“قيصر” يهدد لبنان بفوضى كهربائية ويسقط الاتفاقات الأمنية مع سوريا
دخل قانون “قيصر” رسمياً حيز التنفيذ مرخياً بظلاله على لبنان الذي يتخبط في أزماته السياسية والاقتصادية. ويأتي ذلك فيما تعجز الحكومة عن مناقشة تداعيات هذا القانون. ويستغرب مرجع سياسي التعاطي السطحي للحكومة تجاه القانون، وعدم مبادرتها إلى مصارحة الرأي العام اللبناني وإطلاعه على المخاطر التي قد تُعرِّض الأفراد وأصحاب المصالح للعقوبات. ويشير المرجع إلى أن الدولة اللبنانية ليست هدفاً مباشراً لقانون “قيصر”، إلا أن ترابط كثير من الملفات بين البلدين يحتّم عليها البحث بعمق في ملفاتها وآلية التعامل معه وفق ما تقتضيه المصلحة العليا للبلد.
ويعتبر المرجع أن “قانون قيصر من بين أخطر قوانين العقوبات الأميركية، كونه لا يحدد سلفاً الكيانات والقطاعات والأشخاص التي يستهدفها، بمقدار ما يخوّل الإدارة صلاحيات استنسابية بأوامر تنفيذية وفقاً للمصالح الأميركية”، مضيفاً أنه “في حال استمرت الحكومة بتجاهل التعاطي الرسمي والدبلوماسي، فإن تطبيق القانون من دون استثناءات تراعي مصلحة الدولة اللبنانية وحاجات مواطنيها سيشكل الضربة القاضية للاقتصاد اللبناني قبل السوري”.
أربعة تقارير
وتشير معلومات دبلوماسية غربية إلى أن من بين أهداف الولايات المتحدة فصل الممر البري الذي تسعى طهران إلى إقامته في المنطقة، والذي يشمل العراق وسوريا ولبنان، مؤكدة أن تداعيات تنفيذ القانون لا يمكن أن تبقى بعيدة عن لبنان، الذي يتعاطى نظام دمشق معه بوصفه باحته المالية والمصرفية والتجارية الخلفية.
ومن المتوقع أن يُنفّذ القانون عبر مراحل، إذ يُنتظَر صدور التقرير الأول بعد 17 يونيو (حزيران) الحالي، ويتضمن عقوبات على شخصيات نافدة في النظام السوري، تليه مرحلة ثانية في الأسبوع الأول من يوليو (تموز) المقبل، وتتضمن أسماء جديدة لها علاقات اقتصادية وسياسية مع النظام. على أن يصدر تقريران آخران قبل سبتمبر (أيلول) 2020.
وتشير المعلومات إلى أن اللجنة التنفيذية للقانون تستقصي عن أكثر من 15 شخصية لبنانية قد تكون متورطة بدعم النظام السوري، لا سيما فيما يتعلق بتوفير غطاء سياسي على عمليات التهريب المستمرة على الحدود اللبنانية السورية، إذ إن التهريب يعتبر أحد أوجه دعم النظام بصورة غير مرئية.
وفيما تغيب الأرقام الدقيقة عن حقيقة التبادلات التجارية بين لبنان وسوريا، تشير أرقام إدارة الجمارك اللبنانية إلى أن مجمل نشاط التبادل التجاري بين البلدين يقارب 600 مليون دولار. وهو رقم تتفق الآراء على عدم صحته كون سوق التهريب بين البلدين ناشطة. وتشير تقارير المصرف المركزي إلى أن لبنان يتكبد سنوياً خسائر بنحو 4 مليارات دولار بسبب التهريب إلى سوريا.
فوضى كهربائية
ووفق المعلومات فإن قانون “قيصر” يحظر على الدولة اللبنانية دفع العملة الصعبة إلى الدولة السورية. ما يعني وقف جميع أنواع التجارة بين الدولتين، ومن ضمنها استجرار الطاقة الكهربائية المقدرة بنسبة 20 في المئة من الإنتاج المحلي، إذ ترتبط الدولة اللبنانية بعقود استجرار الطاقة الكهربائية من سوريا وعقود تشغيل وصيانة، ما يعني أن ساعات تقنين الكهرباء في لبنان مرشحة للزيادة، إذا مُنع لبنان من شراء الطاقة من سوريا.
فالعقود المرتبطة مع المؤسسات الرسمية السورية تعتبر بالنسبة إلى قانون “قيصر” بمثابة دعم للنظام. ويرفض الجانب الأميركي جميع الاستثناءات التي طلبها لبنان، باستثناء دفع بدلات الترانزيت والعبور البري لشاحنات النقل الخارجي كون الحدود البرية للبنان تمر عبر سوريا، ما يشير إلى جدية قانون “قيصر” الهادف إلى تطويق الرئيس السوري بشار الأسد وقطع أواصر التواصل معه.
الوزير يتهرب
وتشير مصادر في وزارة الطاقة إلى أن مؤسسة كهرباء لبنان بصدد التجديد الروتيني لهذه العقود، وستطلب من وزارة الخارجية اللبنانية إفادتها إذا ما كان هناك ما يمنع ذلك في ظل قانون “قيصر” والعقوبات المفروضة على سوريا، مشيرة إلى أن سداد المبالِغ المستحقة يتم عادة عبر مصرف لبنان بالليرة اللبنانية.
وتؤكد مصادر أن وزير الخارجية ناصيف حتي، في حال وصله كتاب مؤسسة كهرباء لبنان سيعمد إلى رفعه إلى مجلس الوزراء، كون الحكومة ستنظر إذا ما كان القانون يمنع شراء الكهرباء من سوريا. إذ إن مقاربة الموضوع، وفق المصادر، ستتم انطلاقاً من القانون اللبناني، وسيُطلب من وزارة العدل وهيئة تشريع القضايا إبداء الرأي القانوني في هذا الشأن.
دولة إرهابية
ويرى الباحث المالي والاقتصادي وليد أبو سليمان، تعليقاً على قانون “قيصر”، أن “استجرار الكهرباء من سوريا وفقاً للاتفاق بين الحكومتين اللبنانية والسورية سيكون تحت مجهر قانون قيصر الذي يعتبر هذه الاتفاقات بمثابة تعامل مع دولة ارهابية”. ويدعو أبو سليمان المصارف اللبنانية العاملة في سوريا إلى التعامل بحذر مع الداخل السوري، كذلك الشركات والأفراد الذين كانوا يعولون على الاستثمار في سوريا، لأن ذلك من الممكن أن يرتب عليهم عقوبات.
ويوضح أن الولايات المتحدة مهتمّة جدياً بموضوع الكهرباء، مشيراً إلى دخول عدد من الشركات الأميركية الساحة اللبنانية لبناء معامل إنتاج. ويضيف أن في إمكان أميركا أن تكون مرنة في تطبيق القانون، وأن تتفهم التبادل التجاري الصناعي والزراعي مع سوريا.
قطع التبادل التجاري
في الإطار ذاته، يعتبر البروفيسور في الاقتصاد جاسم عجاقة، أن قانون قيصر يعد استجرار الكهرباء من سوريا إلى لبنان دعماً للحكومة السورية، إذ تُسدد التكلفة بالعملة الصعبة.
ويؤكد عجاقة أن قانون قيصر سيؤثر بنسبة كبيرة في التبادل التجاري بين لبنان وسوريا، ما يهدّد بقطع التبادل التجاري مستقبلاً، وذلك بحسب تفسير وترجمة القانون على أرض الواقع، خصوصاً أن العقوبات تشمل المتعاملين مع الحكومة السورية وليس مع المدنيين السوريين الذين عليهم إثبات أنهم ليسوا واجهة للنظام السوري.
ويلاحظ أستاذ القانون الدولي علي مراد، أن القانون يشمل أيضاً الاتفاقات العسكرية وهيئات التنسيق بين سوريا ولبنان، ومنها المجلس الأعلى اللبناني السوري المشكل منذ عام 1991، واتفاق الدفاع الأمني الموقع في 2019، معتبراً أن القنوات الأمنية الخلفية المفتوحة بين البلدين ستكون هدفاً مباشراً للاستهداف والإدراج على قوائم العقوبات.
اندبندنت