آراءشريط آخر الأخبار

مئوية سيفر.. ملامح الصراع يتجدد في الأفق

اسماعيل رشيد
قبل مائة عام اجتمع مسؤولون فرنسيون وبريطانيون وإيطاليون في مصنع بورسلين الشهير بفرنسا لتقسيم الإمبراطورية العثمانية إثر انهيار السلطة العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى ، وتوجت بتوقيع معاهدة سيفر في 10 أغسطس 1920 من قبل دول المركز عقب هزيمتها في الحرب العالمية الأولى والتي تضمنت التخلي عن جميع الأراضي العثمانية التي يقطنها غير الناطقين باللغة التركية ، وبات حلم الأكراد بالحصول على وطن لهم قاب قوسين ، فقد نصت المعاهدة على حق الأكراد في تقرير المصير وتشكيل دولة خاصة في شرق الأناضول والموصل ، وتعد معاهدة سيفر وثيقة مهمة في تاريخ القضية الكردية وأول اعتراف رسمي دولي بحقوق الشعب الكردي حتى وصفها كمال أتاتورك بأنها بمثابة حكم الإعدام على تركيا .
وعلى ضوئها رفض القوميون في تركيا العثمانية معاهدة سيفر وشنوا حروبا” أخرجت الفرنسيين واليونانيين والإيطاليين من الأناضول وأجبرت الأوربيين على توقيع معاهدة جديدة وبشروط جديدة عرفت باسم معاهدة لوزان 1923 والتي وضعت حدود تركيا الحديثة وبذلك أغلق الستار على الطموح الكردي ، وبالرغم من مرور 100 عام على توقيع اتفاقية سيفر وحدوث تغيرات كبيرة على صعيد التحالفات وتشكيل دول فتية وتفكك دول بالإضافة إلى تجاذبات ومقاربات دولية وبسط مناطق النفوذ للدول المؤثرة ، إلا أنها تفرض إيقاعها بقوة هذه الأيام نتيجة عدم استقرار دول شرق المتوسط والصراع الملتهب حول ترسيم الحدود وخاصة البحرية منها والتي ساهمت برسمه اتفاقية سيفر .
فتركيا وعلى لسان رئيسها أردوغان يقول مثلما مزقنا معاهدة سيفر الهادفة إلى تقسيم وطننا قبل قرن سوف نحمي الوطن الأزرق بالحزم نفسه ) ، وهذا يتجسد من خلال الأزمة السورية والحضور التركي القوي كلاعب إقليمي مؤثر وتدخلها ، لا بل بسط سيطرتها على مناطق ( درع الفرات ) والشريط الحدوي للمناطق الكردية ( رأس العين- تل أبيض- عفرين ) وكذلك وجودها في منطقة أدلب ( المتنازعة ) وكذلك فان الاتفاقية التي وقعت في وقت سابق من أغسطس الجاري بين مصر واليونان حول ترسيم الحدود في البحر المتوسط ، جاء ردا” على اتفاق تركيا حول مذكرة التفاهم( الصلاحيات البحرية ) مع حكومة الوفاق الليبية في نوفمبر الماضي وهو ماترفضه أثينا والقاهرة . ومن الجزر التي فقدتها تركيا بسبب هذه الاتفاقية واتفاقية لوزان هي جزيرة كاستيلوريزو الصغيرة ، التي حصلت عليها إيطاليا ثم منحتها لليونان عام1974 رغم أنها تبعد 2كم عن الساحل التركي ونحو 500 كم عن الساحل اليوناني وتقوض هذه الجزيرة والتي تبلغ مساحتها11 كم مربع حدود تركيا في البحر المتوسط ، وهذه الجزيرة ( المعجزة ) أثارت حفيظة يونان عندما استدعت سفيري تركيا وليبيا بتفاصيل الاتفاق، وقالت : بإنه لاتوجد حدود بحرية مشتركة بين البلدين .
كما أعلنت تركيا مؤخرا” عن عودة التنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط ، وبحسب مايكل روبين الكاتب بمجلة ( ناشيونال إنترست ) فأن فرص اندلاع حرب بين تركيا واليونان أعلى من أي وقت منذ الصراع التركي- القبرصي عام 1974 وذلك بسبب الخلاف حول ترسيم الحدود البحرية ورغبة تركيا لإلغاء معاهدة لوزان واستعادة بعض أراضي الإمبراطورية العثمانية خارج حدود تركيا الحالية .
وأخيرا…
بعد مئة عام على معاهدة سيفر لايزال حلم التركة العثمانية يتنامى لإستعادة إمبراطوريتها والدخول في صراعات إقليمية- دولية لتشكيل الشرق الأوسط الحديث عبر تحالفات ومقايضات لمفاتيح عدة تتحكم بها ، ناهيك عن ضعف وهشاشة تعاطي المجتمع الدولي مع قضايا الشعوب ومنها شعبنا الكردي الذي يعاني من تمزيق الجغرافيا نتيجة الاتفاقات الدولية المشؤومة وتقاطع مصالح الدول .
منشور في جريدة يكيتي – العدد 277

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى