كيف إنتهى ماركسيان أمريكيان إلى الخطوط الأمامية في مواجهة داعش*
تقرير الواشنطن بوست/
ليز سلي**
ترجمة: عدنان بدرالدين
طويلة، سورية – في السنة المنصرمة، سافر ماركسيان أمريكيان إلى شمال شرق سوريا بهدف المعايشة المباشرة لطوباوية المساواة التي يريد الكرد السوريون بناءها.
بدل ذلك، وجد الرجلان نفسيهما يحاربان على الخطوط الأمامية ضد تنظيم الدولة الإسلامية، جنبا إلى جنب مع عملاء الإمبريالية التي علمتهم عقائدهما السياسية على إزدراءها.
وقد تحولت رحلة كل من بائع الزهور- بريس بيلدن- البالغ من العمر 27 عاما، والمجاز في التاريخ من جامعة جورج تاون – لوكاس تشابمان- ذو 21 ربيعا أكثر، من كونها رحلة تهدف إلى تعميق فهمهما لكيفية عمل الإشتراكية، إلى مغامرة غير متوقعة.
شارك الرجلان في المعارك، وكان هدفين لنيران معادية. وبينما كانا يتهيئان للعودة إلى الوطن، علما من تقارير إخبارية إن فيلما يقوم ببطولته جاك جلينهاك هو في طريقه إلى الإنتاج يرتكز فيه السيناريو على تجربتهما.
بيلدن وتشابمان هما إثنان من بين مئات من الغربيين الذين سافروا إلى شمال شرق سورية للتطوع في القتال إلى جانب الكرد السوريين، وهو عمل لايعد غير قانونيا في الولايات المتحدة الأمريكية. كثير من هؤلاء الذين يودون المشاركة في المعارك هم محاربون قداماء شاركوا في حربي أمريكا في أفغانستان والعراق.
ومع ذلك، فإن بعضهم، مثل بيلدن وتشابمان، هم مثاليون مفتونون بالمجتمع الجديد الذي يزعم الكرد السوريون أنهم يبنونه. وقد قال الرجلان، اللذان لم تكن تربطهما معرفة مسبقة قبل وصولهما إلى سورية، بأنهما كانا يعتزمان الإنغماس في الهياكل المجتمعية التي يقيمها حزب الإتحاد الديمقراطي، ذو التوجهات الماركسية، والذي يطبق بسيطرته على شمال شرق سورية.
بعد رحلة شاقة عبر الجبال للإلتفاف على الدوريات الحدودية بين سورية والعراق، كان عليهما أن يكملا دورة في الآيديولوجيا، واللغة، وإكتساب المهارات العسكرية الأساسية. بعد ذلك، إلبسا بدلات عسكرية نظامية، ليلحقا بعدها بوحدة الأسلحة الثقيلة التابعة للجناح العسكري للحزب الذي يطلق عليه إسم وحدات حماية الشعب، ولينتهي بهم المطاف إلى خط الجبهة خارج الرقة، عاصمة الدولة الإسلامية المزعومة. هناك أصبحا جزءا من عملية الهجوم المستمر المدعوم أمريكيا الذي يهدف إلى تطويق المدينة تمهيدا لهجوم نهائي على ملكية الدولة الإسلامية الأكثر أهمية من حيث دلالتها الرمزية.
لم تكن الأمورعلى الدوام مثيرة كما كانت تبدو. وعندما إلتقيناهما في أواخر تشرين الثاني – نوفمبر – في مزرعة مهجورة في قرية صغيرة شمال الرقة، كانا يحتسيان الشاي تحت الشمس المشرقة في فصل الشتاء ويدخنان السجائر في إنتظار حدوث شيئ ما. وكانت دجاجة ترثشف بنهم بقايا الشاي من كؤوس مستهلكة على صينية منسية تجثم غير بعيدة. تناهى إلى الأسماع صوت إنفجار قذيفتي هاون، لكنهما كانتا بعيدتين للغاية لكي تثيرا القلق.
“أمر ممل تماما”، قالها تشابمان الذي كان يقيم في واشنطن إلى حين تخرجه من جامعة جورج تاون في الصيف الماضي.
“مسألة مملة حقا”، أضاف بيلدن الذي كان يبيع النباتات والزهور المؤطرة في أوعية قبل أن يقرر تحقيق رغبته في يكون شاهد عيان على تطبيق معتقداته الماركسية على أرض الواقع، مسترسلا بالقول: “صحيح مايقال عن أن الحرب 10٪ منها فعل، و90٪ منها هو إنتظار لحدوث أمر ما”.
هكذا كانت تسير الأمور، على الأقل في المراحل الأولى من عملية الرقة التي دخلت الآن شهرها الخامس، إذ أن تنظيم الدولة أبدى مقاومة ضئيلة، وإختار بدل ذلك، زرع الأفخاخ المموهة، وإطلاق قذائف الهاون من أجل إبطاء تقدم الخصم، متجنبا الدخول في مواجهات مباشرة.
ومع الأخذ بعين الإعتباركونهما مبتدئين في أمور الحرب، بدا الرجلان مرتاحين كون الأمور تسير على هذا المنوال. ورغم أنهما لم يكونا قد إلتقيا مسبقا قبل ظهورهما المشترك في الدورة التدريبية التي إنعقدت في تشرين الأول – أوكتوبر-، فإنهما إكتشفا، منذ ذلك الحين، إفتقارهما للخبرة العسكرية، وهما ينخرطان في معركة تستخدم فيها الأسلحة الثقيلة التي كانا بالكاد يعرفان كيفية إستخدامها. كان بحوذة الوحدة التي يعملان فيها شاحنة من نوع “دوشكاس” محملة بالبنادق، ومركبة مدرعة، وبعض قطع المدفعية الخفيفة الغير مكلفة بالدخول في عمليات قتالية.
“بإمكان كل شخص التعلم، إذا كان يريد ذلك حقا. حياة البستنة جعلتني مهيئا لهذا الأمر”، قالها – بيلدن- قاصدا بذلك مهمته الجديدة.
بيد أنهما قاما بإطلاق النار من الأسلحة الآلية من طراز آك – 47 . بيلدن الذي لايعتقد أنه قتل داعشيا واحدا، رغم كونه لايستطيع تأكيد ذلك، قال: “إذا كان الداعشيون باتوا يلقون حتفهم على يد رجل هزيل مثلي، فإن ذلك يعني أنهم أصبحوا يخسرون الحرب”.
تشابمان من جهته قال بأنه كان على وشك إطلاق النار على مقاتل من داعش، رجل ذو لحية كثة، بدا مثيرا للشبهة من مسافة 800 ياردة، لكن قائده منعه من فعل ذلك، فإنصاع للأوامر.
التواجد الأمريكي المتزايد في شمال شرق سورية هو أحد أسباب القرار الذي إتخذاه بالعودة إلى ديارهما بسرعة، رغم أنهما كان قد أعربا في وقت سابق من السنة عن نيتهما بالبقاء لحين الهجوم الأخير على الرقة. فوحدات الحماية الشعبية أقامت تحالفا عسكريا وثيقا مع الولايات المتحدة الأمريكية التي يعمل ألف من عسكرييها مع القوات الكردية والعربية، وهناك توقعات بإرسال ألف عسكري أمريكي آخر إلى المنطقة.
على الرغم من أنهما نادرا ما إلتقيا القوات الأمريكية، إلا أن التواجد الأمريكي كان يثير قلق الماركسيين الذين كرسا ذاتهما للإطاحة بالنظام الرأسمالي الغربي.
“كماركسي أنا معتاد على المواءمة بين المتناقضات، والقضية تميل لأن تكون إلتقاء مؤقتا للمصالح وحسب”، قال بيلدن الذي يعتقد بأن التحالف بين الطرفين لن يستمر، لكنه أضاف بأنه يرفض القتال إلى جانب القوات البرية الأمريكية. “أنا أعارض كل الوجود الأمريكي في سورية. الجيش الأمريكي ومشاة البحرية هي أشياء لايكمنني تقبلها بأي شكل”.
يخشى تشابمان بأن تتخلى الولايات المتحدة في نهاية المطاف عن الكرد وتجربتهم الإشتراكية، بعد إستخدامهم في غزو الرقة: ” لقد خدعوا الكرد في السابق، ولن أستغرب إن فعلوا ذلك مرة أخرى” مضيفا بأنهم “محتلون وإمبرياليون”.
جوانب أخرى من تجربتهما سددت لكمة إلى القناعات التي حملاها معهما، إذ ضايقهما الفرحة التي لم تخفيها وحدات حماية الشعب بإنتصار دونالد ترامب في الإنتخابات الرئاسية الأمريكية، إذ هللت له هذه الجماعة العلمانية بصفته عدوا للمسلمين. تشابمان هو يهودي ملتزم يعتبر جسر الهوة بين المسلمين واليهود عبر إظهار تضامنه مع الإسلام أحد آماله، بدلا عن ذلك، وجد نفسه يقاتل جنبا إلى جنب مع أناس ينددون بالمسلمين.
“هناك الكثير مما يمكن أن يقال عن ذلك الذي ليس أمرا طوباويا” قال تشابمان مستطردا. ” إنه أمر مخيب للآمال عندما يتفوه بعضهم بأشياء من قبيل: “على كل المسلمين أن يرحلوا”.
بعد عملهما المشترك على خطوط الجبهة الأمامية تفرعت دروبهما. إنضم تشابمان إلى وحدة طبية قال بأنه وجدها أكثر جدوى من القتال، فيما إنتقل بيلدن للعمل مع ميليشيا أخرى تطلق على نفسها – قوات الحرية المتحدة- أسسها كرد ذو توجهات ماركسية- لينينية من تركيا يقول أنه وجد عندهم مفهوما قريبا من الإشتراكية التي ينشدها، مضافا إليه المزيد من العمل في ساحات الحرب.
الآن إجتمع الإثنان في رحلة العودة إلى الوطن. تشابمان الذي بات يتحدث باللغة الكردية يفضل العمل من الآن فصاعدا مع المنظمات الكردية في الولايات المتحدة. أما بيلدن فإنه يزمع الزواج بصديقته والعودة برفقتها إلى سورية للعمل مع إحدى التنظيمات السياسية الماركسية – اللينينية، وليس للقتال. كما أن لديه رغبة أخرى وهو وقف العمل على الفيلم الذي يستوحي قصته من تجربتهما السورية، والمأخوذة عن مقالة نشرت في – رولينغ ستون – تحت عنوان “الفوضويون في مواجهة الدولة الإسلامية”. الفيلم الذي سيخرجه – دانييل إسبينوزا- ويقوم بدور البطولة فيه – جلينهال – كان قد تم الإعلان عنه من جانب أحد مراسلي – هوليود-. بيلدن الذي يرفض أن يوصف بالفوضوي، أصيب هو، كما كل أصدقائه بالدهشة عندما قرأوا الإعلان المذكور.
“يجب أن أوقف هذا الفيلم، فهو على الأرجح سيكون عملا إستغلاليا، ذو نزعات إستشراقية، وسيلوث كل ماقمت به، كتب بيلدن في رسالة وهو يتهيأ لمغادرة سورية. “أنا شيوعي، أنا لاأنشد الشهرة”.
* هذه المقالة ترجمت عن نصها الأصلي المنشور في صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية بتاريخ 31/3/2017.
* ليز سلي هي مديرة مكتب الواشنطن بوست في بيروت. وقد أمضت 15 عاما في تغطية شؤون الشرق الأوسط بما في ذلك حرب العراق. كما تتولى أيضا متابعة أحداث أفريقيا والصين وأفغانستان.