مآلات المشهد السوري بعد سقوط نظام دمشق
إسماعيل رشيد
يوم 8 ديسمبر 2024 كان تحولاً نوعياً في مسار سوريا على مرّ العقود، حيث انتظار السوريين لولادة مرحلة جديدة بعد دولة أمنية مغتصبة من قبل نظام طائفي ومستبد للتطلع إلى دولة المواطنة والمؤسسات والقانون .
سقوط نظام الأسد جاء بعد تضحيات الشعب السوري بكلّ مكوناته وطوائفه على مرّ العقود ، وبالرغم من طول أمد الثورة السورية والمنعطفات التي مرّت بها والتضحيات الجسام التي قدّمها السوريون وتعرضهم لأقسى أنواع الظلم والتنكيل من قبل نظامٍ سخّر جيشه لقتل شعبه، واستعان بالميليشيات الإيرانية وطلب التدخل الروسي في 2015، حيث كان لهما الدور الرئيسي لبقاء الأسد ، هذا ما أكّده سيرغي لافروف في 2017، بأنه لولا التدخل العسكري الروسي لكان نظام الأسد قد سقط خلال اسبوعين أو ثلاثة .
بعد الحروب الروسية الأوكرانية قلّ الاهتمام بالملف السوري، وبات الحديث السائد في الخطاب الدولي حول كيفية دخول المساعدات الانسانية والتعافي المبكر و”خطوة مقابل خطوة” وتبعه انفتاح عربي وفتح عدة دول أوربية سفاراتها في دمشق وهذا ما استغلّه النظام لصالحه ولم يولِ أي اهتمامٍ بالعملية السياسية الأممية مستقوياً بحليفه الروسي والإيراني، وانفتاح المناخات السياسية عليه ، ولكن بعد 7 أكتوبر 2023 أحدثت إسرائيل تحولا ًكبيراً في المشهد، حيث قامت بتقليص دور حماس وشلّ قدرات حزب الله والضربات الموجعة للداخل الإيراني ، كلّ ذلك كان تمهيداً بأنّ هذه الحرب ستتسع تداعياتها لتتجاوز حدود لبنان ، وسوريا ستكون في قلب المشهد فكانت الضربات الإسرائيلية المتكررة لاستهداف الميليشيات الإيرانية ومرتكزاتها في سوريا وتحديداً قلب العاصمة دمشق ، وهذا ما شجّع تيارات من المعارضة السورية لاستثمار الوضع الميداني من شلّ قدرات النظام وداعميه، وكذلك الغضب التركي لعدم تجاوب النظام السوري للحوار، وانشغال روسيا بالجبهة الأوكرانية..كلّ هذه المحددات أعطت زخماً لفصائل المعارضة السورية وعلى رأسها هيئة تحرير الشام لزحفها نحو حلب، والتي لم تجد مقاومة حقيقية من قبل جيش النظام المتهالك ، وكانت النتيجة سقوط دمشق وهروب رأس النظام وحاشيته .
لاشكّ بأنّ أماني وطموحات الشعب السوري كبيرة بحجم التضحيات والمآسي التي تعرّضوا لها ، ولن يقبلوا بالحزب الواحد واللون الواحد والعقيدة الواحدة ، فهدف الثورة السورية كان إنهاء حقبة الفكر الواحد والاستبداد وترسيخ البديل الديمقراطي الذي يؤمن بأنّ سوريا واحة لكل السوريين دون إقصاء أو تمييز، وبأنّ العدالة يجب أن تأخذ مجراها، ومحاسبة المجرمين عن قتل الشعب السوري وتدمير دولته ، ونبذ العنف والانتقام والتحلي بروح التسامح والتعايش بين أبنائها ، والتنوع القومي والطائفي الذي تتمتع به سوريا تتطلّب نظاماً لامركزياً سياسياً، تعيد للدولة السورية مكانتها وقوتها عبر توزيع عادل للثروة والسلطة والحفاظ على سيادة الدولة ، وهذا لن يتمّ دون توافق السوريين ، لذا فإنّ المرحلة مفصلية وتتطلّب حوار وطني شامل لإرساء دولة مدنية تعددية ديمقراطية، يعزّز من ثقافة الانتماء الوطني وإنهاء شعور الاغتراب الذي لازم السوريين في عهد النظام اليائس .
الحكومة الجديدة في دمشق تبعث برسائل مطمئنة للشعب السوري من حيث الدعوة لمؤتمر وطني شامل، وبأنّ جميع المكونات السورية سيكون لهم دور في رسم مستقبل سوريا الجديدة، وكذلك حلّ كلّ الفصائل العسكرية تحت سقف الجيش الوطني السوري القادم ، وهذه بدايات جديدة رغم الانتقادات لنموذج وتركيبة حكومته ، ولكن ينتظر السوريون انتهاء فترة الثلاثة أشهر لحكومة الشرع وبعدها سيتمّ رسم ملامح سوريا المستقبل ، ومايصدر حتى اليوم من مواقف دولية وعربية مطمئنة إلى حد ما حول تشكيل هيئة حكم انتقالي ولجنة لكتابة مسودة الدستور والاستفتاء وهو يمثّل جوهر القرار الأممي 2254 .
لاشكّ بأنّ هناك قوى إقليمية ودولية، ربما ستفرض إيقاعها على المشهد السوري في ظلّ انحسار الدور الإيراني وعلى رأسها تركيا التي لها الدور المؤثر في الملف السوري والحليفة لناتو وأمريكا وتواجدها في مساحات على الجغرافيا السورية وسيطرتها على فصائل مسلحة، ويرجّح بعض المراقبين بأنّ تركيا ستكون الرابح الأكبر مستقبلا في المشهد السوري ، ويبقى ذلك مرهون بتحديات المرحلة المقبلة وأبرزها ملف قسد المدعومة أمريكياً ، كذلك سارعت إسرائيل منذ سقوط بشار الأسد للتوغل داخل الأراضي السورية وتدمير الترسانة العسكرية تحسباً من سيناريو مرتقب،
من جانبها روسيا تؤكّد بأنّ لها اتصالات مع حكومة الشرع وأخذت تطمينات ببقاء وحماية قواعدها العسكرية في طرطوس واللاذقية ، ولايستبعد أن تبادر روسيا للاعتراف بحكومة الشرع لتعزيز تواجدها في آخر قلاعها في الشرق الأوسط، ويبقى الفصل للموقف الأمريكي في المشهد السوري والذي سيحدّد خارطة الطريق للمنطقة، وقد أكّد ترامب بعد سقوط الأسد بأنّ سوريا ليست معركتنا ، فهل هذا يعني انسحاب أمريكي من سوريا…أم التطورات الجيوسياسية والتجاذبات القادمة ستفرض الإيقاع الأمريكي في المنطقة بعد عدم وضوح الرؤية الأمريكية على مرّ السنوات الماضية في الملف السوري ؟
العالم برمته ينتظر يوم 20 كانون الثاني من السنة الجديدة وماالذي يخبّئه ترامب للمنطقة.
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “327”