لوموند: بعد 10 سنوات من الحرب.. بشار الأسد ملك على كومة من الأنقاض
تسارع انهيار الليرة السورية وارتفعت أسعار السلع واضطرت الحكومة لخفض الدعم عن الخبز والوقود والغاز، وهو ما يثير التذمر المتزايد حتى بين المجتمع العلوي الذي تنحدر منه عائلة الأسد.
في بداية الانتفاضة ضد النظام السوري عام 2011 رفع أنصار الرئيس بشار الأسد شعار “الأسد أو نحرق البلد”، فكان مكتوبا على الجدران وصوتا مرتفعا في المسيرات المؤيدة للنظام، ولازمة مكررة في وسائل الإعلام الرسمية، وها هي سوريا اليوم بعد 10 سنوات، بلد مجزأ واقتصاد محطم ونظام معزول، ورئيس يحكم من خلال الخضوع والدمار.
لخصت صحيفة “لوموند” (Le Monde) الفرنسية حال سوريا والأسد اليوم بالعبارات السابقة، موضحة أن الأسد لا يزال بعد حرب أهلية كارثية يراوح مكانه، ولكنه لا يحكم سوى الأنقاض، وقد توقف القتال عمليا وبقي النظام على قيد الحياة، لكن سوريا انهارت، ولم يعد لشعار “الأسد أو نحرق البلد” معنى، لأن الواقع أصبح “الأسد والبلد المتفحم”، وتم الخضوع والتدمير، فالشعب جاث على الركب ووطنه في حالة يرثى لها.
وفي تقرير بقلم بنيامين بارت، قالت الصحيفة إن الأسد الذي لم يتغير مظهره إلا قليلا، من المرجح أن يفوز بولاية رابعة مدتها 7 سنوات في هذا الربيع.
وكل الدلائل تشير إلى إعادة انتخاب هذا المنبوذ ذي الأيدي الملطخة بالدماء الذي وُعد قبل بضع سنوات بمصير كارثي، المنفى أو زنزانة السجن أو القبر، إلا أنه اليوم يشعر هو ونظامه بالانتصار بعد أن استعاد “سوريا المفيدة”، وإن كانت الاستعادة غير مكتملة، ببقاء إدلب والسهول الشمالية الشرقية خارج يده، حسب الكاتب.
هوة اقتصادية
وينبه الكاتب إلى أن الأسد سحق التمرد، ولكنه سحق معه البلاد، فهناك ما بين 300 ألف و500 ألف قتيل، وهناك مليون ونصف مليون معاق، إضافة إلى 5.6 ملايين لاجئ و6.2 ملايين نازح، في الوقت الذي تم فيه تدمير أو إتلاف ثلث المباني.
وحسب تقرير صادر في مايو/أيار 2020 عن المركز السوري لأبحاث السياسة، وهو شركة أبحاث مستقلة، فإن خسائر الحرب التراكمية تصل إلى 530 مليار دولار، كما أن الدولة خسرت ثلثي ناتجها المحلي الإجمالي الذي انخفض من 60 مليار دولار في عام 2010 إلى 21 مليار دولار في عام 2019.
ويرى الكاتب أنه وبصرف النظر عن إعادة تأهيل الطرق الرئيسية وترميم جزء من أسواق حلب بتمويل من مؤسسة “آغا خان”، فقد توقفت عملية إعادة الإعمار، لأن خزائن الدولة فارغة، خاصة بعد أن أصبحت معظم آبار النفط والغاز تحت السيطرة الكردية، وغاب الزوار الأجانب، وصار الفوسفات في يد شركة روسية تقديرا لإنقاذ الروس لبشار الأسد.
وبعيدا عن الانتعاش -كما يقول الكاتب- تتردى البلاد في الهاوية، حيث انتشر وباء كوفيد-19، وأفلس القطاع المصرفي اللبناني الذي اعتاد الكثير من السوريين استثمار أصولهم فيه، ودخل قانون قيصر حيز التنفيذ في الولايات المتحدة، وهو يهدد بفرض عقوبات على أي كيان مرتبط بدمشق، وهو ما يعرّض السكان لحصار اقتصادي بحكم الأمر الواقع.
ونتيجة لذلك، تسارع انهيار الليرة السورية وارتفعت أسعار السلع واضطرت الحكومة لخفض الدعم عن الخبز والوقود والغاز، مما يثير التذمر المتزايد حتى بين مجتمع العلويين الذي تنحدر منه عائلة الأسد.
وتقول دراسة للحزب الشيوعي السوري الموالي للنظام إن تكاليف المعاش بالنسبة لعائلة من 5 أشخاص قد تضاعف خلال السنة الأخيرة، حيث انتقلت من 380 ألف ليرة (302 دولار) إلى 732 ألف ليرة (582 دولار تقريبا)، وهو ما يمثل 15 ضعفا للحد الأدنى للأجور و12 ضعفا لمتوسط راتب الطبيب، ووفق الأمم المتحدة فإن 12.4 مليون سوري أو 60% من السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
وفي هذا السياق، نبه الكاتب إلى أن نقطة قوية للنظام الذي أسسه حافظ الأسد قد تحطمت، وهي التحالف مع برجوازية الأعمال السنية، حيث حل جيل جديد من الانتفاعيين -الذين أثروا من التهريب والابتزاز وقنوات التحايل- محل من لم يرحل من النخبة الاقتصادية القديمة.
وقد تمت إعادة توزيع المكاسب الاقتصادية، فخسر رامي مخلوف ابن عم بشار الأسد الذي كان قبل الحرب أغنى رجل في سوريا، واستولى ماهر الأسد الأخ الأصغر للرئيس على دوره بصفته مصرفيا للنظام، بعد أن سيطرت قواته على حركة مرور الخردة المعدنية التي تم جمعها من أنقاض معاقل المعارضة السابقة، لتصديرها إلى الإمارات.
لا تنازل
ومع أن الأسد قام بمناورة في أواخر 2020، لإعادة الاتصال مع الأغلبية السنية في البلاد، فإنه من غير المرجح أن تنجح المهمة تحت ضغط الأقليات مثل السريان والعلويين الذين كانوا وقودا لمدافع النظام، وبالتالي فإن المصالحة مع هذه الأغلبية والنظام لن تكون يوم غد، وفق ما تقوله مديرة برنامج سوريا في الاتحاد الأوروبي.
ولا يبقى للنظام من أجل ضمان الولاء -كما يقول الكاتب- سوى الإكراه، وذلك بالمراهنة على المخابرات، فهي المسؤولة عن العلويين الذين ينتقدون النظام، وقد اعتقلت مؤخرا المذيعة هالة الجرف لأنها كتبت على فيس بوك “الحمد لله لم يعد لدينا خبز، ولكن لدينا فرع مسؤول عن الجرائم الإلكترونية”، إشارة إلى قسم الشرطة الذي يراقب الشبكات الاجتماعية.
أما كيف ترى الحكومة المستقبل، فيرجح الكاتب أنها لن تقدم أي تنازلات مهما كانت صغيرة، مستدلا على ذلك بمؤتمر عودة اللاجئين الذي نظم في دمشق بناء على طلب صريح من روسيا ولم يلق أي اهتمام خارجي.
ويختتم الكاتب بأن مناقشات اللجنة الدستورية في جنيف -التي تشكلت بمبادرة من موسكو وأنقرة، والمكونة من ممثلين عن السلطة والمعارضة من أجل تعديل الدستور السوري- أخفقت في تقديم أي شيء بسبب عرقلة مبعوثي دمشق، وهو ما يُظهر أن النظام ليس مستعدا للتنازل.
المصدر.. الجزيرة نت/لوموند