آراء

قضايا الشعوب.. من يمثلها؟ ومن يعاديها؟

د. عبد الحكيم بشار

تبلغ الدول ذات السيادة في العالم، وفق عضويتها في الأمم المتّحدة (193) دولة، تحظى جميعها بتمثيل متساوي في الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكل منها نظامها السياسي الخاص، وتقاد معظمها من شخصيات اعتماداً على قاعدة حزبية، مع استثناءات بالنسبة لبعضها، من حيث وجود مستقلين في سدة الحكم، فالتحالفات الحزبية والجبهات السياسية العريضة والائتلافات، خاصةً في البلدان ذات النظم البرلمانية، هي وسيلة للوصول إلى الحكم، وهي في الوقت ذاته أداة عصرية فاعلة بالنسبة للشعوب، التي تناضل من أجل حقوقها والحصول على استقلالها.

عند عودتنا إلى التاريخ الكوردي الحديث، سنقف بحكم الواقع مطولاً عند شخصيتين بارزتين ،كان لهما تأثير مفصلي في مجريات العمل النضالي والمسار السياسي، بسبب دورهما الكبير في تأسيس إطارين سياسيين، لا يزالان فاعلين حتى يومنا هذا، هما القاضي محمد بن علي بن قاسم بن ميرزا أحمد ( 1893 – 1947) الذي أسس الحزب الديمقراطي الكردستاني – ايران ، والزعيم الملا مصطفى محمد عبد السلام عبد الله البارزاني ( 1903 – 1979 )، الذي أسس الحزب الديمقراطي الكردستاني – العراق .

ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو عن السبب في قيام هاتين الشخصيتين التاريخيتين بتأسيس أحزاب سياسية، رغم شخصية كل منهما الفريدة وخصالهما النبيلة، والكاريزما التي يتمتعان بها، وقاعدتهما الشعبية والاجتماعية وحتى العشائرية، بحيث قد لا يضيف الحزب إليهما وإلى نضالهما العام كثيراً.

جاءت فكرة تأسيس الاحزاب السياسية لدى القائدين الكورديين، من إدراكهما للأهمية البالغة للإطار السياسي في تنظم الشعوب، والعمل على توعية الفرد، وتحفيز طاقته للمطالبة بحريته واستعادة حقوقه المسلوبة، ووضعه على طريق المطالبة بالخلاص من النظام الاستبدادي، وكذلك من أهمية الحزب كأداة لتمثيل الشعوب، والتفاوض باسمها في المحافل الوطنية و الإقليمية والدولية.

لم تعد النظم الاستبدادية تسير بمعزل عن الأحزاب، إلا أن الفرق بينها وبين النظم الديمقراطية، هو أن الأولى يحكمها حزب واحد، يقود الدولة والمجتمع، قد يحاول إظهار نفسه بمظهر تمثيلي واسع، عبر تأسيس أحزاب صغيرة وجمعها حوله عل شكل جبهة، تقوم بخدمة سياساته، وعلى العموم، يعتبر التنافس الحقيقي السلمي بين حزبين أو أكثر، إشارة إلى وجود ديمقراطية.

يعتبر الحزب في العصر الحالي، أياً كان اسمه أو ايديولوجيته، بجناح عسكري أو دونه، وسيلة وحيدة تقود الشعوب الى الخلاص من الاستبداد والمظالم، إذ شكلت التشكيلات الحزبية في معظم الثورات التحررية المسلحة، أداة تفاوض عنها، وتعد الأحزاب السياسية من أهم أركان ودعائم النظام الديمقراطي، بحيث لا يمكن تصور الديمقراطية بدونها، فمنذ ولادة الدولة الحديثة، كان للأحزاب السياسية دورها الملموس في تشكيل وإعادة بناء الدول، من ذلك في عملية البناء الديمقراطي في الولايات المتحدة وبريطانيا و فرنسا، من خلال دورها في إشاعة الثقافة السياسية الديمقراطية والرقابة الفاعلة على أعمال الحكومة وإعداد القيادات وتدريب الكفاءات، وتنشأة الأجيال نشأة ديمقراطية.

في هذا الصدد، ينبغي التنويه إلى الكثير من القوى المجتمعية التنويرية الرديفة، مثل المثقفين والمفكرين والكتاب و الباحثين في الشؤون الاجتماعية، إلا أن الحزب يبقى رأس الحربة والأداة الرئيسية الوحيدة القادرة على قيادة أي شعب عانى من الاضطهاد، وسلبت منه حقوقه، والتحشيد في الانتخابات، التي تشكل إنطلاقة نحو الديمقراطية والعمل الديمقراطي .

لقد أدركت الأنظمة الاستبدادية إذاً أهمية الأحزاب، ووقفت على خطر الأحزاب السياسية المعارضة لها، وبغية استمرار تحكمها بالشعوب ومصيرها وتسويق أجنداتها، لجأت إلى إضعاف الأحزاب المعارضة وشق صفوفها، من خلال التشهير بقياداتها والسعي لعزلها عن جماهيرها وحاضنتها وضرب ثقتها بها، واستعملت من أجل هذا الهدف الإغتيال المادي والمعنوي، من خلال وسائل دموية وقذرة، من القتل والإعتقال والنفي والتهديد والإساءة للسمعة والتشهير، وذلك لتحقيق هدف عزل الحزب عن الجماهير وفقدان ثقة الناس به، وبالتالي تدمير أية جهة أو منظمة تقاوم الاضطهاد وتدافع عن حقوق الشعب.

إن النظام السوري، هو أحد أكثر الأنظمة خبرة وتجربة في استخدام جميع الأدوات الشنيعة، من الاغتيال إلى الاعتقال الكيفي إلى التشهير بوسائل وأدوات قذرة، للنيل من الأحزاب المعارضة، ومنها الأحزاب الكوردية المعارضة لسياساته الدكتاتوية، من أجل دفع القائمين عليها إلى لاستسلام، للوصول إلى غياب ممثل سياسي كُردي، مدافع عن الشعب الكوردي في المحافل الوطنية والدولية.

وهكذا، فإن من يمثل الشعوب، هي الأحزاب السياسية والقوى الرديفة لها، لذلك تسخر الأنظمة الاستبدادية المعادية للديمقراطية وحقوق الانسان، جميع أدواتها وامكانياتها للقضاء على الممثل السياسي للشعوب، والذي بدونها لا يمكن لأي شعب نيل حقوقه، فتستخدم ضعاف النفوس أولاً، أداةً في التشهير والافتراء والكذب، واختلاق قصص وروايات زائفة وبث أوهام، قد ينجر إليها بعض البسطاء بدافع العاطفة وقلة الوعي، أو الوطنيين بحسن نية، وتكون النتيجة بالتالي، إضعاف الحركة السياسية والسياسيين الفاعلين والنخبة السياسية المؤثرة وتهميش دورها، لتحقيق مكاسب للنظام، على حساب مصلحة الكورد والحركة الكوردية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى