كردستان العراق: وتحديات مصيرية على الأبواب
عبدالباسط سيدا
ما لا حظته في زيارتي الأخيرة الخاصّة إلى إقليم كردستان العراق – هولير تحديداُ – هو الحضور اللافت للفواكه والخضار المحلية الانتاج في الأسواق؛ الأمر الذي يبشّر في جميع الأحوال بأنه ثمة اهتمام القطاع الزراعي المحلّي. كذلك كان لافتاً وملحوظاً تزايد نسبة تشجير الجبال، في العديد من المناطق التي زرتها. وفي أحاديث مع مجموعة من الأصدقاء، عرفت أن زراعة الزيتون في الإقليم قد أعطت نتائج جيدة هذا العام. وأن السكان بدأوا بزراعة الأشجار المثمرة من مختلف الأنواع، والأشجار الحراجية أيضاً.
هذه الوقائع والأخبار مشجعة ومبشّرة، كما أسلفت، لأن العقلية الاتكالية التي سادت على مدى العقدين المنصرمين، كانت تسنتزف الأموال الكثيرة التي حصل عليها الإقليم من مصادر شتّى، كان من المفروض أن تُستثمر لبناء بنية تحتية متماسكة، تهيئ لتطوير متوازن لسائر القطاعات الإقتصادية، لتجاوز مخاطر الاعتماد على النفط مصدراً وحيداً للدخل الوطني على مستوى الإقليم؛ لا سيما وأن المؤشرات جميعها، من أبحاث وسياسات وتطبيقات ووقائع ملموسة، تؤكد أن مستقبل النفط بات منظوراً. وهناك من يرجح بأنه لن يكون النفط ذا شأن بعد نحو عقدين من الزمان على أبعد تقدير.
صرف على الأموال على الرواتب بشكل غير مدروس وبصورة كافية، وعلى مشاريع خدمية غير أساسية فاقت الحاجات الفعلية، هذا إلى جانب حالات الفساد التي بات القاصي والداني يتلّمسها، ويشكو الناس منها في غالبية الميادين وعلى مختلف المستويات، ولدى سائر الأطراف السياسية ومن دون أي استثناء، كل ذلك كان الانطباع العام المتداول عن الحياة الادارية والاقتصادية والسياسية في إقليم كردستان العراق.
يمتلك الإقليم أراضٍ زراعية خصبة واسعة المساحات. كما يمتلك المياه اللازمة، وربما هناك نقص في الخبرات، خاصة ما يتصل منها بزراعة الأشجار المثمرة والخضار، إلى جانب المحاصيل الاستراتيجية. ولكن الفرصة المناسبة قد تهيأت بفعل تواجد عدد كبير من اللاجئين السوريين. فهؤلاء يمتلكون الخبرات المطلوبة. وكان، وما زال، بالإمكان الاستفادة منهم ضمن اطار خطط واقعية، يتم وضعها بعناية، ويجري تنفيذها ومتابعتها من قبل المختصين المؤمنين بأهيمة الإعتماد على الذات، وبناء الأسس القوية للاقتصاد الوطني الذي يمتلك الكثير من الإمكانيات الواعدة.
إلى جانب الزراعة، هناك قطاع السياحة الذي يبشّر بنجاحات مستقبلية كبيرة. فالإقليم يتمتع بطبيعة متنوعة خلابة، تشمل الجبال والسهول والأودية والأنهار والينابيع والشلالات؛ وكل ذلك يجذب – وسيجذب المزيد- المصطافين والسياح سواء من الداخل العراقي، أم من الجوار العربي والتركي والإيراني، وحتى على المستوى العالمي، شرط توفر البنية التحتية والخدمية – بما في ذلك الخدمة المصرفية الأمينة السلسلة- اللازمة وبالمقاييس المتعارف عليها دولياً.
أمر آخر يلفت الانتباه في الإقليم، هو التركيز على القطاع الخدمي الاستهلاكي في المقام الأول الذي يشمل الفنادق والمطاعم والمحلات التجارية. والاعتماد على العمالة الأجنبية في المنازل. كل ذلك مقابل غياب شبه تام للانتاج الصناعي المحلي الذي من شأنه تلبية حاجات السوق الداخلية في الميادين المتنوعة. فالاهتمام بالقطاع الصناعي سيؤدي إلى الحد من نسبة البطالة المرتفعة، وإعداد الكوادر، وتوفير الأموال الطائلة التي تنفق على استيراد الكثير من المنتجات التي يمكن صناعتها بسهولة في الإقليم، خاصة مع تواجد عدد كبير من المهنيين السوريين الذين يمكنهم أن يتحولوا بفضل خطة متكاملة من لاجئين عالة إلى منتجين فاعلين، يساهمون في نهضة الإقليم الاقتصادية، وهم أيضاً من جانبهم سيستفيدون.
من جهة أخرى، يمتلك الإقليم امكانيات هائلة في ميدان الاستفادة من الطاقة النظيفة، لا سيما الشمسية والهوائية منها. ويمكن لجامعات الإقليم، ومراكز البحوث التابعة لها أن تؤدي دوراً كبيراً في هذا الميدان. وذلك ضمن إطار استراتيجية شاملة، تربط الجامعة بالمجتمع عبر التركيز على الاختصاصات المطلوبة للنهوض بالاقتصاد الوطني، وهذا بدوره سيساهم في ايجاد فرص العمل لخريجي الجامعات، مما سيحد من نسبة البطالة المرتفعة، ويهيئ القدرات الفعلية للاستفادة من الطاقات الشبابية.
إقليم كردستان العراق- كما نعلم جميعاً- أمام استحقاق الاستفتاء المصيري في الخامس والعشرين من شهر أيلول/سبتمبر القادم. استحقاق الاستفتاء حول الاستقلال الذي يجسد حلم كل كردي. وهو استحقاق يواجه تحديات كبرى إقليمية ودولية. لكن التحدي الأكبر يتمثل في ضرورة تعزيز تماسك الموقف الكردي عبر حوارات بناءة مسؤولة، وتجاوز الخلافات الهامشية التي تستهلك الوقت والجهد، وتعطي المجال للقوى الإقليمية الي لا تروق لها خطوة الإقليم هذه لأكثر من سبب. وبالتالي، القوى الكردستانية مدعوة للتفكير بعقلية رجالات الدولة، والقطع مع العقلية الحزبية العقيمة.
ولكن، في جميع الأحوال، يبقى الإقتصاد القوي هو العمود الفقري لنهضة المجتمع وتقدمه على مختلف المستويات. والمسيرات الكبرى تبدأ دائماً بالخطوة الأولى. لذلك فليكن القطاع الزراعي مع الصناعات التحويلة المكملة له، سيكون خطوة الإقليم الأولى في مسيرته الكبرى.
المركز الكردي السويدي للدراسات
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي يكيتي ميديا