الوزير مسرعاً سأله الملك على عجل: “ماذا فعلتَ بحفيدي الذي سلمتكَ إياه قبل عشر سنوات وأكثر؟” فلما وقعت عينا الوزير على الراعي انتبه للموقف وعلم بأنه قد وقع في مأزقٍ عسير، فقال دون أن يعرّض نفسه لتهمة الكذب: ” أيها الملك! عندما استلمت منكم حفيدكم الرضيع، رحت استنصح نفسي، كيف أنفّذ أمركم الملكي على أكمل وجه من دون أن يتهمكم أحد أنتم وابنتكم العالية المقام ماندانه بجريمة قتل طفلٍ رضيع، فقررت أن أعطي الطفل لراعٍ من الرعاة وأمرته بما أمرتني به، وهكذا نفذّت أمركم ولم أكذب عليكم، إذ طلبت من الراعي أن يضعه في مكانٍ موحش حتى يموت أو تأكله السباع، وقد هددته بعقوبةٍ كبيرة إن لم ينفّذ أمري، وبعد موت الطفل أرسلت أوثق أتباعي إلى هناك ليدفنوا جسد الطفل بثيابه الملكية كما أمرتني به. هذا ما حدث أيها الملك وهكذا قضى الطفل نحبه.”
لما فرغ الوزير هارباخ من قوله الذي لم يصدّقه الملك، لم يدعه الملك في البداية بشعر ببقاء الطفل (كه ي روس) حياً، كما لم يشعره بغضبه الشديد عليه أيضاً، ثم قال بعد زوال الخوف عن الوزير بأن الراعي قد أخبره بما حدث وأن حفيده لايزال على قيد الحياة وأنه سعيدٌ جداً ببقاء حفيده حياً. وقال بأنه كان يشعر على الدوام بذنبٍ كبير يؤرّقه ويبعث في قلبه الألم، وبخاصة فإن ابنته ماندانه كانت تشك في مقتل طفلها الرضيع وكانت تتهم أباها آستياخ وتسأله الكثير من الأسئلة، والآن عادت المياه إلى مجاريها وانتهت الأزمة التي كان يعاني منها الملك، ثم طلب منه أن يرسل ولده ليلعب مع حفيده (كه ي روس)، وأن يأتي في اليوم التالي لأنه يريد تقديم قربانٍ للإله الذي لم يشأ قتل حفيده وأعاده إليه. فسقط الوزير هارباخ عند قدمي الملك فرحاً وشاكراً إياه لأن الملك لم يعاقبه على كذبه وعدم تنفيذه أمره الملكي الهام جداً، بل على العكس من ذلك دعاه إلى وليمة أيضاً، إلاّ أنه لم يكن يدري أن غضب الملك عليه سيوقد ناراً تحرق فؤاده مدى الحياة.
(لمزيد من التفاصيل، أنظر تاريخ هيرودوت)
(يتبع….)
https://www.facebook.com/Cankurd1
http://cankurd.wordpress.com
kurdaxi@live.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى