آراء

للتخلص من سلبيات مرحلة النضال السري

بقلم: عبد الله كدو

بغضّ النظر عمّا يُقال عنها اصطفافات معينة، منها سياسية وفكرية في المجتمع الكُردي السوري راهناً، فإنّ هذا المجتمع الذي ما زال الاقتصاد الزراعي هو السائد لديه، بالتالي ما زالت القيم الريفية والعشائرية هي السائدة في جزئه الأكبر، حيث أنّ معظم المسؤولين السياسيين والنخب الثقافية قد وُلدوا وترعرعوا في الأرياف، ولأنه، أي المجتمع الكُردي، يعاني من اضطهاد مزدوج، قومي خاص إضافةً الى السياسي العام، فإنّ الحركة الوطنية الكُردية بحاجة ماسة لأن تطوّر خطابها السياسي، بالتالي الإعلامي أيضاً، ليتناسب وطريقة حياة الكُرد الراهنة والتحديات والمتغيرات التي تعترض سبيل النضال الوطني الديمقراطي للحركة، وأن تجدد أساليب عملها وأدواتها، ضمن الممكن، وهذا منوط بالشباب الكُردي السياسي المثقف أولاً، حيث أنّ الأساليب والأدوات السابقتين لم تعودا تفيان بالغرض، فالسياسة تحتاج ليس فقط إلى الذكاء والفطرة ، كما كان الانطباع السائد، وربما كما يعتقد البعض من السياسيين الكُرد راهناً ، إنما هناك ضرورة، أيضاً لامتلاك المعرفة التي تشتمل على المعلومات عن التاريخ، القريب منه على الأقل، والمتغيرات السياسية الراهنة، بالإضافة إلى امتلاك ناصية اللغتين الكُردية والعربية – على الأقل – لتكون متناسبة ودقة العمل السياسي وحساسيته.

وعليه، يمكن القول، إذا كانت السياسة هي فن الممكن، فوسط تِيه الحاضنة الوطنية الكُردية السورية التي تعصف بها وتضلّلها امبراطوريات إعلامية بخطابات تعمل على إلغاء العقل الكُردي السوري حالياً، لتبيع للكُرد السوريين أوهاماً دونكيشوتية، لا ناقة لهم فيها ولا جمل، نجد من بين الممكنات المطلوبة والضرورية سريعاً، انطلاقاً من المثل القائل ” الجود من الموجود” أن يقوم الأعضاء القياديين من الصف الأول في جميع الأحزاب الكُردية، بإلقاء محاضرات، باستمرار، في ملتقيات ( ندوات) سياسية، بشكلٍ فيزيائي وافتراضي، مع مختلف الشرائح المجتمعية، بعيداً عن أسلوب القراءة المباشرة في أوراق أو كتب، لتحقيق أكبر قدر من التفاعل والمتابعة، وأن يتمّ تسجيلها ونشرها على مختلف برامج النت الممكنة.. في ظل ضعف الموارد المالية التي تمنع الحركة الكُردية من امتلاك القنوات التلفزيونية الفضائية وغيرها من وسائل الإعلام المتطورة والفاعلة، حتى تنتقل الحركة الوطنية الكُردية إلى العمل السياسي العلني الشفّاف، لوضع الكُرد وشركائهم السوريين – بشكلٍ واضح – بصورة سياساتها وخططها وبرامجها وعلاقاتها وشراكاتها، والاستماع إلى هواجس المتفاعلين ومقترحاتهم، للتخلص من سلبيات مرحلة النضال السياسي السري، التي لم تعر الكفاءات والاختصاصات القانونية والإعلامية واللغوية والديبلوماسية والتحليل السياسي وغيرها الأهمية الكافية، وخاصةً تلك المؤهلات التي كان يمتلكها الشباب دون غيرهم، بدعوى أنّ السياسة تقوم على البداهة المرتبطة بالفطرة والخبرة الزمنية والتربية المنزلية أو العائلية المزعومتين فحسب، ليستمرّ القفز على تلك المؤهلات والاختصاصات التي ربما لم تكن تمتلكها نسبة كبيرة من الذين تبوّءوا مراتب قيادية في الحركة الكُردية خلال مرحلة النضال السري، وربما في المرحلة الراهنة أيضاً ، تلك المرحلة التي كانت تغيب عنها “التشاركية ” اللازمة، والتنافس الإيجابي في القيادة وفق قاعدة ” وضع الإنسان المناسب في مكانه المناسب” و هذا الأمر ينسحب على جميع المؤسسات الحزبية والثقافية المستقلة ، وربما غيرها الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني.

هذا ، للانتقال من ” السياسات التأمّلية ” السائدة في ظل شبه غياب، أو تغييب، المختصين الذين أتينا على ذكرهم، وشبه غياب المراكز الوطنية الكَردية السورية للدراسات والاستشارات السياسية والعسكرية والاقتصادية وغيرها، رغم تواجد كثيف، نسبيا، لأعضاء من الاحزاب الكُردية ومن المستقلين ذوي المؤهلات في دول أوربا وغيرها في الخارج، منذ نحو أربعة عقود، إلى سياسات وخطط ترتكز على الأبحاث والمعلومات.

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “323”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى