آراء

كوردستان العراق … وتحديات الاستباقات الإيرانية قبل «ترامب»

عبد الرحمـــن كـــلو
باقتراب الأحداث من نهاياتها تبدو الخطوات الايرانية أكثر استعجالاً، فإذا ما استلمت إدارة ترامب مقاليد السلطة رسمياً في 20 يناير القادم دون أن تنجز إيران مهامها في العراق فهي لن تستطيع أن تخطو خطوة إضافية أخرى لصالح استراتيجيتها في العراق وسوريا بل وسيدخل دورها حيز التراجع العملي ولن يفيدها فلسفة الولي الفقيه ولا المهدي المنتظر لأن فترة زمن ومهمة الصبر الاستراتيجي الأمريكي تنتهي بانتهاء مهام الديمقراطيين في الأبيض، لذلك نراها تستعجل أدواتها في تحقيق ما يمكن تحقيقه للمساومة عليه مستقبلاً في البازار السياسي ما بعد مرحلة داعش، ومن المفيد التذكير أن الساحتين العراقية والسورية هي ساحة صراع واحدة لا ساحتين من حيث القوى والأطراف الدولية والاقليمية ومن حيث تركيبة المكونات العرقية والطائفية، وعندما يحاول البعض التفريق بين الساحتين وتفكيك عناصر الصراع في الساحتين إلى قوى منعزلة و اصطفافات لمرجعيات متنوعة جهلاً أو تجاهلاً، فهم يخطؤون مرتين مرة في التشخيص ومرة في الوظيفة والمهام،
ونلاحظ بوضوح كيف أن منظومة أطراف المحور الايراني تتبادل الأدوار على الأرض – والهدف واحد- وفق تكتيكات مكشوفة ودون غطاء بسبب تقلص المسافة الزمنية التي تلاحق سيرورة الأحداث، إذ لم تعد إيران تمتلك الزمن الكافي في إضفاء الصياغات ” الشرعية” لكيفية تشغيل ميكانيزما حركة أدواتها، فالحشد الشعبي الشيعي بات قريباً من أطراف الموصل ومطار الموصل، وهو على أبواب تلعفر ذات الأغلبية التركمانية، ويمارس التطهير المذهبي في أطراف الموصل لترهيب السكان العرب السنة، فإما الخضوع أو التهجير إلى إقليم كوردستان ليشكلوا قنبلة موقوتة لأمن الاقليم مستقبلاً، وبذلك تكون قد وظفت عملية التغيير الديموغرافي في مهمتين بآن واحد، وأوعزت إيران لقيادات العمال الكوردستاني بتجنيد بقايا العناصر العربية التي شاركت مع داعش في مجازر شنكال في قوات ما تسمى حماية شنكال، ومن جهة أخرى وفي ذات التوقيت داعش تقوم بتسليم العمال الكوردستاني القرى التي كانت تتمركز فيها شرقي شنكال ” سنجار” دون أي قتال أو عمليات عسكرية حقيقية، ليجد الاقليم نفسه أمام وجود أمر واقع ” مشروعية” هذه القوات ” المحررة” ويفقد السيطرة على هذه المناطق في مرحلة ما بعد داعش تسهيلاً لمشروع الممر البري الإيراني باتجاه الساحل السوري عبر مدينة الحسكة التي وصلتها مجاميع من هذه الميليشيات وتمركزت في جبل كوكب ومطار قامشلو، تمهيداً لاستلام المناطق الكوردية من العمال الكوردستاني بعد التفاهمات التركية الروسية الايرانية، كما وأعلنت إيران أنها بدأت بتأسيس خطوط إنتاج الصواريخ الباليستية التي تصل مداها إلى 1700 كم في سوريا في حلب ولاحقاً في العراق.
وبالتوازي مع دراما العمليات العسكرية على الأرض، استطاعت إيران – عبر حلفائها – تمرير قانون الحشد الشعبي في البرلمان العراقي أي أنها أسست النسخة العراقية من الحرس الثوري وشرعنت وجودها كقوة عسكرية مستقلة عن الجيش العراقي، وأوعزت للتحالف الوطني الشيعي أن يعيد إلى صفوفه التيار الصدري المختلف مع كتلة المالكي، مع محاولاتها الحثيثة استثمار التفاهمات الروسية التركية الجديدة بشأن الأزمة السورية لصالح مشروعها وربما ستذهب إلى أبعد من ذلك مع روسيا تحسباً لأسوأ علاقة مع إدارة ترامب، كما صعدت من لهجة تهديداتها لإقليم كوردستان على نحو غير مسبوق سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي للطعن في علاقاته مع دول الخليج والسعودية وتركيا والولايات المتحدة، إذ جاء على لسان كبير مستشاري خامنائي السياسيين علي أكبر ولايتي أن إيران لن تسمح بإقامة إسرائيل ثانية في كوردستان، إلى جانب تهديدات علي شمخاني رئيس جهاز الأمن القومي وتهديدات أخرى ….كانت آخرها تهديدات يحيى رحيم صفوي كبير مستشاري خامنائي العسكريين للرئيس بارزاني، وفي ذات السياق أوعزت لحلفائها في إقليم كوردستان من الاتحاد الوطني الكوردستاني ( جناح هيرو) وحركة كوران والجماعة الاسلامية بالتحرك ضد سلطات الإقليم من خلال محاولات تغيير شكل العلاقة بين أربيل وبغداد من الحالة الوطنية إلى الحالة الحزبية أي استبدال الكتلة الكوردستانية في البرلمان العراقي بكتل حزبية منفردة، والدعوة إلى تحويل العلاقة بين السليمانية كمحافظة عراقية وبغداد إلى علاقة مباشرة دون المرور بأربيل أو مؤسسات الإقليم بمعنى فصل السليمانية عن إدارة الاقليم وتحويلها إلى محافظة تابعة للمركز، أو بعبارة أوضح تفتيت الإقليم وتحويله إلى محافظات وإفشال النظام الفيدرالي على أساس اتحاد أقاليم وتحويله إلى نظام اتحادي على أساس محافظات بصلاحيات واسعة، والمفارقة في هذه الدعوات هي أنها بدأت من شخصيات تشغل مناصب رسمية في الدولة العراقية ممثلين عن الإقليم بموجب الدستور الاتحادي للعراق، مثل السيد آرام شيخ محمد الذي يشغل منصب النائب الثاني للبرلمان العراقي والذي حصل أثناء التصويت على 170 صوتاً من أصل 241 من مجموع الحضور، إذ نسي أن هذه الأصوات كانت للإقليم وليست لحزبه، ولخطورة الطرح وحساسيته لا تتجرأ قيادات الصف الأول بالخوض العلني في مثل هذه الطروحات بل تدفع ببعض المسؤولين من الصف الثاني إلى المواجهة، على أية حال فهذه المحاولات لها من الصعوبة في التحقيق إلى درجة الاستحالة لأنها تتجاوز سياقات الاختلافات الحزبية وتمس السيادة الوطنية الكوردستانية التي لا يقبل بها الشعب من كافة التوجهات السياسية بمن فيهم قواعد الأحزاب الحليفة مع إيران، لأن كوردستان ( الوطن التاريخي) هي وحدة جغرافية سياسية واحدة ولا يمكنها أن تتجزأ بالمفهوم الشعبي والعقيدة الكوردية، وتستمد شرعيتها من تاريخية نضالات وتضحيات شعبها عبر قرون طويلة وعملية الطعن في هذه الشرعية أو محاولات المساومة عليها هي من خارج صلاحيات أي حزب سياسي أو أي زعيم – من خارج التخويل الوطني – مهما بلغ شأنه لأنها ستمثل تجاوزاً للخط الأحمر العقائدي الذي كونته الذاكرة الكوردية القريبة، وتمثل الخيانة الوطنية العظمى بعينها، لذا لن ينجح أي أحد في المساومة على المسألة السيادية للوطن التاريخي في أي جزء منه لا في كركوك ولا في شنكال ولا حتى في أية قرية كوردية نائية في أطراف الإقليم، وهنا يحضرنا قول البارزاني الأب عندما قال: ” كركوك جزء من كوردستان حتى إذا لم يبق فيها كوردي واحد”، وهذه المقولة لم تأت من عبث وهي عقيدة لها دلالاتها التاريخية في وصف علاقة الأمة بالوطن.
وفي الجانب الآخر الوضع القانوني لإقليم كوردستان وبموجب الدستور العراقي لا يسمح لبغداد بالتعامل مع محافظات الإقليم إلا عبر مؤسساته السياسية والإدارية والاقتصادية المتمثلة برئاسة الاقليم والبرلمان ومجلس الوزراء، وبما أن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي ساهمت في صياغة هذا الدستور من خلال مجموعة من أكاديمييها أصحاب الاختصاص وخبراء في القانون الدولي وأشرفت على التوافقات القومية والمذهبية القائمة وبذلت جهودا دبلوماسية كبيرة في هذا المجال، لذا الأنموذج العراقي بالنسبة لها يعد إنجازاً أمريكياً في الشرق الأوسط، وعليه فهي لن تسمح بأي إخلال في موازين تركيبة نظام حكم وإدارة الدولة العراقية الحالية لصالح حكومات مركزية أو أنظمة شمولية، ربما تقوم يدفع التجربة نحو التقسيم في حالة الفشل في التوصل إلى حلول سياسية بعد الانتهاء من الحرب على الإرهاب، أو على أقل تقدير قد تلجأ إلى أنظمة كونفدرالية، لكنها بالتأكيد لن تعود بعجلة تجربتها وانجازاتها إلى الوراء، خاصة وهي التي قدمت الكثير من الأرواح في حرب تحرير العراق، إضافة لوجود اتفاق أمني بين الطرفين تم توقيعه عام 2008 يمثل صياغة وخلاصة المصالح الأمريكية في هذا البلد الذي سيكون عرضة للانهيار إذا ما تم نسف التجربة العراقية باتجاه مركزة الدولة، وهذا يعني العودة إلى عراق ما قبل 2003، وأخيراً بقي أن نذكر بأن التجربة العراقية جاءت من لدن الجمهوريين في عهد بوش الابن والآن وبعد فوز دونالد ترامب تعود الادارة الجمهورية إلى السلطة بقوة أكبر مع أغلبية في مجلسي النواب والشيوخ، أي أن الولايات المتحدة الأمريكية ستبقى الحاضر الأقوى في المعادلة السورية العراقية، ولن تكون الحلول إلا أمريكية و”جمهورية ” خاصة وأن هذه الادارة تمتلك رؤية استراتيجية لمستقبل الشرق الأوسط عموماً تتناسب مع مقاسات قوتها وقوة الخصوم والحلفاء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى