آراء

مأزق القوى الكردية في سوريا

بدران مستو

خلفت الحرب السورية الداخلية ,خلال السبع السنوات الماضية ,الكثير من الكوارث ,والمآسي والدموع للشعب السوري ,وأنتجت معها معارضات تابعة مسلوبة الإرادة والحركة ,أسهمت بدورها في إطالة عمر هذه الازمة المستديمة.

فالمعارضة (العربية) بإمكانياتها المحدودة ,لم تستطع في بداية الثورة السورية أن تلعب الدور المنوط بها ,إلا بعد أن دخلت في سوق المصالح ,والمساومات مع الدول الإقليمية ,على حساب مبادئ وأهداف الثورة السورية ,ومع تطور الأحداث ,ومجريات الحرب ,والتدخل العسكري التركي ,بمشاركة فصائلها المسلحة, واحتلالها لبعض المناطق السورية ,مثل جرابلس وإعزاز والباب ,ومن ثم عفرين ,وارتكابها انتهاكات فظيعة بحق الشعب الكردي. فقدت هذه المعارضة مصداقيتها ,ودرجة ولائها للوطن ولشعبها الجريح, وأعادت بهم إلى عادتهم القديمة ,عندما كانوا في صراع حول اختلاس الأموال في نهاية مرحلة (إعلان دمشق) ؛وبعبارة أخرى أصبحت (معارضة اسطنبول) معارضة للمرتزقة واللصوص.

ولم يكن حال المعارضة الكردية ,بأفضل حال من مثيلتها العربية ,فالظروف اجبرت اطاريها أيضاً ,لتعزيز كل منها علاقاتها القديمة ,مع البعد الكردستاني الممثلة بهولير وقنديل ,ذات التوجهات السياسية والمشارب الفكرية المختلفة ,وأصبحتا جزءاً من هذين المحورين الكردستانيين المتباينين ,يسبحان بحمدهما ويؤيدانهما في كل شيء ,دون ان يتخذان المواقف السليمة والمتوازنة حيال الأحداث والتطورات المستجدة ,وقد بان صدى هذا الاستقطاب في التنافس والصراع السياسي ,لاستحواذ النفوذ في كردستان سوريا ,تسببت في توتير العلاقات ,وزيادة الشرخ في الشارع الكردي المتأزمة أصلاً ,وعلى الرغم من التدخل الايجابي لهولير في رعاية ثلاث اتفاقيات بين الطرفين ؛إلا أنها وللأسف بقيت حبراً على ورق ,بسبب نزعة الغطرسة ,والرؤية الشمولية الطاردة للشراكة السياسية ,الذي اتسم به ((PYD ,ناهيك عن ارتكابها انتهاكات جمة بحق الاطار الآخر (ENKS).

قد يكون لبعض القوى الكردستانية المبرر فيما تتخذه من علاقات ومواقف ,تتماشى مع مصالحها ,لكن ليس من المبرر لها أن تجعل من كردستان سوريا مسرحاً لبسط نفوذها ؛أو ساحة خلفية لصراعاتها مع القوى الكردستانية المتناظرة لها ,لأنها منافية للقيم الديمقراطية ,ولاغيه ومهمشة للشخصية الاعتبارية المستقلة لأطراف الحركة الكردية السورية ؛ومتناقضة مع جوهر العلاقات المثلى ,المأمول أن تقام عليها فيما بين الأحزاب الكردستانية ,على أساس الاحترام المتبادل ,وعدم التدخل السلبي في الأجزاء الأخرى من كردستان. وهنا لا بد من الإشارة إلى دور بعض القيادات الكردية السورية من ذوي النفوس الضعيفة ؛التي أرهنت مصيرها ,ومصير أحزابها ,وجعلتها أسيرة لبعض القوى الكردستانية.

ومن التداعيات الخطيرة لهذه العلاقات الغير الطبيعية على حاضر ومستقبل القضية الكردية في سوريا ؛نجد أن قطباها الرئيسان ,تتحركان في فلك الامتداد الإقليمي والدولي لهذين المحورين ,ولو كانت على حساب قضية الشعب الكردي العادلة.

فالمجلس الوطني الكردي ENKS منضوي في (الائتلاف الوطني السوري) ,المسير من قبل الفاشية التركية ,التي لا توفر جهداً إلا وتحارب بها حركة التحرر الوطني الكردية ,فاحتضانها للمعارضة السورية ,جاءت ليس حباً بالشعب السوري ,أو لتحريره من جور وبراثن الطاغية ,بل ليكون لها اليد الطولى في رسم معالم نظام الحكم المستقبلي في سوريا ؛وأول هذه المعالم ,أن لا يكون للكرد حضورهم ودورهم في رسم هذه المعالم ,وتهميش حقوقهم القومية ,وما غزوها لمنطقة عفرين الكردستانية وبمؤازرة مرتزقتها من قوات ( الجيش الوطني السوري) التابعة لحكومة الائتلاف المؤقتة ؛واحتلالها فيما بعد اثر مقاومة ضارية ,وبدئها بعمليات تغيير ديمغرافي كبير,وترهيب المواطنين الكرد ,عبر ارتكاب انتهاكات إنسانية خطيرة ,في القتل والاغتصاب والسلب والنهب ,وإرغامهم على بيع ممتلكاتهم بالقوة ,لحملهم على الهجرة والتشرد ,وترك منازلهم وديارهم لصالح العنصر العربي والمقتلع طائفياً من الغوطة الشرقية ,وبالتالي جعل الكرد أقلية فيها وتبديل هويتها القومية.

أما حزب الاتحاد الديمقراطي PYD الذي استلم إدارة المنطقة الكردية ,لم يستطع اتباع سياسة راشدة ومستقلة ,يراعي بها خصوصية ومصلحة القضية الكردية في سوريا ,ولم تبادر لطمأنة الدولة التركية ,بل استمر في استراتيجيته العقائدية والسياسية ,كفرع سوري لـحزب العمال الكردستاني PKK المتهم (بالإرهاب) ,والذي يحارب الدولة التركية منذ 34 عاماً ,مما أفسح المجال للحكومة التركية المعادية أصلاً للطموح الكردي ,من استغلال هذه السياسات الخاطئة ,والبناء عليها لتنفيذ العشرات من الاعتداءات العسكرية عبر الحدود ,كان آخرها غزو واحتلال منطقة عفرين. ومن جهة أخرى فإن سلطة PYD وبعد استفرادها بالسلطة ,ضيقت الخناق على نشاطات الأحزاب الكردية المخالفة لها في الرأي ,وارتكبت انتهاكات جسيمة وعديدة في مجال حقوق الإنسان ,وكذلك أحرقت وأغلقت مكاتب المجلس الوطني الكردي ,ومكاتب الأحزاب المنضوية في إطارها ,كما أنها فتحت جبهات عسكرية خارج المنطقة الكردية مجاناً ,راح ضحيتها الآلاف من أبناء وبنات الشعب الكردي ,بين شهيد وجريح ومعوق ,أسفرت عن عداء المكون العربي لها ,رغم تحريرها من سلطة داعش الإرهابية.

إن استمرار هذه العلاقات الغير الطبيعية بين هولير وقنديل ,هو استمرار لمأزق وتشرذم القوى التابعة لهما في كردستان سوريا ,فأحدهما يتوهم خيراً في ائتلاف مغلوب على أمره جراء هيمنة العنصريين والطورانيين عليها ؛والآخر يمارس القمع والاستبداد ,ويعيش حالة سريالية مستمرة بالتضحية بدماء أبناء وبنات الشعب الكردي ,على مسرح تحقيق الأمة الديمقراطية الايكولوجية.

فهل ستقدم الأحزاب الكردستانية الرئيسية ,على التخفيف أو الحد من خلافاتها البينية ,لبتر عوامل التبعية والتجزئة بين الأطراف الكردية السورية ؟

أم أن هذه الأطراف ستتجرأ في النهاية على المألوف ,وتقرر سوية ما تريد ؟

ام أن قطار الزمن سيمر مرة أخرى بمآسيه التراجيدية على أجساد الشعب الكردي المضطهد والممزق ويتركه لمصيره المجهول ؟

 جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عــن رأي Yekiti Media

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى