آراء

لماذا لا نعترف بهزمتنا أمامها؟!

هوشنك أوسي
السياسي والمثقف الشرق أوسطي، الكردي، العربي، التركي والفارسي…، شديد الكبرياء والاعتداد بالنفس، لا يعترف بهزائمه المتكررة. يعلل، يبرر، ولا يعترف بصريح العبارة بأنه انهزم! ولا يتأتى ذلك من جرعة الأمل الزائدة لديه ولا من
الإحساس بالمسؤولية التاريخية، بل مرد ذلك هو الغوص في التهويمات والتضليل وإبداء الكثير من «الزعبرات» من جيلٍ لآخر!
يتفنن المثقف والسياسي الشرق أوسطي في تحليل ظروف نشأة «داعش» وأساليبها، ويتجاهل أنها شركة مقاولات، متعددة الجنسية، لإنتاج وتصدير الإرهاب الإسلاموي التكفيري!. ويبهرنا بتحليلاته عن «داعش» وأنها كذا وكذا، عسكرياً وعقائدياً، ويتغاضى عن كونها ذهنية، ونمط تفكير، أكثر من كونها تنظيماً يمتلك أجندة وهوية عقائدية. فهنالك «داعش» العلمانية، القومية واليسارية، و «داعش» الطائفية الشيعية مقابل «داعش» السنية، و «داعش» مسيحية في لبنان ومصر وأماكن أخرى. ناهيكم عن «داعش» الإسرائيلية و «داعش» الخمينية.
إذا كان تراكم الأحقاد والكراهية في الشرق الأوسط وهماً ولا أساس لوجوده، فلماذا كل هذا الحديث المزمن والمترامي عن «الفتنة» وأنها «نائمة» و «لعن الله من أيقظها»؟! ذلك أن المجتمعات المتصالحة التي طوت صفحة الحروب والأحقاد، يُفترض أنها دفنت معها الفتنة أيضاً!؟
وإذا كانت مناهج التربية والتعليم، وكذلك الفقر وانعدام العدالة ساهمت في إنتاج «داعش»، فماذا عن المغاربة والتوانسة والجزائريين والفلسطينيين والسوريين…، والأوروبيين، الذين ولدوا في الغرب، وتلقوا تعليمهم في بلدان متقدمة، ولم يعيشوا الحرمان والقمع والكبت الجنسي…، حتى يلتحقوا بـ «داعش» والانتحار، سعياً وراء الفوز بالجنة؟!
غالب الظن أن كل المهاجرين من بلدان المشرق العربي والإسلامي إلى أوروبا وأميركا، حملوا معهم خيمهم وبيوت العنكبوت المعششة في أدمغتهم، وفائض الأحقاد والكراهية، إلى المهجر، وأورثوها لأبنائهم، فبات هذا الموروث الدموي من القوة والتأثير إلى درجة إفشاله تأثير كل مناهج التربية والتعليم في المدارس والجامعات الأوروبية والأميركية.
فتجفيف منابع «داعش»، لا يقتصر على مكافحة الفقر والفساد والاستبداد، وإنعاش الديموقراطية وحسب، بل في إجراء مراجعة شاملة وجذرية لمناهج التربية والتعليم، والإعلام والقوانين، والكف عن اعتبار الدين أحد مصادر التشريع.
وإذا لم يتحقق ذلك، ستكون هذه الأوطان والمجتمعات، دوماً أمام تهديد «داعش» ومخاطرها وإرهابها الوحشي. ذلك أن «داعش» ليست تنظيماً أو مجموعة أفراد، قتلة وإرهابيين، بل ذهنية ووعي وسلوك، يستمد شرعيته من نصوص دينية، إلى جانب العادات والتقاليد والأحقاد القومية والدينية المتوارثة، فضلاً عن انعدام العدالة والفقر والفساد والاستبداد. وحتى لو تشكل تحالف دولي ضد «داعش»، وتم القضاء عليه كتنظيم، ينبغي الاعتراف بأمرين:
الأول، إننا هُزمنا أمام «داعش»، كعلمانيين، وليبراليين، وإسلاميين وسطيين. وأننا متورطون في وجود واستمرار هذه الذهنية.
والثاني، عجز أوباما، ودعمه المباشر وغير المباشر لنظام الأسد، وصمت الغرب حيال الكارثة الكونية التي يعيشها الشعب السوري، وعدم التدخل العسكري السريع والمباشر في سورية، كل ذلك، ساهم في نجاح مخطط بشار الأسد: «أنا أو القاعدة والإرهابيون التكفيريون». وعليه، إذا كان ثمة من داعشي في الإدارة الأميركية فهو أوباما. أولاً يحق لنا إذاً الترحم على إدارة جورج دبليو بوش؟!
الحياة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى