قوة الأوجلانيين في ضعف معارضيهم
عدنان بدرالدين
أنصار أوجلان في كردستان سورية في الواقع شرذمة صغيرة وهامشية من المجتمع الكردي.هم يشكلون، في أحسن الأحوال، أقل من خمس سكان المنطقة الكردية. جماهير مايسمى الإدارة الذاتية الديمقراطية، أو سلطة الأمر الواقع، سمها ماشئت، هم مزيج من الشباب الصغير المتحمس الذي لم يعاصر مرحلة التحالف الأوجلاني الأسدي في ثمانينيات وتسعينيات القرن المنصرم بجرائمه البشعة بحق الشعب والقضية، وبعض من فلول الحزب الأم الذين بقوا، لسبب أو آخر، في البلاد بعد طرد أوجلان من سورية، وحشد من العاطلين عن العمل، وأصحاب السوابق، والبعثيين السابقين، والمقربين من أجهزة النظام الأمنية، وأيضا بعض المثقفين الإنتهازيين العاديين الذين يتمايلون مع التيار، من أي جهة هب، بالإضافة، طبعا، إلى شريحة محدودة من الوطنيين المخلصين المخدوعين بشعارات الحركة البراقة، لكن الخاوية من أي مضمون، التي تمطرها بهم أجهزة دعاية حزبية نشطة وباذخة، بالمقاييس الكردية.
ليس للحركة الأوجلانية ،إذن، سند جماهيري يمكنها الركون إليه في “إدارتها” للمناطق الكردية. الأمر ذاته ينطبق على قواتها العسكرية. مايقارب نصف هذه القوات هم مقاتلون من غير كرد سورية، سيعودون من حيث أتوا، ولو بعد حين. أغلبية النصف المتبقي هم ضحايا عمليات التجنيد القسري لشباب كردي لايتقبل فكر الحركة، أو توجهاتها السياسية، وهو يتحين الفرص لترك صفوفها، أو حتى الإنقلاب عليها. الدعم العسكري التكتيكي الذي تتلقاه الحركة من أمريكا، وبعض الدول الأخرى مؤقت، سينتهي مع وضع حد للفوضى الحالية في المنطقة، وهو، بالرغم من كل الضبابية وإنسداد الأفق الذي يميز الوضع الراهن، أمر حتمي ومسألة وقت وحسب.
صحيح أن أوجلانيي سورية المتحالفين مع نظام الأسد يسابقون الزمن من أجل الحفاظ على وضعهم الحالي ك”حزب قائد” وعلى “مكتسباتهم” في كردستان سورية، مستغلين حالة الفوضى المريعة التي تعصف بالمنطقة، ومستفيدين من سياسات أردوغان الداخلية والخارجية الرعناء، ومن إنكفاء الدور الأمريكي في المنطقة تحت إدارة أوباما الكارثية، وإرتفاع أسهم حلفائهم الروس والإيرانيين كنتيجة مباشرة لهذا الإنكفاء. لكن اللعبة الأوجلانية، ما كان لها، رغم ذلك كله، أن “تنجح” لو كان لها معارضة حقيقية على الأرض.
المجلس الوطني الكردي فشل، حتى الآن، تماما في التصدي للمشروع الأوجلاني المدمر في كردستان الغربية، لابل أنه بتركيبته القائمة على المحاصصة الحزبية، وإتكاليته المطلقة على كردستان العراق، وتخليه شبه الكلي عن كوباني وعفرين وكرد دمشق واللاذقية الذين يشكلون أكثر من 60٪ من مجموع الشعب الكردي في سورية، وتهربه المستمر من تحمل مسؤولياته التاريخية بحجج وذرائع غير مقنعة، مهد الطريق أمام هذه المجموعة الصغيرة لأن تقوى وتمارس سياساتها المدمرة التي باتت تشكل خطرا وجوديا على شعبنا ونضاله من إجل الحرية. التذرع بأن مواجهة إستبداد الحركة الأوجلانية فعليا سيقود إلى حرب أهلية كردية-كردية هي إحدى هذه الحجج الواهية التي يرددها أصحاب المجلس صباح مساء، وذلك لأن الحرب الأهلية، تعريفا، تستلزم، على الأقل، وجود قوتين مسلحتين متكافئتين تتنازعان من أجل السيطرة على منطقة جغرافية محددة، قد تكون دولة أو جزء منها، وهو أمر غير متوفر في الحالة المشخصة، نظرا لأن مجلسنا الموقر لايسطتيع حماية قياداته من الإعتقال، ناهيك عن مجابهة قوات الحركة الأوجلانية المسلحة. أما الكلام عن أن الأمور قد تخرج عن السيطرة لدرجة يهب فيها الشعب بذاته لمواجهة إستبداد سلطة الأمر الواقع الأوجلانية فهو نوع من الفعل الإنشائي المرسل الذي لايستحق أن يرد عليه.
لقد بات جليا الآن بأن جماعة أوجلان السورية تعمل جاهدة من أجل إسكات صوت المجلس الوطني الكردي نهائيا، أوإرغامه على الخضوع والإنضمام إلى إدارته الذاتية المزعومة. فالجماعة ومسييروها من وراء الستار يدركون جيدا إستحالة حصول مشروعهم السياسي على إعتراف دولي أو إقليمي بشكله الحالي لأسباب معروفة من أبرزها كونهم مجرد إستطالة لحزب العمال الكردستاني المدرج على لوائح الإرهاب في الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوربي، ولهذا فهم يرمون إلى خلق أمر واقع أمام هذه القوى يمكنهم بعده محاورتها بالقول “نعم، نحن سيئون، ولكن ليس في الميدان غيرنا”.
يجب على المجلس الوطني الكردي العتيد، وهو على أبواب مؤتمره الرابع، أن يراجع سياساته جيدا، إن هو أراد حقا أن يظل قوة سياسية ذات صوت مسموع في الساحتين السورية والكردية، فإداءه تدهور مؤخرا بصورة مريعة وبات في وضع لايحسد عليه.
هناك مهام عاجلة أمام المجلس لاتحتمل أي تأخير مثل إعادة هيكلته على أساس الإنفتاح على القوى الحية في المجتمع الكردي، وإلغاء مبدأ المحاصصة الحزبية في تشكيل هيئاته القيادية مستبدلا إياه بمبدأ الكفاءة، وتفعيل لجنة العلاقات الخارجية من أجل إيصال صوت شعبنا إلى المنابر الدولية ومراكز القرار، بما في ذلك معاناته المريعة تحت سلطة الأمر الواقع الأوجلانية، وإيلاء أبناء وبنات شعبنا في عفرين وكوباني ودمشق واللاذقية مايستحقون من إهتمام يوازي ثقلهم الديمغرافي والسياسي والثقافي في المشهد الكردي في سورية، والإنفتاح على المبادرات السياسية الجديدة في الساحة الكردية بإيجابية (مبادرة “سوز” على سبيل المثال)، وأخيرا، ولكن ليس من حيث الأهمية، العمل من أجل توفير الظروف من أجل عودة بيشمركة كردستان الغربية إلى موطنهم كشرط حاسم من أجل إعادة التوازن إلى الفعل السياسي الكردي في سورية.
لامستقبل للحركة الأوجلانية في كردستان سورية، فقد كانت على الدوام، ومازالت، عنصرا طارئا على التوليفة السياسية الكردية السورية ثقافة وفكرا وسلوكا وأهدافا، ولهذا فإن رحيلها عن الساحة هو أيضا مسألة وقت، لكن الخوف كل الخوف، هو أن تأخذ في رحيلها معها مستقبل شعبنا كله إلى المجهول.