مؤتمر جنيف والبحث في خارطة طريق لبيئة آمنة في سوريا
نزار موسى
في ظلّ التعثر الحاصل في تنفيذ المسار الدولي بخصوص سوريا ، والمتمثّل بمسار جنيف والقرار الدولي ذي الشأن ٢٢٥٤ ، وخصوصاً فحواه الأساسي بوجوب تشكيل هيئة حكم إنتقالي كأساسٍ للانطلاق بالموجبات الأخرى في طريق الحلّ السوري ، والذي لطالما أرّق السوريين في طول انتظارهم مع استمرار معاناة الشعب السوري في بلاد الشتات وتحت خيم اللجوء المتعبة .
ومن هنا ونظراً لبروز قضية العودة الطوعية للاجئين السوريين عنواناً ، تصدّر تناول الموضوع السوري واحتمالية كونه أحد أشكال العودة باللاجئين كما هو بوجهه المعلَن في لبنان ووجهه المخفي في تركيا ، فقد بادرت الرابطة السورية لكرامة المواطن لإعداد مسودة خارطة طريق لبيئةٍ آمنة في سوريا ، وذلك بالتعاون مع رابطة المحاميين السوريين الأحرار وبرعايةٌ من المعهد الأوربي للسلام EIP ، حيث طرحت في آلياتها للنقاش في جنيف مؤخراً ، وذلك بحضورٍ أممي ودولي وسوري ملفت ، وذلك على يومين متتالين وباستضافة ممثلي أهم الدول الفاعلة في الملفّ السوري بجنيف ، وكذلك ممثلي هيئات الأمم المتحدة المعنية بشؤون اللاجئين ومندوبين من هيئة التفاوض السورية ، وخبراء في العدالة الانتقالية و سياسيين سوريين ودوليين ، و بإشراك إلكتروني من فعاليات سورية من الداخل السوري و من تركيا .
تقدّمت فعاليات الحدث بعرض المأساة السورية برسالةٍ مرئية موجّهة للمؤتمر من شخصية القيصر ، موثق ومسرّب الانتهاكات المعروف للحاضرين ، مع عرض جانبٍ من تلك الانتهاكات التي عُرضت في الكونغرس الأمريكي ، في محاولةٍ لربط الجانب السياسي للقضية السورية بجانبها الحقوقي و ضرورة تحقيق العدالة ، وحصر الانتهاكات بحقّ السوريين وتقديم الجناة للعدالة الدولية ، كإحدى أبرز مقومات تأمين أي بيئةٍ صحية ملائمة لعودة السوريين إلى بلدهم ، ولتكامل الصورة فقد تمّ التطرق لطرح الهيئات الأممية لمبدأ التعافي المبكر ، ومواقف الأطراف المختلفة منها ، ومقارناتها مع مفهوم إعادة البناء ، وكذلك جدوى البحث في مبدأ الخطوة بخطوة والمطروح مؤخراً ، والتجاذبات مابين هذه المبادئ المذكورة ، وتموضع هذا الخليط في سلم اهتمامات الأطراف المختلفة ، مع البحث عن الآلية المناسبة لتوظيف ملامح البيت السوري الآمن في إغناء معظم هذه المبادئ وإمكانية غرس الانطلاق الجديد ، في محاولةٍ للوصول إلى ركب مسيرة الحلّ السوري الشامل ، والمرضي للشعب السوري بمختلف ألوانه .
شاطرت الآراء بعضها بعضاً ، في إيلاء الاهتمام بالعدالة الانتقالية ومضامينها في سوريا ، مع التركيز على أنّ البعد الأهم يكمن في أنّ المسألة هي سياسية بامتيازٍ ، وتتطلّب بالتالي حلولاً سياسية جذرية ، مع البحث في أبعادها الإنسانية و تبعاتها على السوريين ، وما يسبق هذا كله هو البحث عن الأسس والشروط الواجب توفرها في سوريا كبيئةٍ تلائم عودة اللاجئين السوريين ، وتقيهم من التغييب ، وتضمن الحياة الكريمة والآمنة لهم ، مع البحث عن تلك الضمانات اللازمة في مسارٍ معروف ، أساسه الحلول السياسية ، وأهدافه مناخات آمنة وحيادية ، واجتهاداً فقد التفّ الكثيرون على التجربة البوسنية في قربها من الحالة السورية ، وآليات السير بها وإمكانية الاستفادة منها سوريا ، وذلك بعد عرضها ، وامتداداً بها نحو أوربا الوسطى والشمالية ، فقد غطّى التأمل والرغبة في أن تلعب أوربا دورها المطلوب والمغيّب نوعاً ما في الملفّ السوري ، استناداً إلى القيم الأوربية و المصالح المشتركة ، وخاصةً بعد التمازج الحاصل مؤخراً جراء موجات اللجوء ، والتقاء الطقس الأوربي بالثقافات الشرقية على أراضيها .
ما حرص عليه الأغلبية ، هو أن تعرف البيئة السورية الآمنة من قبل السوريين أنفسهم، وخاصةً ممن لازالوا في الداخل السوري ، وأن يضعوا هم خصال وشكل هذه البيئة في تعريفها ، ضمن محددات واضحة المعالم وغير قابلة للتأويل ، مما ولّد في طياته مشتركات عديدة ، وبارتياحٍ غربي واضح من هكذا أطروحات من حيث المبدأ ، وذلك بضرورة توظيف هذه المادة الدسمة الصاعدة ، في الدفع بالمسار الدولي حول سوريا والقرارات الأممية المعنية ، وإخراجها من السبات الملمّ بها ، خدمةً للسوريين والمجتمع الدولي كذلك ، تحقيقاً للاستقرار في المنطقة ككلٍّ ، مع الإجماع على إشراك السوريين وتوسيع نطاق تناوله مستقبلاً حتى إكمال أركان مضامينه ، وموجباته من النواحي السياسية والحقوقية والإنسانية المختلفة ، مؤكّدين أنّ سوريا بحاجةٍ لمشروعٍ وعقدٍ سياسي جديد ، تُطرح من خلاله حلول سياسية محكمة ، تستند على المقررات الدولية والمأساة الإنسانية ، وتحقيق العدالة سبيلاً للقاء السوريين ببلدهم سوريا .
المقال منشور في جريدة “يكيتي” العدد 304