لماذا ينتظر الفشل كل مبادرات توحيد الصف الكُردي؟
حسين جلبي
الإختلاف من طبيعة الأشياء، إذ يستحيل أن تتفق نظرة شخصين إلى مشكلة محددة وسبل معالجتها، وحتى عندما يكون هناك خطر وجودي تتعرض له مجموعة ما، نجد بأن البعض يسعى كل جهده لإبعاده، في حين أن هناك من يبحث عن سبل للنجاة بجلده، بينما يحاول البعض الآخر الإستفادة من ذلك الخطر، والكُرد ليسوا استثناءً من كل ذلك.
على مدى السنوات القليلة الماضية حدثت مبادرات جدية لتوحيد الصف الكُردي السوري، بعضها إنطلق من دوافع نبيلة، ومن إستقراء للمستقبل، بعد أن بدأت نذر الخطر بالظهور.
من جهته فتح إقليم كُردستان أبوابه للمختلفين الكُرد، وقدم لهم إمكانيات لم يكونوا يحلمون بها، وهيأ الظروف لعقد ثلاث اتفاقيات، ورعاها ودعم بقوة تنفيذها، إلا أنه لم يجري تنفيذ أياً منها وبقيت أوراقها حبيسة الأدراج، وهو ما دفع حكومة الإقليم بعد سنوات من العمل المضني إلى الإعلان عن توقف مساعيها تلك. صدرت في هذا الشأن أيضاً مبادرات إعلامية غير مدروسة وغير متكاملة، وبصرف النظر عن دوافعها، وعدم إمتلاكها عوامل النجاح منذ البداية إلا أنها لم تكن أحسن حالاً من غيرها، إذ إنفجرت بعد قليل مثل فقاعات الصابون، لتكرس المزيد من اليأس، حتى أصبح الجميع ينظر بعين الشك إلى كل ما يصب في هذا السياق، خاصةً أن الفشل في التقريب بين المواقف الكُردية المختلفة قد أدى إلى خسائر فادحة، لدرجة يمكن القول معها إنه لم يعد هناك ـ تقريباً ـ ما يمكن إنقاذه.
إن مسلسل الإنشقاقات والتكاثر المرضي والمناكفات الذي أصاب الأحزاب الكُردية في سوريا، وأعضائها خلال السنوات الماضية بشكل خاص، يشكل دليلاً قاطعاً على أن ما يقوله الكُرد هو غير ما يفعلونه، فقد تكاثرت الأحزاب، في ظل الخطر الوجودي الذي يتهدد الكُرد في سوريا خلال السنوات القليلة الماضية إلى أكثر من الضعف، وتعمق التباعد بين مناصريها إلى درجة العداء، لقد تعاملت معظم الأحزاب بكيدية وبروح المؤامرة مع بعضها البعض، وشجعت على الإنشقاقات في صفوف بعضها وفي إضعاف بعضها البعض، لا بل أن أن الكثير منها رعى نشوء أحزاب جديدة لزيادة حلفه رقمياً، وكانت من المهازل الكبرى أن البيان رقم واحد للحزب المنشق، أو الجديد دعوته إلى وحدة الصف الكُردي.
لقد ظهر جلياً في الإتفاقات المعقودة بين الحركة الحزبية الكُردية، خاصة تلك التي رعاها إقليم كُردستان بأنها كانت مجرد تكتيكات ذات طبيعة إشغالية من قبل طرف واحد على الأقل، وأنها كانت تهدف إلى الوصول إلى تعزيز الموقف الحزبي وإعلاء شأن الحزب من جهة أُخرى، وإن تلك الإتفاقات ولدت لذلك ميتة، بحيث يمكن القول بأن التوقيع عليها، كان معناه التوقيع على شهادة وفاتها. في إتفاقية هولير الأولى هدفت الأطراف، أو أحدها على الأقل إلى الإستفادة من المجال الحيوي لإقليم كُردستان ووضعه في خدمته، وإلى الحصول على إعتراف بحجمه، وعندما تم ذلك إنتفت الحاجة إليه، أما اتفاقية هولير الثانية، التي جاءت بمناسبة إنطلاق مؤتمر جنيف، فكان الفكرة من ورائها هي حضور المؤتمر، لقد فتح حزب الاتحاد الديمقراطي جسر سيمالكا، الذي كان قد أغلقه وقتها أمام الأحزاب الكُردية مقابل تعهدها بالمساهمة في فتح جسر جوي له من هولير إلى جنيف، وعندما لم يتم له ذلك، وفشل الكُرد في حضور المؤتمر بوفد واحد، وفشل الحزب في حضور المؤتمر من الأساس، تم طي الصفحة التي وقعت عليها الإتفاقية، الكلام ذاته ينطبق على إتفاقية دهوك مع إختلاف الأسباب، تلك الإتفاقية التي أخرجت إقليم كُردستان عن صبره، ليعلن بأنها كانت المحاولة الأخيرة التي يبذلها في هذا الشأن.
ما الذي يجري إذاَ ويمنع الإتفاق الكُردي ـ الكُردي، أو يقف عقبة أمام وحدة الصف الكُردي مثلما تقوله العبارة المتداولة، الحقيقة هي أن كل المبادرات والإتفاقيات السابقة فشلت، وستفشل التالية لها مهما كانت دوافع أصحابها، ذلك أن “القوى الكُردية” الممسكة بخناق القضية حالياً لا تمثل الكُرد وقضيتهم، بل أنها تمثل مصالحها الشخصية، بالإضافة إلى المصالح المتناقضة لجهات مختلفة بعضها معادي للكُرد، وتصل خلافات تلك الجهات نفسها حد العداوة، بحيث يمكن القول، بأنه ينبغي من أجل توحيد الصف الكُردي، دفع من أصبح مالكاً حصرياً له إلى التضحية ببعض ملكه من أجل القضية الكُردية، والتقريب قبل ذلك بين أصحاب تلك المصالح، الذين ذاب الكُرد في اجنداتهم، بحيث أصبحوا جزءاً منها والمدافع الأول عن مصالحها، وأصبحوا بسببها مقسمين ما بين ضحية وجلاد، وما بينهما.
من جهة أُخرى تفتقد جميع المبادرات إلى آليات تنفيذ واقعية وتساوي بين الضحية والجلاد وتتعامل مع الأمر بعقلية “عفى الله عما سلف”، لا بل أن الكثير من أطرافها ليسوا من الضحايا، أو لا يمثلونهم ولا يأخذون آلامهم بعين الإعتبار، فهي لا تتضمن آلية للمحاسبة، بحيث أنها لا تصل إلى الحد الأدنى الذي يقوم على تسمية المسؤول عن كل المآسي التي حصلت، فيستفيد الجاني من أفعاله، ولا يكون ثمة رادع يمنعه من العودة لإرتكابها.
إن البديل لكل العناوين العريضة الشاملة عن الوحدة، هي التقريب بين كل مجموعة تمثل توجهاً محدداً ودعمها، بحيث تكون هناك معارضة كُردية قوية ومتوازنة، بصورة تمنع إستفراد أي طرف بالقرارات المصيرية والوقوع صيداً سهلاً في شباك أصحاب الاجندات الكُبرى، ولكي يكون العمل مجدياً، ينبغي على أصحاب التوجهات إمتلاك الشجاعة للإعلان عن اجنداتهم ومن يمثلونه، بدلاً من إنكار ما تراه الأعين، والإستمرار في لعبة تزوير الحقائق الغير مجدية.
غير ذلك، يعتبر كل ما يجري في هذا الشأن، من محاولات توحيد مجرد طفرات إعلامية قصيرة الأجل، كونها لم تستفد مما سبقها من محاولات، ولأنها في كل مرة لا تبني عليها كما هو واضح، فإن مصيرها المحتوم هو الفشل مثلها.
15 كانون1 2017