ليس لأردوغان مُكاتِب
هوشنك أوسي
يهاجم ويشتم دول الاتحاد الأوروبي، ويسعى إلى الانتماء إلى هذا الاتحاد. يتعامل مع البلدان الأوروبية وقوانينها كأنّها محافظات تابعة لبلده. وفي أفضل الأحوال، كأنّها بلدان تدين بالولاء والطاعة لإمبراطوريتّه. الغطرسة وجنون العظمة لديه لا نجد لهما نظيراً حتى لدى أعتى سلاطين آل عثمان «الفاتحين»! وفي الوقت عينه، العصبيّة والانفعال والتهديد والشتائم التي ينضح بها خطاب أردوغان في التعاطي مع الجار الأوروبي، وقد سبق أن رأينا وسمعنا مثيلاً لها اثناء انقلابه على حليفه الإقليمي بشّار الأسد، وأثناء وبعد انقلاب أردوغان على حليفه الداخلي غولن.
في السياق ذاته، الأنظمة الأوروبية ومعارضاتها، باتت تتشارك في القلق والخوف من تركيا الأردوغانيّة ودورها وخطاب نظامها الشعبوي- الإسلاموي. وبالتالي، لن يجد زعيم «العدالة والتنمية» أية جهة أوروبيّة معارضة تضع يدها في يده، ضد أنظمتها، باستثناء التنظيمات الإرهابيّة التكفيريّة التي تعيث إجراماً وإرهاباً في البلدان الأوروبيّة. ويتحجج الأردوغانيون، أتراكاً وعرباً، بالتفويض الشعبي الذي يحصل عليه أردوغان في كل انتخابات بلديّة وبرلمانيّة، كمكافأة من الشعب على انجازاته في الاقتصاد والسياسات الداخليّة والخارجيّة، وهذا ما يُرفع في وجه كل من ينتقد أردوغان. فهو في 2005، اعترف بوجود القضية الكردية، ووعد بحلّها. ثم تنصّل وأنكر وجودها وفشل في الحل. وفي 2008، وعد بنهاية حظر الأحزاب السياسية، لكنه في 2016 صار يطالب بحظر حزب الشعوب الديموقراطي. وفي 2009، أطلق مشروع «الانفتاح الكردي»، ثمّ غيّر اسمه إلى «الانفتاح الديموقراطي»، ليطيح بهذا الانفتاح وتنزلق تركيا في مزيد من الانغلاق ليس فقط حيال الكرد، بل حيال الأرمن والعلويين وحتى قطاعات واسعة من السنّة الموالين لغولن. وهكذا تتكاثر الأمثلة على الأخطاء والارتكابات.
فإذا أجرينا جردة حساب للمنجزات، واجهتنا علامات استفهام وتعجّب كبيرة: فلماذا يمنحه الشعب التركي تفويضاً تلو الآخر، على رغم هذه الانتكاسات المزلزلة؟!
صحيح أن الجانب الاقتصادي له بالغ الأثر في انحياز الناخب التركي لأردوغان، لكن الصحيح أيضاً أنه يقدّم نفسه كإسلامي، ويخلط الدين بالسياسة. وهذا كافٍ بذاته لأن ينجرف الناخب التركي نحو حزب «العدالة والتنمية» ويصوت له. والحقّ أن الرعونة في الخطاب الأردوغاني حيال أوروبا تلحق المزيد من الأذى بالإسلام والمسلمين في أوروبا وخارجها، وتزيد ردود الأفعال السلبيّة تجاه الإسلام والمسلمين، ويقدّم الخدمات للأحزاب اليمينيّة الأوروبيّة على طبق من ذهب. هنا يتقاطع أردوغان مع التنظيمات التكفيريّة الإرهابيّة التي تسيء للإسلام والمسلمين، تاركاً للأوروبي العادي التساؤل: إذا كان رمز الاعتدال الإسلامي هكذا فكيف الحال لدى المتشددين الإسلاميين؟! وهذا لا يعزل أردوغان تركيا عن أوروبا وحسب، بل يعزلها عن العالم الإسلامي أيضاً. وقد يجد الرئيس التركي نفسه وحيداً، ما من أحد يكاتبه أو يخاطبه!
الحياة
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي يكيتي ميديا