آراء

قنديل ودخان اميرالاي

وليد حاج عبدالقادر / دبي

في نقاشاتٍ قديمة تعود لأكثر من عشر سنين ، مع أصدقاء محسوبين ولايزالون على منظومة PKK ، وكانوا منفتحين حينها على خياراتٍ قومية كُردية ، واستمرّت صيغ الانفتاح على الصعد الشخصية إلى حين استبدال / إزاحة السيد مراد قره يلان من قيادة المنظومة ، بعد استقدام جميل بايق وبسي هوزات من إيران الى قنديل ، الأمر الذي انعكس بشكلٍ سلبي كبير وواضحٍ على وفي بينيات العلاقات الكُردستانية ، وهذا ما أثبتته الأيام ، خاصةً مع تتالي انكشاف رسائل ومواقف جميل بايق – المحمّلة معه ، سواءً من كُردستان أو الدولة القومية عموماً ، وما طرحه حينها ، ولم يزل يشتدّ في عداوته لها.

هذا الأمر الذي ناقض وبوضوحٍ الركيزة الأساس التي بنى عليها منظومته ، وكان واضحاً على أنه تخلٍّ صريح عن أهم المبادئ الأساسية التي زعمت التأسيس من أجلها ، وذلك بدون أية مراجعة نقدية ، لابل وعقد أي مؤتمر أو اجتماع موسّع ، بقدر ما صوّروه وكديكورٍ مبهرج ترتقي إلى سوية التخلي عن الأهداف وتحويرها ، وبالتالي كبدعةٍ يرتمون دائماً في حضنها ، وكظاهرةٍ فرضت مجدداً كتقية من قبل اليد العميقة المتحكّمة بمسار ومصير المنظومة جميعها ، وكلّ ذلك في لفظٍ قطعي لكلّ شعاراته التي ظلّ يرفعها ويدّعيها ، وضحّى عشرات الآلاف من شباب الكُرد بحياتهم من أجلها منذ أكثر من أربعة عقودٍ خلت ، نعم ! لقد ابتدأ تبشيرهم ظاهرياً في الدعوة إلى الاستقلال ، وببدعةٍ أشبه بترفٍ فكري ، تمّ التخلي عنها لحساب ٱيديولوجيا مفرطة في جدلها ، فارغة من أية أسس تطبيقية – عملية قد يمكن استناداً عليها ايجاد أبعاد عملية تنعكس في البيئة المجتمعية . إنّ هذا التخلي الذي كرّسته المنظومة ، وطبل ولم يزل لها ،وبمنتهى الوضوح والصراحة، القيادي البارز في منظومة PKK دوران كالكان بدعوته للكُرد بالتخلص مما سماها بـعقلية الدولة القومية الضيقة ، والشروع كبديلٍ عنها في ( تطوير إدارة العيش المشترك بين الشعوب والوحدة الديمقراطية ) . وعلى هدي ذلك اعتبر بأنّ كلّاً من حركة المجتمع الديمقراطي وحزب الاتحاد الديمقراطي ومجلس سوريا الديمقراطية تستطيع تطوير علاقاتها مع باقي الأطراف في المنطقة . ( سوى التوجهات القومية .. مني ).

واعتبر أنّ مثل هذه العلاقات مهمة جداً في الشرق الأوسط الجديد ، قائلاً إنّ المفهوم القومي كان سبباً في الدمار الذي لحق بالشرق الأوسط القديم . وكالكان هذا ! هو ذاته الذي كان قد صرّح في عام 2017 ، إبان استفتاء إقليم كُردستان ، بأنه لا يحقّ لأحدٍ أن يقوم بتقسيم دول تركيا وايران والعراق وسوريا ، وأنهم كمنظومة PKK يؤمنون ويسعون لبناء دولة شعوب الشرق الأوسط في هذه الدول الأربعة.

إنّ هذه التحولات المزاجية، والتي تحدث بين فترة وأخرى منذ تأسيس هذه المنظومة ، لاتزال وإلى الآن غالبية نتائجها / مخرجاتها تنصبّ في خدمة سياسات الدولة التركية العميقة ، وكانت أيضاً كطوق نجاةٍ لغالبية النظم التركية وإخراجها من عنق الزجاجة ، وبشكلٍ خاص نظام اردوغان الذي لازال المستفيد الأول منها ، هذا الأمر الذي لمسناه في كلّ أزمات تركيا البنيوية الحادة ، والتي كشفت معها أوراق وخفايا عديدة ، كما وهيّأت العوامل المساعدة لصعود الأحزاب القومية التركية المتطرّفة . إنّ اردوغان أدرك مبكراً المأزق الذي هو فيه ، وسعى بكلّ امكاناته للاستفادة من وجود عبدالله أوجلان في السجن ، وسخّر كلّ دهاء حقان فدان وأساليبه الأمنية ، ويُتوقّع مع قرب الانتخابات العامة التركية أن يكرّر أردوغان ذات السيناريو وبغطاءٍ مهستر، كما كان يمارسه دائماً ، وذلك للتأثير على الوضع الداخلي وحشد اليمين القومي مع الشعبويين من حوله ، ومؤخراً زادت جرعة تهديداته بالتماس مع الأزمة السورية ، ومن جديد لتكون فقط كما أية مؤثر صوتي من وراء كواليس مسرحٍ بديكور عصري ومتقن ، وبالمقابل هي ذاتها تلك البروباغندا المقابلة والمتمثّلة في استحضار صور أوجلان وكلّ الرايات والمؤشرات الدالة على الإنتمائية التامة لتراتبية هذه المنظومة.

وجاءهم الفرج كان وقتها ، ومن قرية حداد في ريف القامشلي تحديداً ، حيث ابتدأ المشوار وكانت سياسة براميل النظام وتدمير المدن ، والسعي الممنهج إلى بثّ الرعب ونشر ممارسات النظام التدميرية في الداخل السوري لخلق رادعٍ من الخوف تسلّلوا هم فيها ، وبالهوينى أخذوا مكان النظام ، وللأسف مارسوا تطبيق سياسة فائض القوة واستفرغوها بكلّ استبدادٍ على الكُرد ، وبالمقابل مارسوا سياسة استجلاب الجونتا التركية ومعها بروباغندا إعادة المناطق إلى النظام ، وذلك كونها أفضل من أن تحتلّها تركيا ،وطبعاً أقصد عفرين و احتلّتها تركيا وهكذا سري كانيي وكري سبي وللأسف جاءت قوات الاحتلال التركي وهاهي تفعل ما تفعل.

لقد وضعت هذه المنظومة بتفرعاتها ذاتها على مفترق طرق ، وباتت تضيع نصف عمرها بالاعتقالات والتصفيات وصراعات مع الجميع ، ناهيك عن خنق الحريات ، والنصف الثاني من عمرها منقسم إلى قسمين : أولها بالقسم العظيم على أنهم ضد الدولة القومية / الكُردية خاصةً ، لأنه يطالب بالحفاظ على جغرافية الدول القائمة وهي أساساً دول قومية / والقسم الآخر : يبحث فيه عن حلفاء جدد ويبرّر أيضاً أسباب فضّ التحالفات السابقة ! ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى