آراء

كوباني ……. دروس وعبر

فؤاد عليكو

لا شك أن تحرير كوباني من متطرفي داعش أو بتعبير أدق صد هجماتهم منعاً لسقوطها، أثلج صدر كل القوى المدافعة عن القيم الإنسانية بشكل عام وأهالي كوباني بشكل خاص، وزاد لديهم الأمل بتحرير كل ريف كوباني قريباً والعودة إلى ديارهم بعد معاناة طويلة في اللجوء والعيش تحت ظروف استثنائية قاسية.

والآن وبعد أن خفت حدة الضجة الإعلامية التي رافقت تحرير مدينة كوباني والاستثمار الحزبي المنقطع النظير من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي، وإصداره البيان (التاريخي) الذي يمجد فيه بطولات وتضحيات قواته العسكرية متجاهلاً بشكل متعمد القوى العسكرية الأخرى التي ساهمت بفعالية في معركة كوباني، كقوات البيشمركة التي قدمت من كردستان العراق، والجيش الحر الذي وقف معهم منذ البداية وعزز تواجده بقوات إضافية فيما بعد، وكذلك تجاهل الغطاء الجوي الدولي المساند للقوى المدافعة عن كوباني والذي كان له الأثر الحاسم في تغيير قواعد الاشتباك، كل ذلك لا يقلل من أهمية تحرير المدينة من براثن برابرة العصر الذين أصابهم الغرور بأنهم القوة التي لا تقهر أمام تمددهم الجغرافي المذهل في سورية والعراق، فجاءت هزيمتهم في كوباني بمثابة نكسة كبيرة وموجعة لهم، وبالتأكيد سوف يعيدون حساباتهم العسكرية من جديد، وكل ذلك بفضل صمود المقاتلين والتضحية بأغلى ما لديهم، والتنسيق الموفق بين جميع القوى المشاركة في المعارك الدائرة والتي استمرت أكثر من أربعة أشهر ونصف.

أثيرت تساؤلات كثيرة من قبل الكثيرين من قوى وشخصيات المعارضة، لماذا كل هذه الضجة الكبيرة حول كوباني رغم أنها لا تعتبر استراتيجية في المعايير العسكرية والسياسية؟ ولماذا لا يتدخل طيران التحالف الدولي إلى جانب الثوار في المعارك الدائرة مع النظام أو مع داعش في مواقع أخرى من سورية؟ قد يخفي هذا التساؤل المنطقي والبريء نوايا غير بريئة في طرحها وغمزاً في اتجاهات مختلفة تطال الكرد وعلاقاتهم بأمريكا وخلفيات هذه العلاقة وما إلى ذلك من تحليلات بعيدة كل البعد عن الواقع وعن الدراسة الموضوعية للحدث (كوباني). فلا بد إذاً من استكشاف الثغرات الموجودة لدى المعارضة والثوار ومن ثم استخلاص الدروس والعبر منها، وبالتالي فإن قراءة موضوعية للحدث كردياً وعربياً تفرض نفسها، وقد تجيب عن تساؤلات عدة دون الدخول في تفاصيلها، بعيداً عن لغة الغرور أو التشنج والتشكيك معاً.

  • صحيح أن مدينة كوباني لا تعتبر مدينة استراتيجية في سورية من الناحية العسكرية والاقتصادية والسياسية، وقد تخلى عنها النظام بسهولة لحزب الاتحاد الديمقراطي (ب ي د) منذ أواسط عام 2012م، لانعدام أهميتها من كل ما سبق ذكره، لكنها أصبحت أكثر من استراتيجية بالنسبة لداعش، خاصة بعد سيطرتها على جرابلس غرب كوباني وتل أبيض شرق كوباني، وبالتالي فإن السيطرة على كوباني سوف تؤمن لها التواصل الجغرافي المطلوب بين المدينتين وكذلك السيطرة على كامل ريف حلب الشرقي، إضافة إلى أن النزعة العنصرية الخفية لدى بعض قادة داعش ذوي الخلفية البعثية، وكذلك صراعهم مع الكرد ذوي التوجه العلماني، تعتبر حافزاً آخر يدفعهم للتوجه إلى كوباني واحتلالها. أما كردياً فيعتبر الدفاع عن كوباني مسألة حياة أو موت، لأن سقوط كوباني يعني لهم الكثير، وشبح سقوط شنكال وما رافقه من ارتكاب مجازر رهيبة بحق المواطنين الأبرياء ماثلٌ أمام أعينهم، وبالتالي فإن من حق الكرد أينما كانوا وتواجدوا مناصرة أهل كوباني ومقاتليها بكل الوسائل الممكنة السياسية والإعلامية والعسكرية، واستنفار كافة الإمكانات المتاحة لنجدة كوباني كي لا تتكرر مجزرة شنكال مرة ثانية فيها، فكانت المظاهرات في كل مكان من أوربا وأمريكا وخاصة تركيا والذي ذهب ضحيتها 42 شخصاً، إضافة إلى الدبلوماسية النشطة والناجحة التي قام بها رئيس إقليم كردستان العراق السيد مسعود البرزاني لدى أمريكا والغرب وتركيا مما أفسح المجال لتدخل دولي لصالح كوباني وسماحٍ تركيٍ للبيشمركة والجيش الحر بدخول كوباني وتشكيل مكتب عسكري مشترك لإدارة المعركة على الأرض وتهيئة كل عوامل النجاح في المعركة ضد داعش.
  • على المعارضة أن تعلم أن هناك ثلاثة عوامل دفعت أمريكا للتعامل مع حزب الاتحاد الديمقراطي (ب ي د)، وهي أن (ب ي د) لم يدخل حتى الآن في صراع مع النظام، وأنه يحارب داعش عن عقيدة وقناعة، وأن له قيادة ورأس هرم عسكري يتحكم بكل قواته بجدارة، وهذا ما يراه الأمريكيون مناسباً وينسجم مع سياستهم الراهنة ومع قرار مجلس الأمن 2170، أما القوى العسكرية المعارضة فهي مشتتة ولا تملك قيادة موحدة، وأولوية صراعها مع النظام وليس مع داعش، كما أن بعض فصائلها المسلحة تثير حولها الشكوك في تعاملها مع داعش وجبهة النصرة وبعض القوى الأخرى التي لا ترغب أمريكا في مناصرتها، وهم لا يعملون تحت راية الائتلاف أيضاً، وهذا يتطلب من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة أن يدرك هذه الحقائق ويتعامل على أساسها، ويبدو أن اللواء سليم ادريس وزير الدفاع الحالي في الحكومة المؤقتة تنبه لهذه الحقيقة، وهو يحاول الآن تشكيل جيش سوري وطني تحت قيادة موحدة وراية واحدة (راية الثورة السورية) وتراتبية عسكرية منضبطة، فقد رفض التعامل مع أي قوة عسكرية لا تدين بالولاء لسياسة الائتلاف الوطني ولا تلتزم بقرارات القيادة العسكرية، فاستفاد من القرار الأممي عسكرياً واستثمره في تحرير المناطق التي تحت سيطرة داعش والتي هي بالأصل مناطق حررها الثوار من النظام، وهي سياسة صائبة نأمل أن تتوج خطواته بالنجاح في المستقبل القريب.
  • كردياً، حيث بات واضحاً أن الطريق الثالث (أي الوقوف على الحياد بين النظام والمعارضة) الذي تغنى به حزب الاتحاد الديمقراطي (ب ي د) فترة طويلة لا معنى له في السياسة السورية اليوم، فمعارك كوباني كشفت هذه الحقيقة، ولولا مناصرة الأصدقاء من قوى التحالف الدولي والبيشمركة والجيش الحر لما كان هناك انتصار في كوباني، لا بل لسقطت كما سقط قبلها ريف كوباني وتل أبيض وريفها والقرى الكردية في ريف الباب ومنبج، والتي لم تتمكن قوات (ب ي د) وحدها من الدفاع عنها، كما أثبتت الاشتباكات الأخيرة في الحسكة بأن النظام لا يُركن إلى جانبه ولا يمكن الوثوق به، وبالتالي يفترض بـ (ب ي د) مراجعة سياسته تلك والوقوف في المكان الصحيح إلى جانب الثورة السورية، وتفعيل الاتفاقية الأخيرة مع المجلس الوطني الكردي في جانبيه العسكري والمدني، وتعزيز العلاقات مع إقليم كردستان العراق والتحالف الدولي والائتلاف الوطني السوري، وإلا فإن مأساة كوباني ستتكرر في مكان آخر وزمن آخر، فالحرب مع داعش ليست نزهة ولن تنتهي بسهولة كما يحلو للبعض تخيلها.

نقلاً عن السورية نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى