كيف تفكر الإدارة الأمريكية حول سوريا الآن؟
لماذا صدر “قانون قيصر”؟
من يتأثر به؟
ماهي شروط إلغائه؟
فظائع الأسد دمرت سوريا… وليست العقوبات
جيمس جيفري
ممثل وزير الخارجية الأمريكي لشؤون سوريا والمبعوث للتحالف الدولي لهزيمة «داعش»
مقال خاص بـ«الشرق الأوسط» بالتزامن مع بدء عقوبات “قانون قيصر” على النظام السوري
أعلنت الولايات المتحدة اليوم، فرض عقوبات جديدة بموجب “قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا للعام 2019”. لذا من المهم أن نركز على المنطق الذي يقوم عليه هذا القانون.
تم تمرير هذا القانون بأغلبية ساحقة في كل من مجلس الشيوخ ومجلس النواب منذ ستة أشهر، ووقّع الرئيس دونالد ترامب عليه ليدخل حيز التنفيذ. تمت تسمية هذا القانون تكريما لمصور سوري شجاع، إسمه السّري “قيصر” ووثق بعدسته عشرات آلاف حوادث سوء معاملة وانتهاك لمواطنين سوريين على يد أتباع للرئيس السوري بشار الأسد. وثمة اهتمام متزايد ومشروع من الكونغرس بتنفيذ هذا القانون، إذ قام بيان مشترك صادر عن رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ وكبير أعضائها ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب وكبير أعضائها في 8 يونيو (حزيران)، بتحديد أولوية الكونغرس، ألا وهي “إنفاذ قانون قيصر بشكل قوي ومستدام بغرض توجيه رسالة إلى النظام وممكنيه مفادها أن الأسد لا يزال شخصاً منبوذاً.”
يدعم تقريران صادران عن الأمم المتحدة مؤخراً وجهات نظر قادة الكونغرس، ويسلطان الضوء على أعمال نظام الأسد الوحشية التي دمرت سوريا واقتصادها وقدرتها على الاستجابة إلى فيروس “كوفيد-19”. فقد أصدرت لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا بتاريخ 16 أبريل (نيسان)، تقريراً يحدد كيف أن الأدلة أشارت (إلى ما كنا نشتبه به جميعنا) أن نظام الأسد وحلفاءه قد شنوا هجمات تسببت بتدمير مستشفيات ومدارس وبنى تحتية مدنية أخرى، حتى في الحالات التي كانت فيها هذه المنشآت مدرجة على لائحة لمواقع لا يجب استهدافها وضعتها الأمم المتحدة لتحديد ركائز الحياة المدنية الأساسية هذه وحمايتها.
وفي الأسبوع عينه، أصدر فريق التحقيق والتحقق التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية أول تقرير له وحمّل نظام الأسد مسؤولية استخدام السارين أو الكلور في ثلاث هجمات متفرقة في العام 2017. هذان التقريران ليسا إلا مثالين عن الحرب التي غالبا ما شنها نظام الأسد بمساعدة ممكنيه الإيرانيين والروس، والتي دمرت سوريا وشعبها وخلّفت حوالي 500 ألف قتيل.
تستهدف العقوبات الملزمة التي ينص عليها “قانون قيصر”من يسهلون إنتاج النفط لنظام الأسد، وكذلك من يسهلون حصوله على سلع أو خدمات أو تكنولوجيا ذات صلة بالطيران ويتم استخدامها لأغراض عسكرية. نسعى إلى وضع حد لعمليات الحصول على السلع هذه والتي تعزز من قدرة النظام على ارتكاب جرائمه المروعة. ويستهدف القانون أيضاً، من يدعمون المرتزقة والجهات الأجنبية الفاعلة تديم الصراع بالنيابة عن النظام وحلفائه. ويستهدف أخيراً، من يشاركون في الاستفادة من الحرب ويوفرون خدمات مهمة في مجال الهندسة والبناء للنظام السوري.
وبات الأفراد والشركات في مختلف أنحاء العالم الآن تحت طائلة التعرض للمزيد من العقوبات إذا ما شاركوا في أنشطة إعادة الإعمار مع نظام الأسد.
ويتمتع “قانون قيصر” بتأثير طويل الأمد ويهدف إلى حرمان النظام وممكّنيه من أي استفادة اقتصادية محتملة من أي انتصار عسكري.
تهدف الولايات المتحدة إلى تعزيز المساءلة بسعيها إلى تطبيق هذه العقوبات الهادفة الإضافية – باستخدام سلطات قائمة وأخرى ينص عليها “قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا للعام 2019” – ضد النظام وممكّنيه، كما تهدف إلى حرمانهم من الوصول إلى النظام المالي الدولي إلى حين التوصل إلى حل سياسي للنزاع في سوريا. وينبغي أن يتسق أي حل مماثل مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 وخريطة الطريق المقبولة دوليا للتوصل إلى تسوية سياسية للحرب السورية. ينبغي أن يحاسب نظام الأسد المسؤولين عن ارتكاب جرائم حرب (وفظائع أخرى وانتهاكات لحقوق الإنسان) وأن يتوقف عن رعاية الإرهاب ويخلق الظروف المواتية لعودة اللاجئين بشكل آمن وكريم وطوعي قبل أن يسمح له بالانضمام إلى المجتمع الدولي والمشاركة في الاقتصاد الدولي. كما ينبغي أن يفكك النظام برنامج الأسلحة الكيماوية التابع له، بشكل دائم وقابل للتحقق، وقطع علاقاته مع القوات العسكرية الإيرانية والمجموعات التي تدعمها إيران.
خريطة الطريق هذه ليست حيوية للشعب السوري الذي طالت معاناته فحسب، بل أيضا للاستقرار الإقليمي. لقد جذب انعدام الاستقرار، بما في ذلك الإرهاب الذي يستفيد من الفراغ الأمني الذي خلفه النزاع السوري، قوى من الولايات المتحدة وأربع دول أخرى، وبات الصراع بين الدول خطراً قائماً ودائماً حتى تصبح السيطرة على النزاع السوري ممكنة.
ينبغي النظر إلى مطالبات الأسد وحلفائه الروس بتخفيف العقوبات إستجابة لفايروس كوفيد-19 على أنها ليست سوى حيلة أنانية للسماح للنظام السوري بتحقيق انتصار عسكري ومنحه الغطاء اللازم لإثراء الأسد وممكنيه. وبخلاف الدعاية التي ينشرها النظام، لقد دمّر تفضيل الأسد الحرب على السلام البلاد واقتصادها، وليست العقوبات الأمريكية.
لقد اختار بشار الأسد استخدام الاحتياطات النقدية المتضائلة بسرعة لمواصلة حرب خبيثة ضد ملايين السوريين، ما دمّر اقتصاد البلاد في وقت ينتشر فيه فيروس “كوفيد-19 ” بين المواطنين السوريين الضعفاء أصلا.
إن العقوبات الأمريكية، تستهدف الأسد وثروة نظامه غير المشروعة، وليس المواطنين هؤلاء. ولقد قدمت الولايات المتحدة أكثر من 10,6 مليار دولار من المساعدات الإنسانية لسوريا. هذا المبلغ، أكثر مما قدمته أي جهة مانحة أخرى منفردة. كما نعمل لتسهيل حصول الجميع على مجموعات فحص لفيروس “كوفيد-19” والمواد ذات الصلة.
الأمر المأساوي، أن هذه هي المساعدات عينها التي سرقها نظام الأسد تاريخيا ليعيد بيعها للشعب السوري بأسعار باهظة. ولزيادة الطين بلة، قام الروس، رعاة سوريا، في مجلس الأمن الدولي بإغلاق معبرين حدوديين من المعابر الأربعة المتاحة لتسهيل المساعدات الإنسانية التي تقدمها الأمم المتحدة في يناير (كانون الثاني) الماضي مع تسارع انتشار فيروس “كوفيد-19”
ستواصل الولايات المتحدة تقديم المساعدات الإنسانية إلى الشعب السوري وتسهيل وصولها، وتعزيز محاسبة المسؤولين عن ارتكاب الأهوال ومنع التوصل إلى حل سياسي. يستطيع الأسد وضع حد لهذه الحرب غير الضرورية بمجرد إعلان وقف إطلاق نار شامل على مستوى البلاد، والمشاركة في محادثات اللجنة الدستورية في جنيف بشكل بنّاء وتنفيذ رؤية سياسية تمنح الأولوية لتطلعات الشعب السوري الديمقراطية.
جريدة شرق الاوسط