آراء

كيف تكون ناضجاً في رؤية ؟

نسرين تللو

الشخصية الناضجة والمجتمع الناضج .

أن تكوني ناضجة هو أن يكون لديك إرادة لممارسة الحياة ، فالنضج ليس بالضرورة نجاح كامل في الحياة ، بمعنى أننا لا يمكن إدراك الكمال ، ولكننا نسعى إليه ولا نلمسه ولكننا نجري إليه بلا توقف . والنضج لا يعني أيضاً أن نكون مثاليين , أو أن نكون نسخة مدجّنة مقولبة عن مجتمعنا، بل هو القدرة على التمرد والابتكار والقدرة على الاستقلال، و صراع دائم لحماية اختلافنا وتميزنا . وكلما تنوّعت مواردنا الذهنية الواعية ومصادر ثقافتنا والقدرة على ضبط النفس ؛ كان لدينا المزيد من الأوراق لتحقيق الفوز في اللعبة، أما عندما تكون الموارد الذهنية محدودة، فتقلّ فرص نجاحك . الكثير منا لديهنّ الطاقة والموهبة كموردٍ ذاتي. ولدى الكثير منا موارد أكثر بكثير مما يُعتقد , وكلٌّ منا يتعيّن عليه عاجلاً أم آجلاً التنافس لأخذ مكانته في هذا العالم، وكلٌّ منا عليه أن يكتشف قدرته في التأثير على الحياة ،وبهذا ندرك أيضاً ما هو جوهر الحياة ؟ وأين تكمن كرامة الإنسان ؟ وكيفية تقييم جودة الحياة التي نعيشها ، لنكون بشراً أقرب إلى الكمال.

والأمر لا يعني أننا بمفردنا يمكننا القيام بذلك ، نحن بحاجةٍ لبعضنا البعض. أحتاجك و تحتاجني. وهذه حقيقة رائعة .وشيء رائع . فيكون من دواعي سرور الغالبية منا أن يطلب أحدهم مساعدة صغيرة في الشارع. ونحن سعداء للمساعدة. نعم يمكن أن يجمل ذلك يومنا ويعمّ أرواحنا المزيد من الاستقرار.

هذا يحدث عندما نكون قادراً على مساعدة شخصٍ وتساعده، وهذا ممكن في مجتمعٍ يتمتع بروابط إنسانية دافئة، ولا يتحقّق في مجتمعٍ روابطه الاجتماعية ضعيفة وباردة: حيث تزداد فيه عزلة الفرد فتسمك القشرة الصلبة التي يحيطها بنفسه ورغبته في التضامن مع الآخرين فتقلّ الإنسانية التي نظهرها لبعضنا البعض في مناخٍ اجتماعي بارد، لا نعود بشراً بعد أن تتآكل النظرة البشرية لدينا ،ونتحول إلى عيونٍ تطارد الصور اللامعة والمكاسب الاجتماعية ، نطارد الأزياء والألوان والملابس والعلامات التجارية، ونعرف بعضنا البعض داخل وخارج هذه الدائرة اعتماداً على الدرجة التي يتقن بها المرء هذه العادات. ومن غير قصدٍ، ندخل هذه اللعب، ويضيع معها معنى الحياة على طول الطريق.، هل نريد هذا ؟ وهل سباقنا في الحياة هو هذا ؟ لنصل إلى الموقف الذي يجعلنا فجأةً ننزل من حافلة الحياة إلى الأبد قبل بلوغ الهدف. هذا هو سلوك غير الناضجين المتعثرين في رحلة حياتهم، لأنهم افتقدوا أخلاق. التعاطف، افتقدوا الدفء والانسانية ،أما الانسجاب من هذا الطريق فيتطلّب قبول البساطة والتنوع، وهذا يتطلّب أساساً أخلاقياً لبناء حياة تعاطفٍ مليئة بالدفء والإنسانية وكرامة لا هوادة فيها، حيث تكون جودة حياة الفرد هي الهدف المركزي ، وهذا كلام واقعي أظهِرت نتائجه من خلال الاستبيانات. فالمجتمع الذي يُسمح للناضجين فيه بالقيادة يكون أكثر قوةً وكفاءةً وقدرةً على التكيّّف مع المجتمع الجامد القاسي القائم على الأوهام والزيف . هذا هو السبب في أننا نريد مجتمعاً سمته النضج.

النضج هو أيضاً الظهور بهيئةٍ طبيعية بعيداًعن مبالغات الترتيب والتأنق الزائد وإبراز مظاهر القوة والثروة . فالشخص غير الناضج يستغلّ كلّ فرصةٍ لتمييز نفسه على حساب الآخرين، ويذهب دائماً إلى أبعد ما تسمح به المعايير السارية في أي وقت. إنّ امتلاك منظور للبشرية ومستقبلها يتعلّق أيضاً بمنظور الإنسان.الى إرادته، إنها الإرادة ، وإرادة الوجود، والإرادة لقبول الإنسان. بكلّ اختلافاته كجزءٍ من تنوع الوجود. بدون هذه الإرادة، فإنّ منظور مستقبل البشرية لا معنى له.

المقالتة منشورة في جريدة يكيتي العدد 294

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى