لقاء بايدن- بوتين وسياسة خفض التوتر
فؤاد عليكو
منذ شهرين وأنظار العالم كانت متجهة إلى لقاء الرئيسين يوم الأربعاء 16/6 وما سيتمخّض عن اللقاء بين قطبين عالميين، يتحكّمان في الكثير من الملفات العالمية المعقدة، والتي لايمكن حلها إلا بتوافق الإرادتين، ناهيك عما بينهما من خلافات جوهرية وصلت الى مرحلة سحب سفرائهما، خاصةً في ملفات القرصنة الإلكترونية والأسلحة النووية الاستراتيجية، وتهديد أوكرانيا ومن ثم أوربا كلها، وكذلك العقوبات الاقتصادية الكبيرة على روسيا، بعد سيطرة الروس على القرم وشرق أوكرانيا، إضافةً إلى وصف بايدن لبوتين بالقاتل، كلّ هذه القضايا الخلافية تصدّرت الأولوية في هذه المباحثات، ولم تحظَ ملفات الشرق الأوسط بالاهتمام الكافي نظراً لأهمية الملفات السابقة للطرفين، لكن ومع ذلك وكما كتبنا سابقاً عن أنّ سياسة الديمقراطيين تتجه دوماً نحو تبريد الجبهات، والتعامل بنفسٍ طويل مع الملفات الساخنة، ونادراً ما تحصل تدخلات عسكرية أمريكية في عهدهم، بل يعملون على حلها بالوسائل الدبلوماسية، واستخدام لغة العقوبات الاقتصادية في التعامل مع الأحداث الدولية، التي هي أكثر فعاليةً على المدى الطويل في تفتيت الجبهة الداخلية للخصم، لكنها أبطأ تأثيراً على المدى القصير مقابل إستخدام القوة الخشنة التي اعتاد عليها الجمهوريون في التعامل مع القضايا الحساسة .
وبالعودة إلى اللقاء فإننا نعتقد بأنّ روسيا تعاني كثيراً من سياسة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها منذ 2014 ، وسوف تحاول استخدام المرونة الفائقة في التعامل مع القضايا العالقة بين الطرفين من أجل تخفيف العقوبات عنها دون التخلي عن اعتراف أمريكا بدورها كقطب رئيس في معالجة القضايا الدولية، أي استعادة نوعٍ من دور الاتحاد السوفييتي السابق، لذلك عندما يقول بوتين بأنّ انضمام أوكرانيا للحلف الأطلسي هو تهديد لأمننا القومي، ويعتبر نهاية أوكرانيا، ولن نسمح به مطلقاً، فهي رسالة قوية لأمريكا بأنه إذا كان لديك خطوط حمر فإنّ لدينا أيضاً خطوط حمر، وما علينا إلا أن نتفق وفق هذه الرؤية، وعليه فإنّ أمريكا تدرك هذه الحقيقة، بأنّ مزيداً من الضغط على الروس قد لا يأتي بالنتائج المرجوة منها، وقد يذهب بوتين باتجاه المزيد من التصعيد العسكري بإتجاه أوربا، على مبدأ يا (قاتل يا مقتول ) وكذلك الذهاب باتجاه التعاون العسكري الاستراتيجي مع الصين التي باتت تنافس أمريكا بقوة في الجانب الاقتصادي عالمياً، إضافةً إلى تنامي قوتها العسكرية بشكلٍ مضطرد، وعليه فإنّ التحالف الروسي/الصيني إذا ما تحقّق فإنّ من شأن ذلك إضعاف الدور الأمريكي عالمياً بشكلٍ لم يسبق له مثيل، لذلك فإنّ إرضاء روسيا يبقى أفضل لأمريكا، في بعض الملفات، من إغضابها ودفعها بإتجاه التصعيد والتحالف مع الصين.
من هنا نستطيع القول بأنّ جليد العلاقات قد كُسِر في القمة، وإنّ السفارات ستعاود نشاطها المعتاد، وأنّ لجان الخبراء بين الطرفين ستستأنف نشاطها لبحث جميع الملفات الدولية ذات الإشكالية بين الطرفين، وكذلك اجتماعات وزراء خارجيتهما، وخاصةً في ملف أوكرانيا والحرب السيبرانية وأسلحة الدمار الشامل والنزاع حول منطقة القطب الشمالي، أي أنّ كلّ شيءٍ يهم الأمن الأمريكي والأمن الأوربي أولاً، بعدها سيتمّ بحث الملفات الشرق أوسطية والجنوب آسيوية، ونعتقد بأنّ أمريكا ستتنازل لروسيا في البعض منها، وخاصةً الملف السوري، الذي شئنا أم أبينا ،قد استثمر الروس فيه الشيء الكثير وقدّموا التضحيات من أجل البقاء على مصالحها من النفط والغاز والموانئ، ولن تجد أمريكا تهديداً لمصالحها ولا لمصالح حلفائها الأوربيين في ذلك، حيث لا يهمّها من سوريا سوى الحفاظ على أمن إسرائيل أولاً ودول الخليج والأردن ثانياً، وهذا ما لايزعج موسكو بالمطلق، لذلك وعلى ضوء هذه المعطيات قد نشهد توافقاً في المستقبل القريب حول المعابر الإنسانية لدعم الشعب السوري، وقريباً من رؤية موسكو، كما قد يعطي الأمريكان تفويضاً مشتركاً لتركيا وروسيا لمعالجة الأزمة السورية، لما لهمامن تأثير مباشر على المعارضة والنظام، وقد يكون تطبيق القرار الدولي 2254 بشكلٍ متوائم مع مقررات سوتشي والنقاط الاثني عشر، كما أنّ تطبيق هذه الرؤية لن يلقى معارضةً من أية دولة عربية، فالكلّ أنهكهم الملف السوري، ويبحثون عن حلٍّ ما بعيداً عن الأخذ بالاعتبار رأي الشعب السوري، كما أنّ تحسين العلاقات بين تركيا وأمريكا والدول العربية سوف يدعم هذا التوجه، وتبقى الإشكالية في التعامل مع إيران سورياً وعربياً، وقد تكون عودة أمريكا إلى الملف النووي ورفع العقوبات عن إيران عاملاً مساعداً في حلحلة ملفي اليمن وسوريا معاً.
المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد 287