آراء

قصة الخنجر الكُردي

محمد زكي أوسي

من الحقائق العلمية الثابتة أنّ لكلّ شعبٍ مميزاتٌ خاصة، تميّزه عن غيره من الشعوب، كالملبس والمأكل والسكن ورؤىً خاصة عن الحياة كالدين والتراث والأسلحة التقليدية, إلى جانب الخصائص المقتبسة عن بعضها وتكون مشتركة, فالشعب الكُردي العريق في القدم بدءاً بكهف شاندر و مروراً بالامبراطورية الميدية والديانة الزرادشتية والعهدين الأخميني والساساني مع الفرس والإسلامي مع العرب, ومع جباله في كلّ العصور, لم يتكاسل عن بناء الحياة وتطورها في كلّ فرصةٍ مُتاحة, فهذا الشعب حافظَ على كلّ مميزاته رغم كلّ المصائب والمحن ومحاولات الإبادة التي تعرّض لها عبر تاريخه الطويل.

الخنجر الكُردي وتسميته: الخنجر رمزٌ مميّز للشخصية الكُردية, وهو السلاح الذي دافع به الكُردي عن نفسه وطوّره ليلائم طبيعة حياته الجبلية, لأنه سلاح جبلي سهل الحمل والاستعمال، وخاصةً في الطبيعة الوعرة وبكلّ الأوقات, واسمه يتكوّن من مقطعين (خه ن + جه ر), وكلمة (خة ن أو خين أو خون) تعني الدم وكلمة (جه ر) تعني الإظهار أو الكشف وبدمج المقطعين نحصل على معنى (كاشف الدم أو مُطلِع الدم), وانتشر الخنجر باسمه القومي الكُردي وحصلت عليه تغيرات عبر الزمن وتعدّدت أسماؤه وأنواعه بحسب المادة المصنوعة, منها ثلاثة أنواع في المنطقة الكُردية.

1- خنجر (دبان) من أحسن الأنواع 2- خنجر (قزبيني) من النوع الوسط 3- خنجر (تيخ) الاعتيادي.

معنى النتوئين واللون الأصفر في الخنجر الكُردي: لدى التدقيق في الخنجر الكُردي نرى نتوءين على مقبضه، وبشكلٍ دائري (قرص الشمس) دون غيره من الخناجر وغالباً يكونان من الذهب أو أي معدن آخر وباللون الأصفر دون غيره, وهذا شوهد على قبور الحمذبانيين الكُرد وخاصة قبر بير (مروان) الجد الأكبر لصلاح الدين الأيوبي، حيث نتوء دائري في أعلى القبضة والآخر في اسفلها, وأما سبب اللون الأصفر فمرجعه إلى (الزرزاريين) وهم من (الحمذبانيين) وواحدهم (زه رزاري) زه ر (أصفر) أي الذهب زا (الولادة) رى (الطلريق) أي (أصحاب الطريق الذهبي) أو (الزرادشتيون) أي أنصار الشمس ومقدّسوها وهذا دليل بقاء تأثيرات الميشرائية (الديانة التي تقدّس الشمس) كالشنتوية في اليابان الآن, على الحمذبانيين الكُرد رغم تحكّمهم الشديد بالإسلام, وكان الكُرد يعتقدون بأنّ صورة الشمس على الخنجر تعطيهم القوة والغلبة والمهابة, فأصبح اللون الأصفر فيما بعد شعاراً أو علماً يميّزهم عن غيرهم, ولذا اتخذ الأيوبيون الراية الصفراء رمزاً لهم ،وهكذا فعل الكُرد من بعدهم إلى الآن وخير شاهد على ذلك راية أفضل وأقوى الأحزاب الكُردستانية (الحزب الديمقراطي الكُردستاني – العراق) و وجود قرص الشمس الصفراء في العلم الكُردي.

انتشار الخنجر في الأصقاع الأخرى: سبق وقلنا إنّ الخنجر سلاح جبلي استعمله الجبليون قبل الشعوب الصحراوية وسكان السهول المنبسطة الذين استخدموا السيف (مثل العرب) لأنّ الأرض المنبسطة المكشوفة لا تعيق حمل السلاح الثقيل والطويل بذات الوقت, وهنا يتساءل أحدهم: كيف وصل الخنجر إلى اليمن (بلاد جبلية) وإلى أفريقيا, نقول في الإجابة: إنّ الخنجر لم يكن معروفاً في هذه المناطق قبل الإسلام ،ولا في فترة ظهور الإسلام حيث يُذكر هذا السلاح في تراث فترة (فجر الإسلام). ولم يرد ذكره كذلك في تاريخ الحروب القبلية في الحجاز, ويقترن ذكر الخنجر في هذه المناطق مع وصول طلائع جيوش صلاح الدين الأيوبي في القرن السادس الهجري إلى اليمن، حيث حكم الأيوبيون أكثر من قرنٍ هناك, وبذلك انتشر الخنجر هناك محتفظاً باسمه وشكله الكُرديين حتى القرن الثامن عشر, ثم طوّره اليمانية بما يناسب تراثهم وهو الآن جزء لا يتجزّأ من الشخصية اليمانية, أما في شمال أفريقيا والمناطق الأخرى التي حكمها الأيوبيون فانتشر فيها الخنجر بوصولهم إليها (مصر وليبيا) وغيرهما, وتمّ تطويره حسب ما يلائم زيّهم القومي.

أما في أوربا فتؤكّد (الموسوعة العسكرية) جـ2 الطبعة الأولى 1979م أنّ الخنجر لم يُستعمل سلاحاً قتالياً إلا في العصور الوسطى, وتذكر الموسوعة أنّ الخنجر كان سلاحاً للآشوريين وشعوب الشرق الأوسط, وهذا دليل أنّ صناعة الخنجر دخلت أوربا في عهد صلاح الدين الأيوبي (بعد الحروب الصليبية) أي في القرن الثاني عشر الميلادي, وتذكر الموسوعة أنّ أشهر الخناجر الأوربية هو المعروف باسم (سكراماساكس) الذي تطوّر إلى خنجرٍ أطول ذي حدٍّ قاطع واحد ونصلٍ عريض وعُرف هذا النوع باسم (ميزيري كرد) وهنا نترك المعنى للعارفين باللغات الأوربية وخاصةً عندما نرى كلمة كُرد.

أما أكثر الخناجر ندرةً وقيمةً فهو (الخنجر المدني) الذي يحمله القادة والأعيان نسبةً إلى المدينة, ومن الخناجر المشهورة عالمياً خناجر (الجنوب الآسيوي), وقد أدّى ظهور الأسلحة النارية والبعيدة المدى وكذلك تضاؤل الاشتباك بالسلاح الأبيض واستخدام السيف والحربة المركّبة في مقدمة البندقية إلى اختفاء الخنجر, وأصبح حمله محصوراً على رجال العصابات وقوات المظلات والمغاوير و الضفادع البشرية الذين يستخدمونه في الغارات الصامتة, ولكنّ الخنجر عند الكُرد لم يتغيّر وبقي كما كان رمزاً للتراث القومي, يتمنطق به الأعيان والأشراف والقادة وعامة الشعب دون استثناء.

المقالة منشورة في جريدة ييكتي العدد 288

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى