لوحة فنية ترمز إلى 150,000 مفقود سوري تراجيديا وطن محروق على الخشب
Yekiti Media
في اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري الذي يصادف 30 أغسطس من كل عام، تُثار في القلوب ذكريات مؤلمة وأحزان غائرة.
هذا اليوم، الذي أقرته الأمم المتحدة ليكون تذكيرًا عالميًا بمأساة المختفين قسريًا ودعوةً للكشف عن مصيرهم، يُعتبر مناسبة لتسليط الضوء على هذه الجرائم التي تمثل انتهاكًا جسيمًا لحقوق الإنسان.
في هذه المناسبة، قدم الفنان الكُردي السوري مهدي داود الحسين (Wenda) من سري كانييه (رأس العين) والمقيم في أربيل – كُردستان العراق، لوحة فنية استثنائية تجسد هذه المأساة الكبرى.
اللوحة التي ستعرض في معرض (باقة من النجوم الذهبية) في المركز الاجتماعي في أربيل – عينكاوا في الخامس والعشرين من شهر أكتوبر القادم، ليست مجرد عمل فني عادي، بل هي تحفة مصنوعة بتقنية “فن الحرق على الخشب”، مما يضفي عليها بعدًا رمزيًا عميقًا، حيث أن الخشب المحروق هو انعكاس للألم المستمر في سوريا ويجسد نداءً صامتًا لمصير 150,000 مفقوداً سورياً، وفقًا لآخر الإحصاءات.
رموز الألم في اللوحة:
الفنان مهدي الحسين لم يرسم مجرد أرقام، بل استخدم “فن الحرق على الخشب” ليحول اللوحة إلى مرآة تعكس حجم الفاجعة. اللوحة تحتوي على الرقم “150000”، لكن كل رقم فيها ينطوي على العديد من الأبعاد والرموز :
• الإطار الأسود: إطار اللوحة مشبع بالسواد، في إشارة واضحة إلى الظلام الذي يخيم على سوريا وشعبها، الغارقين في دوامة الحرب والمعاناة التي لا تنتهي.
• الرقم 1 كمفتاح: رقم “1” يظهر في اللوحة على شكل مفتاح، رمزًا للأمل المفقود، ورسالة بأن هناك مدن ومناطق ومنازل مفقودة ينتظرها أصحابها مثل “عفرين وسري كانييه وكري سبي والغوطة وداريا” وغيرها من المدن السورية.
الصور داخل الدوائر:
• الدائرة الأولى تحمل صورة المفقود الكُردي الكاتب حسين عيسو، الذي اعتقله النظام السوري منذ ثلاث عشر عاماً، ليبقى مصيره مجهولًا في قلب كل من يعرفه.
• الدائرة الثانية تجسد صورة الأب باولو دالوليو، الناشط الكاهن وناشط السلام، تم اختطافه من قبل داعش في 29 يوليو 2013
• الدائرة الثالثة تتضمن صورة الناشطة السورية رزان زيتونة، التي اختفت وسط دوامة النزاع في الغوطة، وسط اتهامات للمجموعات المعارضة بالتورط في مصيرها.
• الدائرة الأخيرة تتضمن صورة بهزاد دورسن، القيادي السياسي في الحزب الديمقراطي الكُردستاني – سوريا ، مختطف منذ 24 تشرين الثاني 2012 والذي تُشار حول اختفائه أصابع الاتهام إلى القوات الكُردية في شمال شرق سوري.
رسائل اللوحة:
تتجاوز اللوحة حدود الفن التقليدي لتصبح بيانًا صارخًا ضد الظلم والغياب القسري. تحمل اللوحة في تفاصيلها رسائل عميقة:
• تعبر اللوحة عن الحزن الذي لا يفارق قلوب السوريين، وهم يفتقدون أحبائهم الذين غيبهم الظلام.
• من خلال تفاصيل اللوحة، يبرز الحسين الفارق الكبير بين نسبة المفقودين من الذكور مقارنة بالنساء، معبرًا عن هذا التفاوت بألوانه وظلاله.
• اللوحة ليست حكراً على طائفة أو عرق أو دين ، بل إنها تجسد الألم المشترك لكل مكونات المجتمع السوري، من عرب وكورد ومسيحيين.
• رسالة أن كل من يحكم الجغرافية السورية مسؤولين حول مصير هؤلاء المفقودين وبنسب متفاوتة.
وضع الكاتب حسين عيسو ضمن الدائرة الأولى لها دلالات رمزية عميقة ورسالة ذكية أن المسؤول عن اختطافه هو النظام السوري وهو اكثر الجهات مسؤولية عن المفقودين السوريين وأهم اشكاه في الاختفاء القسري، فالأرقام تشير ان النظام مسؤول حول مصير أكثر من 90% من هؤلاء المفقودين.
لوحة مهدي الحسين هي أكثر من مجرد عمل فني؛ إنها روح تأن وتبكي على الخشب المحروق. إن استخدام تقنية “فن الحرق على الخشب” ليس مجرد خيار فني، بل هو اختيار رمزي عميق يعكس معاناة السوريين المستمرة في القلوب والعقول.
إنها دعوة لاستنهاض الفكر في مصير أولئك الذين ابتلعتهم الحرب، وهي أمل نابض في قلوب من ينتظرون عودة أحبائهم. هذه اللوحة تجسد النداء الصامت للشعب السوري، الذي لا يزال يرزح تحت وطأة الفقدان والاختفاء القسري، ربما تكون هذه اللوحة الخطوة الأولى نحو الكشف عن الحقيقة وإعادة الحياة لمن انتظرتهم قلوب ملؤها الشوق والحنين إلى لقاء مرتقب ولو طال الانتظار.
محمد هسام