كــرد العراق في المهجر: الدور والواجب المفقود
هـوشـنك أوسـي
ثمة دَينٌ كبيرٌ لكرد سوريا في رقبة كردستان العراق وكردستان تركيا. فما قدّمه الشعب الكردي في سوريا للحركة التحرريّة الكرديّة في العراق وتركيا، وفي أصعب الظروف وأكثرها حلكة، لا يمكن مقارنته بما قدمته سلطات كردستان العراق أو حزب العمال الكردستاني، لكرد سوريا في ساعة المحنة والشدّة والضيق. ولو كانت كردستان إيران على حدود كردستان سوريا، لما بخل أبناء الشعب الكردي في سوريا على الحركة التحرريّة الكرديّة في إيران، بنفس ما قدّموه لمثيلتيها في العراق وتركيا. ومع ذلك، هنالك ما ينبغي قوله بصراحة وشفافية مطلقة، هو أنه يتم التعامل مع الكردي السوري في العراق وتركيا على أنه كردي درجة ثانية؟!. ويتم تناسي بأن النعيم والسلطة والاستقلال والحريّة التي ينعم بها كرد العراق، لكرد سوريا أسهم كبيرة وكثيرة فيه. كذلك لولا كرد سوريا، لما كان هنالك شيء اسمه حزب العمال الكردستاني أصلاً. ولكانت حاله كحال الأحزاب الكرديّة التركيّة الأخرى، لو أن كرد سوريا أداروا ظهرهم لهذا الحزب في ساعة الضيق والشدة والحرج، ولم يقدّموا له العون والغالي والنفيس بالمال والدم والجهد على مدى ما يزيد على ثلاثة عقود، وحتى لحظة كتابة هذه الأسطر. ومع ذلك، يتناسى البرلمانيون والبرلمانيات الكرد في البرلمان التركي، ويتناسى رؤساء البلديات والمؤسسات السياسيّة والثقافيّة الكرديّة في تركيا، أن المكاتب التي هم فيها، والكراسي التي يجلسون عليها، جزءٌ كبيرٌ منها هو من كيس وكد ودماء كرد سوريا!.
ومن المؤسف القول: إن المواطن الكردي السوري، بالنسبة لكرد تركيا هو “سوريالي”، بالنسبة لكرد العراق هو “سوري”. وهذا واضح على مستوى سوق العمل في كردستان العراق، وتدنّي الأجور والمعاشات التي تقدّم لكرد سوريا، قياساً بأقرانهم من اللبنانيين والاردنيين والمصريين والأتراك…، من ذوي الاختصاصات نفسها!. ومع كل ما سلف ذكره، وعلى مراراتها، ما زال كرد سوريا أصحاب شعور والتزام قوميين تجاه قضايا كرد العراق وكرد تركيا المصيريّة، على حساب قضايا وقرارهم ومصيرهم، ويفضّلون مصالح كرد العراق وتركيا، على مصالحهم ككرد سوريين. والأمثلة على ذلك، أكثر من أن تحصى.
مناسبة هذا الكلام، هو الاستفتاء المزمع إجراءه في أيلول القادم، الذي من المفترض أن يقرر مصير إقليم كردستان العراق، وهل سيذهب إلى الانفصال – الاستقلال وإعلان الدولة أم لا؟، ومدى تفاعل كرد العراق الموجودين في المهجر مع هذه الخطوة المصيريّة في تاريخ كردستان العراق بشكل خاص. ذلك أن المتابع لأحوال كرد العراق في المهجر، ومنظمات الاحزاب الكرديّة العراقيّة في أوروبا وأمريكا، بخاصّة “الديمقراطي الكردستاني” و”الاتحاد الوطني الكردستاني”، ينتابه شعور وكأنّ الأمر لا يعنيهم ويعني مصيرهم البتّة!. فمنذ الإعلان عن تاريخ إجراء الاستفتاء، لم ينظّم كرد العراق أي نشاط جماهيري (اعتصام، مظاهرة، ندوة في أي برلمان من برلمانات البلدان الأوروبيّة…) يدعم الاستفتاء، ويدعم خيار الاستقلال!. في حين نجد أن من يقوم بهكذا نشاطات داعمة للاستفتاء وخيار الاستقلال والذهاب إلى الدولة الكرديّة هم نشطاء كرد سوريين!.
وأتمنى أن يصحح لي المسؤولون الكرد العراقيون أو الكتّاب والمثقفون الكرد العراقيين المتواجدين في الوطن أو المهجر، منذ سنة 1975 وحتى الآن، هل قام كرد العراق بتنظيم نشاط جماهيري في أوروبا شارك فيه نحو خمسة أو عشرة آلاف كردي؟!، وأين ومتى كان ذلك؟. مرّت أحداث كارثيّة على كردستان العراق كمجزرة حلبجة، وحملات الانفال، ومجزرة شنكال على أيدي تنظيم “داعش” الإرهابي…، هل قام كرد العراق في كل دول الاتحاد الأوروبي، بتنظيم اعتصام جماهيري شارك فيه الساسة والمثقفين وعامة المواطنين، وناهز عدد المشاركين في هذا الاعتصام او المظاهرة قرابة 10 آلاف شخص؟!.
قياساً بحملات النزوح والهجرة التي شهدتها كردستان العراق، أعتقد أنه هنالك الآن ما لا يقل عن 2 الى 3 مليون مليون كردي عراقي يعيشون في دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا. ماذا فعل هؤلاء لتخفيف الضغط على كردستان العراق، بخاصّة في الازمة الاقتصاديّة التي شهدتها، نتيجة الخلاف مع بغداد وقطع ميزانية الإقليم؟!. لو تبرّع كل شخص من هؤلاء بـ5 دولار شهريّاً للإقليم، ودعم اقتصاده، لدخلت إلى ميزانية كردستان 10 ملايين دولار كل شهر. وخلال عام واحد، لحصل الإقليم على ما يزيد على 120 مليون دولار من تبرّعات أبنائه المقيمين في المهجر. لكن لم يحدث شيء من هذا القبيل. لماذا؟. ومسؤوليّة من، هذا التقاعس؟. هل هي مسؤوليّة الحكومة الكرديّة في الإقليم؟. هل هي حصيلة أزمة الثقة بين المواطن المقيم في المهجر والحكومة؟!. بكل تأكيد هنالك إجابة على هذا التساؤل. ولكن من المجيب؟!.
لماذا اللوبي التركي أكثر نشاطاً في أوروبا وأمريكا من اللوبي الكردي العراقي؟!. لماذا ممثليّات إقليم كردستان، ومنظمات الاحزاب الكردستانيّة العراقيّة، في أوروبا وأمريكا، هي فقط للوجاهات والاستفادة الوظيفيّة والمناصبيّة ولزوم التشريفات…، لا أكثر؟!. هل أجرت حكومة الإقليم جردة حساب لحجم النفقات التي تصرفها على هذه الممثليات، ولمجمل تفاصيل السلك الدبلوماسي الكردي في المهجر وقياس الصادر المالي مع الوارد السياسي والدبلوماسي؟.
الواضح للعيان أن هنالك هشاشة كبيرة وضعف وعجز كبيرين يكتنف أداء أبناء الجالية الكردية العراقيّة في أوروبا وأمريكا حيال ما يجري الآن، وإزاء التحدّيات المصريّة التي تواجه كردستان العراق. هذا العجز والفراغ، لا يمكن أن يملأه نشطاء ومثقفون كرد سوريون، مهما بلغوا من المهارة والجدّ والاجتهاد والحرفيّة في العمل التنظيمي. ومهرجان كولن المزمع تنظيمه نهاية شهر آب المقبل، خيرُ مثالٍ على ذلك.
أعتقد أنه يمكن الاستفادة من تجارب شعوب أخرى، في ما يتعلّق بتنظيم جالياتها في المهاجر، وربطها بالوطن، عبر شبكة من المشاريع والنشاطات والجمعيات على الصعيد الاقتصادي والثقافي والخدمي، دعماً للقضايا القوميّة والمصيريّة، بخاصّة ما يتعلّق منها بتأسيس دول. وهذا ما لم تفعله حكومة إقليم كردستان العراق منذ 2003 وحتى الآن. ليس هذا وحسب، بل لم تستفد حكومة الإقليم حتى من تجربة حزب العمال الكردستاني، لجهة التحشيد والتنظيمي الجماهيري. ولا يعني أن العمال الكردستاني لم يحقق شيء بخصوص تحرير الأرض، على أنه كان فاشلاً في تحشيد وتحريك قواعده الجماهيريّة في أوروبا طيلة العقود الماضية.
حتى الآن، لم يقم رئيس الإقليم السيد مسعود بارزاني، ولا رئيس الحكومة السيد نجيرفان بارزاني، بجولات للقاء بأبناء الجالية الكردية العراقية في المهجر، والمشاركة في حملات جماهيريّة تدعم الاستفتاء وخيار الدولة الكرديّة!.
أيّاً يكن من أمر، يمكن تلافي هذه الأخطاء القاتلة، لحين موعد الاستفتاء، وما بعده. والأهم من كل ما سلف ذكره، هو مدى التزام قيادة الإقليم بنتائج الاستفتاء والذهاب إلى إعلان الاستقلال، حتى ولو كانت نسبة التصويت بـ”نعم” 51 بالمئة. وأعتقد أن أي تراجع عن الاستقلال، سيفقد الإقليم وقيادته المصداقية. وبل سيترتّب على ذلك نتائج وخيمة، ستكون أشد كارثيّة من هزيمة 1975. ذلك أنه لا يوجد شيء يمكن لقيادة الإقليم أن تخاف أو تخشى منه، قياساً بفترة 1975. فلا السلاح يأتي من شاه إيران حاليّاً، حتى تقطعه إيران عن الكرد، ولا كينسجر يرأس الدبلوماسيّة الأمريكيّة حاليّاً. ولا الظروف الإقليميّة والدوليّة تشبه مثيلاتها في حقبة السبعينات. ومع ذلك، أي تراجع عن الاستقلال، والرضوخ للضغوط الإقليميّة وعدم المضي في خيار الدولة حتى النهاية، سينجم عنه نكوص سياسي ونفسي عميق، لا يقلّ في تأثيراته وارتداداته عمّا جرى سنة 1975، عقب التوقيع على اتفاقيّة الجزائر.
جميع المقالات المنشـورة تعبـر عــن رأي كتـابهـا ولا تعبـر بالضــرورة عــن رأي Yekiti Media