آراء

كورونا درسٌ في مواجهة الموت

فرحان مرعي

النطام العالمي ( أوربا، أمريكا ) الذي تأسّس بعد الحرب العالمية الثانية، كان نظاماً لا أخلاقياً، سيئاً جداً، لأنه ببساطة،  وريث حرب راح ضحيتها أكثر من خمسين مليون إنسان، وملايين من الجرائم بحق البشرية، صحيح، أنه تحقّقت منجزات كبيرة على الصعيد المادي والتقني، إلا أنه تعامل بازدواجبةٍ مع البشر، حيث كان ٢٠ ٪ من البشر  يتحكّم ب ٨٠٪ منهم، و كانت الأقلية المتحكّمة تنظر إلى الأكثرية المحكومة بدونية و عدوانية، لذلك تعامل معها كحقول تجارب، مناطق حروب، مناطق تخلّف، يمكن التخلّص منهم في أي وقتٍ أو استخدامها كعبيد،

تعاملت هذه المنظومة مع الحياة بفوقية، بفوضوية واستهتار، ولم تكن تعلم أنّ الدائرة ستدور عليها، وأنّ السحر سينقلب على الساحر، لتقف عاجزةً مهزومة أمام جرثومة صغيرة فايروس كورونا وجهاً لوجهٍ أمام الموت، رغم المستوى العالي الذي وصلت إليه من التطوّر والإنجازات المادية و التكنولوجية.

سمة هذا العالم أنه كان منشغلاً بقضايا أخرى، كان غافلاً عن نفسه، منشغلاً بالتكنولوجيا، بالمال، بالحروب، كان منشغلاً، بتربية الكلاب والقطط، وكان غافلاً عن كينونته الروحية ، عن مرضه، عن موته،  لا أخلاقياً في التعامل مع بيئة الكرة الأرضية، ” كورونا” أصابته في الصميم، كشفت عن ضعفه، هزّته من جذوره، ضربت رأسه بالحائط، مثل الميت الذي ضرب رأسه بالحجر عندما غادرته الناس بعد دفنه ، متفاجئاً قائلا : ها أنذا، أنا الميت!!.

على العالم إعادة النظر في منظومته الحيوية، إعادة النظر في الكائن البشري، الذي هو أساس الكون، محور الحياة، إعادة النظر في الكرة الأرضية.

الإنسان كائن صغير، الكرة الأرضية كائن كبير، كما لا يمكن اللعب بفيزولوجيا الإنسان ووظائفه الجسدية والنفسية، كذلك لا يمكن أن تتعامل البشرية بفوضويةٍ مع الكرة الأرضية كما لو كانت شيئاً جامداً، كما يحصل الآن، مما أدّى الى خلل في توازنه واستقراره البيئوي، خلل في طبقة الأوزون، ارتفاع في درجات الحرارة على الكرة الأرضية، تلوّث الهواء والمياه نتيجة مخلفات المصانع والمنشآت النووية والنفطية، كما  أنّ طاقة الإنسان محدودة،. فطاقة الأرض محدودة، سيؤدّي التعامل التجاري والفوضوي بها عاجلاً أم آجلاً إلى حدوث خلل في توازنها وطاقتها، مما قد  يؤدّي إلى انفجارات كونية تهدّد الحياة والكائن البشري.

 

لكن أيضا، وكما يقولون ربّ ضارةٍ نافعة، هذه الجائحة التي أصابت العالم أوقفت الحياة والحركة لبرهةٍ قصيرة، كانت بمثابة فرمتة للكون وتنظيفه من الحمولة الزائدة، فملايين العربات و الآليات و الشركات

و المنشآت الصناعية  و النووية والنفطية والكيماوية،  توقّفت عن بثّ سمومها في الجو، هذا ما لم تستطيع كلّ المؤتمرات العالمية من توقيفها لحماية البيئة، الآن  وكما تقول بعض الجهات العلمية والمناخية، بدأ الإنحباس الحراري بالإنزياح، وطبقة الأوزون بالإلتئام، وخفّت أمراض القلب وجهاز التنفس…..، تغير السيستم الشخصي للإنسان، أصبح أكثر نظافةً وتعقيماً، الكون بوجود كورونا أصبح أكثر نظافةً، رغم إماتتها للبشر، ولكن الموت في النهاية ظاهرة طبيعية و نظافة  للحياة .

كورونا أيضاً كشفت عن بعض جوانب الأزمة الرأسمالية، فارتفعت أصوات قائلة :   إنّ الاشتراكية هي الحل؟ و قال بعض المسلمين : الإسلام هو الحل؟ كما قال سابقاً منظّروا الرأسمالية : الرأسمالية نهاية التاريخ!!!!! ولكنهم جميعهم أهملوا عبثية الحياة، واستهتارها بالعقيدة، ونسوا انّ الحياة لا تعرف الثبات و أنّ الأشياء مهما تسامت وعلت ستتآكل من الداخل شيئاً فشيئاً، مهما كانت الجاذبية والإستمرارية في الممارسة، لأنّ عبثية الحياة ستكون دائماً بالمرصاد وتفعل فعلها الطبيعي في التآكل الداخلي، لذلك اعتقدت العقيدة الشيوعية و الرأسمالية والعقيدة الإسلامية أنّ أفكارها صالحة لكلّ زمانٍ ومكان، ثم كشفت الحياة، في النهاية، عن أزماتها وبؤسها الفكري.

الحياة صيرورة دائمة، تغيير دائم، لذلك هي بحاجة إلى تكامل كلّ المنظومات الثقافية والفكرية والفلسفية والدينية لخدمة الإنسانية ، و الإعتقاد بالحلول الأحادية هو وهم و فقر معرفي في فهم الحياة وتعقيداتها ونواظمها ومتغيراتها وثوابتها.

 

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “274”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى