آراء

لسان حال الكُردي السوري، والحزام العربي استذكاراً

نزار موسى .

تطرقاً للمشاريع الإقصائية بحق الغير ، والممارسات التي لطالما غدت تُستذكر وسنوياً من قبل الكُرد السوريين ، يتصدّر في فاتحة المشهد ذاك الحزام العربي الذي أصبح الشاهد الحيّ على نفسه ، والذي استهدف الشعب الكُردي ووجوده في المنطقة ، أنظمةٌ امتهنت الإلغاء ، لابل وشيطنة المكونات الأخرى ، وخاصةً من هم من ثقافات مغايرة لثقافة المخططون ، فبدت ممارساتهم جلياً في ، بدايات الستينات من القرن الماضي، وعلى مراحل عدة ، وبأشكال مختلفة ، لبنتها كانت محاولة التغيير في ديمغرافية الجزيرة السورية ، عبر إنشاء عازلٍ بشري في المنطقة المأهولة بالغالبية الكُردية ، وجلب مَن غُمِرت أراضيهم بمياه السد من منطقتي الرقة وحلب ، و إسكانهم في شريط محاذٍ للحدود التركية ، في امتدادٍ من الحدود العراقية وحتى رأس العين ، فيما يقارب ٤٠ مستوطنة مدعومة في جوانبها الأمنية والخدمية والإدارية ، وجعلها المنطلق لإطلاق التسميات العربية على هذه النقاط، معرّبة لتلك الكُردية الأصيلة المجاورة وتعريبها هي الأخرى ، و تغيير اللوحة الأصيلة في غايات لم تتثبّت ولم تحقّق ذاك الإندماج الحسي المرجو منه مع الزمن ، رغم كلّ الدعم لذاك الإدماج الممتهن .

فقبيل هذا الحدث كان الإحصاء الجائر لعام ١٩٦٢ ، والذي حُرم الآلاف بموجبه وقتها من الكُرد من حقوقهم المدنية ، وحتى يومنا هذا هناك نسبة كبيرة منهم ، والذين لازالوا محرومين من الجنسية السورية ، أما ما تلته كان الحيف المستمر ، وخاصةً مع وصول نظام البعث إلى دفة الحكم في هذا البلد ، والذي بادر بدوره ودون كلل ، فما كان منه إلا أن امتطى العقلية القومجية الفظة ، فعمل على صهر الجميع في بوتقته ، وخصّ منهم الكُرد في أولوياته ، وعبر محطاتٍ عديدة ، ولكن ، وما كان وقعه مؤلماً في تلك الحقبة مؤخراً ، كان المرسوم ٤٩ لعام ٢٠٠٨ السيء الصيت ، والذي منع بموجبه بيع وشراء العقارات ، وربط آليات العائدية القانونية لها وإن كانت بسيطة في حدها المسموح لموافقات أمنية صارمة ، فشلّت جوانب هامة في حياة الناس ، وأذت الحركة الإقتصادية ، وأضرت بلقمة عيش الكاسب ، حتى تسبّب ذلك في نزوحٍ كبير أشبه بالقسري نحو الداخل السوري ، والذي كان له الوقع الإجتماعي المؤثّر لمكونٍ حلّت عليه الصائبة ولكن بفعل فاعل ناقم .

ربطاً بمرحلة المخاض السوري ، فقد عزّزت هذه الأفعال تباعاً على أرض الواقع من قبل مرتكبيها من الأطراف المتصارعة على المساحة السورية مؤخراً ، ولكن بلاعبين جدد ، أكملوا المسيرة وعملوا على تهجير الشعب الكُردي من منطقته بمسميات وأساليب تنوّعت بين حتمية الخدمة الإلزامية ، وإستهداف جوانب الحياة الأساسية الكريمة للفرد وحالتهم الجمعية غمزاً لإفراغ البيت من أهله ، ومابين تركة الأخطاء ، وحالة الإنتقام ، والاستيلاء على ممتلكات وبنيان المهجّرين الأصلاء ، بعد كلّ كرٍّ وفرٍّ على المدن الآهلة ، وبسطهم للنفوذ ، لتحقيق الأمر الواقع ، كمجاميع تنتعش على الأزمات وتخدم القوى المعادية لتطلعات شعبٍ وآماله من جهة ، وميلهم في التعايش المستدام مع باقي المجاميع المكوناتية في المنطقة من جهةٍ أخرى .

حتى الحلول الجزئية في نظر النظام السوري وداعميه لم تكن ببعيدة عن هذه العقلية المستنسخة ، حتى بعد كلّ ما عاناه الشعب السوري من مآسي ، فقد كانت المصالحات الخضراء التي حدثت جميعها على حساب البنية البشرية للمناطق ، وكان نصيب الكُرد منها وافراً ، بجلب المنزحين من مناطق الريف الدمشقي إلى عفرين وماحولها ، وإسكانهم في ذكريات أبناء تلك المناطق المهجّرين منها ، جراء صراع المجاميع المتناحرة على كعكة المنطقة ، ناهيك عن اللحن المستمر في ضرورة إعادة توطين اللاجئين المقيمين في مخيمات الجارة تركيا ، نحو تخوم المناطق ذات الغالبية الكُردية في الداخل السوري الشمالي ، وغيرها من الأمثلة التي عقدت في تفاصيلها من المشهد أكثر فأكثر ، كتركة تعيد للأذهان وتستذكرنا بموجبات هذه الأحداث التي بدأت بخارطة خاطئة و لم تنتهِ بعد ، بأحزمة متناوبة مظهراً وزماناً .وصولاً إلى أنّ المذكورة من هذه الخطط ، قد رسخت من القناعة بأنّ هذا الحزام الأساسي المشيد ، والذي ولد من عصارة تفكير الضابط الأمني السوري محمد طلب هلال ومؤسسته الأمنية ، كانت ولازالت المدرسة التي سايرها حاكموا إدارة المنطقة الذاتية الحاليون ، وما أتخذوه من اللامواقف من هكذا مخطط ظالم في قلب الثقافة الكُردية ، كما انتهج منه أيضاً الآخرون أيضا فيما بعد رؤاهم ، في معاداة الآخر ، في واقع لايختلف كثيراً عن الواقع الكُردي ماوراء الحدود السورية ، وتجربتهم في هذا الصدد ، والتي تؤكّد جلياً ، بأنّ واقع الحال وحتى يومنا هذا مبني على غياب الأهلية لدى قيادات المراحل المتعاقبة تجاه الكُرد ، في ظلّ فقدان تشخيص الحالة السليم ، مع انعدام القيم المجتمعية ، و المفاهيم الجديدة الضامنة في أسسها من تصويب المذكورة من الأخطاء ، والضامنة لبناء الثقة وتعزيزها لقادمٍ أفضل ، يخدم الجمع ويشمل الجميع ..

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “309”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى