آراء

لم يكن ينقصنا الا كورونا (كوفيد 19) !

عارف دليلة

عشر سنواتٍ من الهمجية، حصيلة عقودٍ من النهب والفساد والاستبداد وهدر الفرص لبناء دولة قانونٍ ومواطنةٍ متقدّمةٍ كانت موادها الأولية الأساسية متوفّرة في سورية أكثر من أيّ دولةٍ أخرى بعد ربع قرنٍ من الاحتلال الاستعماري وبعد خمسة قرونٍ من الاحتلال العثماني وتنقصها فقط المادة الأساس الأهمّ وهي العقل المدني المتحضّر عند السلطة، التي، ولسوء الحظّ، تطاول لاحتلال كراسيها بدافعٍ شهواني ذاتي وبدعمٍ خارجي مخطّط، مرضى احتكار السلطة والثروة بكلّ الوسائل اللاشرعية.

و بدلاً من إنجاز “العمران البشري”( حسب تعبير ابن خلدون)، كان عملهم الأساس تقويض الروابط بين العناصر المحلية والنظم العلمية الحديثة المتوفّرة للبناء والتنمية والعمران والارتقاء حتى وصلنا إلى “الانفجار الكبير” والتشظّي المتزايد باطّرادٍ منذ تسع سنواتٍ، ما جعل دولة وليدة وشعباً طامحاً حُطامً، عديمي المؤسسات الفاعلة والضمانات، بما فيها الإنتاجية والغذائية والصحية، وما جعل سكانها منزوعي المقاومة والمناعة في مواجهة جميع الأخطار والجوائح، مشلوعين لا يلوون على شيءٍ من منشآتهم ووسائل عملهم وأراضيهم وبيوتهم ولباسهم ورياشهم وقوت يومهم، وكلّ جني حياتهم وآبائهم و أجدادهم، هكذا، وفي أوضاعهم هذه التي تثير شفقة حتى طرائد الصحارى والبراري، من دون مرتكبي الجرائم الكبرى بحقْهم ، يجدون أنفسهم اليوم أمام خطرٍ يفوق ما هم فيه من بلوى لم يشهد لها التاريخ مثيلاً وأخطر من أقوى أسلحة التدمير الشامل، شبيه بالقنبلة النيوترونية التي تفاخر مخترعها بأنها “السلاح النظيف” لأنه يقتل ، فقط !، البشر وكلّ الأحياء ولا يمسّ بأيّ ضرٍّ الحجر والجمادات!!! ، قاتلٌ لا يُرى إلّا بالمجهر، لا منجى منه حتى الآن.

هو فيروس كورونا (كوفيد 19) ، الذي لا يمكن مجابهته إلّا بالعلم و التخطيط و التنظيم ، والذي لم يتمكّن أحد اكتشاف مضادٍ له حتى الآن ، وهذه القدرات كانت لدينا دائماً ، وللأسف ، موضع هجوم القوى المتحكِّمة بالسلطة و الثروة و القرار، بدلاً من الاعتناء بتنميتها باستمرارٍ، حتى تراجعنا فيها إلى أحد آخر المواقع في قائمة دول العالم تنظيماً واماناً ! وإذا لم يكن (العقل) المفترَض وجوده في الرؤوس المحتكِرة للقرار، قد أثبت كفاءته في حلّ المشكلات العامة، بما فيها الاقتصادية و الاجتماعية والصحية.

فهل جاء الفيروس ليحتلّ الفراغ الذي خلقه (الكبار !)، أم أنهم رغم خطره الماحق، سيكابرون، كعادتهم، وسيستصغرونه، كما يستصغرون بعضهم، بعد استصغار شعوبهم، إلى أن” ينظِّف” الفيروس بلدانهم من البشر، أملاً منهم أنه يكمل عنهم مهمٌّتهم، ويتركهم “فرقة ناجية ” ؟ أم نقول: جاء الوقت المحتوم عندما يضرب أصحاب الرؤوس الحامية المستبِدّة والفاسدة أخماسهم بأسداسهم ويعرفون أنّ فوضى الفساد والتخليف والتدمير والتجويع و المطاردة والتهجير الممنهج للبشر بعيداً عن الشروط الدنيا للحياة الإنسانية ، وبشكلٍ خاصٍ، التركيز على محو أثر المؤسسات والتجهيزات الصحية والأخصائيين العاملين عليها والوسائل العلاجية ، تجعلنا منكشفين كلياً أمام الجوائح دون أدنى استعدادٍ أو حصانةٍ في مواجهتها، وإنْ إلقاء الملايين من البشر إلى العراء في أسوأ الظروف المناخية مجرّدين حتى ممّا تتمتّع به وحوش البرية ، سيجعلنا عديمي الحيلة.

وفي حالٍ لا يُقارن بما هو عليه في الدول الأخرى، وبالأخصِّ الصين ،التي كانت مولد هذه الجائحة وهي في الطريق إلى تطويق الجائحة إذ بدا عدد المصابين اليومي يتناقص وكذلك نسبة المتوفّين منهم، بفضل تنظيمات وإجراءات واستعدادات بالغة التنظيم في هذه الحرب التي يفوق خطرها خطر أيّ حربٍ نوويةٍ شاملةّ ! فهل آن الأوان لدينا لاعتراف مَنْ لم يكونوا يوماً، ولن يكونوا، اهلاً بالنهوض بالمسؤولية عن المصير العام أمام ممثّلي المجتمع الكفؤين المخلصين الذين يضعون هذا المصير على رأس الأولويات ، قبل و فوق المصالح الخاصة الضيقة والدنيئة، ومؤهّلين لتكوين البنى الأساسية ولتعبئة الجهود لإنقاذ الدولة وأهلها، بدءاً بالاعتراف الفوري بحقّ الجميع، وبالأخصّ أصحاب الكفاءات والإمكانيات، في المبادرة و الإقدام للنهوض بالمهمّات وعلى جميع المستويات قبل فوات الأوان ، إنْ لم يكن قد فات بعد ، ومنذ زمنٍ طويلٍ ؟

جميع المقالات المنشورة تعبر عن وجهة نظر كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي Yekiti Media

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى