آراء

ماذا وراء الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.؟. …..

فؤاد عليكو

لم يكن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان كما يتصوّره البعض، واعتباره بمثابة هزيمةٍ كبيرة كالتي حصلت لأمريكا في حربها في فيتنام في منتصف سبعينات القرن المنصرم ، لكنّ الحقيقة تقول عكس ذلك، فالانسحاب جاء نتيجة مفاوضات بين الطرفين منذ 2019 في قطر، وغلبت على الموقف الأمريكي لغة المصالح، حين أدركت مؤخراً بأنّ بقاء قواتها في أفغانستان لايجلب لها الفائدة المرجوة، من حيث تحكمها في منطقةٍ شديدة الحساسية ، ووقوعها في قلب الجغرافيا المعقدة، من حيث التنوع السكاني القومي والديني من جهة، ومن جهةٍ أخرى صعوبة التضاريس الجغرافية التي تحول دون حدوث أيّ استقرارٍ بعيداً عن رغبة أهلها، إضافةً إلى شعورها بأنّ هذا الاستقرار الذي توفّره بالقوة تعود بالفائدة على جيران أفغانستان، خاصةً إيران وروسيا أكثر مما تستفيد منه أمريكا، كما أنّ هذه الدول تستغلّ وجود أمريكا في أفغانستان في خلق المزيد من المشاكل لها من خلال دعمها لحركة طالبان بالوسائل العسكرية اللازمة في استمرارية غرق أمريكا في المستنقع الأفغاني، لذلك قرّرت أمريكا الانسحاب من هذا المستنقع وتحويله إلى مستنقعٍ يغرق فيه جيران أفغانستان وتحديداً إيران وروسيا، لذلك تركّزت المفاوضات مع طالبان ليس على انسحابها وإنما على تقديم ضمانات عدم تهديدها وتهديد حلفائها الأوربيين مستقبلاً ،كما حصل لها في بداية الألفية الجديدة حين هاجمت برج التجارة العالمية 2001 باستخدام الطيران المدني عبر حليفها منظمة القاعدة بقيادة أسامة بن لادن، وحين تأمّن لها ذلك من خلال التفاوض قرّرت الانسحاب ، وترك مصير أفغانستان لسيطرة طالبان ، وما قد يتسبّب من هذا الانسحاب من سيطرة طالبان على الوضع من حصول اضطرابات على حدود الجوار وتحديداً روسيا وإيران والصين.كما تفاهمت مع تركيا لحماية العاصمة عسكرياً وإدارة الملف الأفغاني نيابةً عنها ، وهذا ما سيعزّز موقف تركيا تجاه روسيا وإيران، ليس في ملف أفغانستان فحسب، بل في ملفات أخرى، وتحديداً الملف السوري.

وبالفعل بدأت هذه الدول تشعر بالخطر القادم بعد الانسحاب الامريكي، وبدأت كلّ دولةٍ تعيد النظر في حساباتها في التعامل مع الوضع الجديد، وما قد ينجم عن ذلك.،وإذا كانت باكستان مطمئنة على نفسها نتيجة العلاقات القديمة من جهة والتماثل في الحالة الدينية والقومية والقبلية من جهةٍ أخرى ، فإنّ روسيا تشعر بأنّ الاضطرابات قد تطال الدول الحليفة لها والواقعة على حدود أفغانستان ، كتركستان وطاجيكستان وأوزبكستان والذين لهم أرومات قومية ودينية بينهم وبين الأفغانيين ومن الممكن جداً استغلال طالبان ذلك في خلق الاضطرابات في هذه الدول، لذلك بادرت بالتواصل المباشر مع طالبان ودعتهم إلى عقد لقاءٍ في موسكو بينهم وبين الحكومة الحالية، بغية التوصل إلى تفاهمٍ بين الطرفين،إضافةً ألى استعدادها تقديم الكثير من المغريات العسكرية والاقتصادية للشعب الأفغاني، كما أنّ الصين شعرت بالخطر أيضاً خوفاً من أن تقوم طالبان بدعم المسلمين في الأقاليم المسلمة المضطربة أصلاً، لذلك أعلنت التعامل الإيجابي مع طالبان وبناء علاقاتٍ اقتصادية متميزة مع أفغانستان للنهوض باقتصادها المتهالك، أما إيران فلا يوجد لديها شيء تقدّمه لطالبان،ناهيك عن وجود خلافٍ مذهبي تاريخي كبير بين الطرفين، لذلك تشعر بأنّ الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وسيطرة طالبان على الوضع سيخلق لها الكثير من المتاعب مستقبلاً، وزاد هذا الشعور بالخطر حين تناولت الأخبار بأنّ رئيس الاستخبارات الإيرانية التقت بالمليشيات العراقية ،وطلبت منهم عدم التعرض للقوات الأمريكية في العراق لأنّ وضعاً جديداً سيُخلَق في أفغانستان، ويجب التحضير له ، وأنّ إيران غير مهيّأة على التعامل مع عدة جبهاتٍ في آنٍ واحد، خاصةً إذا ما تمّ دعم أمريكا لطالبان ، ودفعها إلى التصادم مع إيران، وهذا الاحتمال وارد على ضوء الاستراتيجية الأمريكية الجديدة والقاضية بالاعتماد على القوى المحلية في مواجهة خصومها الذين لاينسجمون مع سياستها العامة في المناطق التي تعاني أزمات واضطرابات ، والذين يخلقون المشاكل لها ولأصدقائها وخاصةً إيران، كما هو حاصل الأن في سوريا والعراق ولبنان واليمن ، وانسجاماً مع هذه السياسة فقد انسحب قسم كبير من قواتها من العراق تدريجياً مع الإبقاء على عددٍ من الخبراء العسكريين لمساعدة الجيش العراقي في مواجهة داعش والمليشيات الإيرانية، وقد ينسحب الأمر في سوريا أيضاً، إذا ما تأمّن جهة دولية أو محلية في تأمين عدم عودة داعش وعدم تهديد أمن إسرائيل من الخطر الإيراني ومليشياتها، وهناك حوارٌ غير معلَن بين روسيا وأمريكا حول الملف السوري وكذلك بين أمريكا وتركيا أيضاً ، وإذا ما تحقّق لها ذلك ،أي الشرطين الأساسيين (داعش،وأمن إسرائيل)، سواءً مع هذا الطرف أو ذاك ؛ فإنها ستنسحب من سوريا بهدوء ودون ضجة تذكر ،وترك مصير سوريا لروسيا والقوى الإقليمية الحليفة وخاصةً تركيا لتقرير مصيرها.

الخلاصة أنّ الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط لا تهدف إلى خلق الاستقرار في المنطقة، بل إلى المزيد من التعقيد والاضطرابات، وينسجم هذا الموقف مع نظرية الفوضى الخلّاقة التي أطلقتها وزيرة خارجية امريكا الأسبق كونداليزا رايس 2005 والذي كان الهدف الأساسي منها إعادة النظر بالخارطة الجيوسياسية للشرق الأوسط من جديد.

والسؤال الذي يتبادر الى الذهن : أين نحن الكُرد من كلّ هذه المعادلات الإقليمية والدولية المعقدة ؟ فإنني أعتقد بأنّ الكُرد في إقليم كُردستان ضمن المعادلة الأمريكية ، وسيتركّز العمل معهم في زيادة التنسيق مع الجيش العراقي في مواجهة التحديات العراقية إيران ومليشياتها وداعش، وقد يدخل كُرد إيران ضمن المعادلة مستقبلاً بغية إضعاف إيران، أما البقية وأقصد كُرد سوريا وتركيا فهم خارج الاهتمامات الأمريكية إلّا فيما يتعلّق بملف حقوق الإنسان ، مع المطالبة الخجولة بتحقيق نوعٍ من الحقوق لهم في إطار الحلول المستقبلية وخاصةً في سوريا.

المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد 288

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى