مجزرة شنكال: وليمة الدم الإيزيدية..!
إبراهيم اليوسف
ديانة لاطائفة مهددة بالانقراض
ضمن حملات الجينوسايد التي تستهدف الكرد: داعش يبيع نساء إيزيديات في أسواق النخاسة
حبيبي كان ضيفاً عندنا
ربطت محبسي على خصلات شعره
وهو جالس على سجادة خراسانية
نظرت إليه بعيون عاشقة
من أجل خصلة في شعره
سأفديه بيدي و عيوني
وإذا لم يكن حبيبي راضياً
سأفديه بقلبي
حبيبي جالس في ديوان أبي
إنه الفارس الإيزيدي الأكثروسامة
عيناي تبعثان إليه برسائل حب
لكنه يتمنى قبلة مني
لماذا لم أهده قبلة؟
إن الحياة قصيرة وفانية!
من استانبول جاء الفرمان
يقضي إبادتنا تحت راية الإسلام
أخذوا حبيبي مني
لقد كان شاباً, افتقده كثيراً
آه يا عيوني – سوف لن تراه أبداً
حبي الجميل بقي هناك في البئر
من صدرها كان ينبعث القرنفل
ليتني أخذت من شفتيها قبلة
وبعدها, فليرسلوني إلى سيبيريا
من أغنية كردية نقلها موريتس فاغنرعن مخطوط للمؤرخ أوتوفيغاند، ترجمة موال بشار
دوت، هادرة، صرخة الاستغاثة التي أطلقتها النائبة الإيزيدية فيان خليل، تحت قبة مجلس النواب العراقي، بعيد مرورأيام-فحسب- على الحملة الدموية الظلامية الشرسة،و المسعورة على إيزيديي منطقة” شنكال/سنجار” في كردستان العراق، في أربعة جهات العالم، وليس بين أربعة جدران قاعة هذا البرلمان وحده، بعد أن أجهشت بالعويل، على مرأى شبكات التلفزة ووسائل الإعلام، لتستبكي كثيرين من حولها في هذا المكان، مسلمين، ومسيحيين، كرداً، وعرباً، سنة، وشيعة وغيرهم، على حد سواء، كما ستستبكي الملايين من الإيزيديين، والكرد، وغيرالكرد، وكأنها قد أصبحت خنساء الإيزيدية،حقاً، من خلال لغتها العربية، البليغة، ونطقها السليم، وخطابها المؤثرالشجي، ومنطقها، السلس، بل من خلال ثقتها بنفسها، وإن كانت كلماتها المكثفة، تبللت بدموع روحها، بعد أن أغرورقت عيناها بالعبرات، واشتعل وطيس الألم في صدرها، وهي تقول:نذبح تحت يافطة لا إله إلا الله، أهلي يذبحون، انقذونا..!”، وقد تناقلت فضائيات كثيرة، وبلغات كثيرة، في العالم نداءها الإنساني، وتسارع المدونون على توثيقه وترجمته، ونشره، وإعادة بثه عبراليوتيوب، ويقال أن الرئيس الأمريكي نفسه أبدى عن ألمه وأسفه وهويتلقى هذه المناشدة المؤثرة.
وحقيقة، باتت كلمة”اليزيدية” أو” اليزيدي” تطرحان-فجأة- عبر وسائل الإعلام، بعد أن كانتا مغيبتين، مهمشتين، أو تترددان، باستحياء، على ألسنة بعضهم، وعلى نحوسياحي، أوكرفع عتب لا أكثر، حتى ولوفي إطار الحديث عن تعرض الإيزيديين، لأول مرة في ريف منطقة”سري كانيي” الكردية، المعربة إلى رأس العين، قبل حوالي أكثر من سنتين، بعد هجمات بعض الجماعات التكفيرية عليها. غير أن الأمر رغم بيانات منظمات حقوق الإنسان، لم يلق الاهتمام اللازم، إلا مع إقدام ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام- داعش، وبعد مرورقرن كامل، على الحرب الكونية الأولى”1914-1918″ على ارتكاب أعظم مجزرة في تاريخ اليزيديين، بل وثاني مجزرة من حيث هولها، وفداحتها، منذ سقوط بغداد2003 وحتى الآن، عبر الغزوة الإرهابية النكراء، على منطقة شنكال/ سنجار التي يقطن فيها حوالي أربعمئة ألف إيزيدي إلى جانب غيرهم من المكونات التي يتم الحديث عن مشاركة بعضهم فيها، وكان ضحيتها كما جاء في الإعلان الأول عنها بضع عشرات من الشباب الذين تم إعدامهم ميدانياً، والقيام بسبي مئات النساء الكرديات الإيزيديات، وتم الحديث عن قيام أمراء داعش بالزواج من بعضهن، وعرض الأخريات للبيع، في أسواق النخاسة، وهو يعني استرداداً لتاريخ الرق في دولة الخلافة المزعومة، فقد شهدت مدينتا: الموصل، والرقة، عمليات بيعهن، بحسب بعض وكالات الأنباء……..!
و لقد جاءت استجابة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، على جناح السرعة، من خلال الموافقة على توجيه ضربات جزئية ضد تنظيم داعش في الوقت الذي يخوض فيه جيش البيشمركة الكردي، أشرس معركة ضد هؤلاء الغزاة الإرهابيين، وكان موقفه مفاجئاً لكثيرين، بعد كل ما سجل عليه، من برود أعصاب، إزاء ما حدث في المجزرة السورية المفتوحة، والتي يرى المراقبون أن صمت أمريكا، والأسرة الدولية، وغض نظرهم عما يرتكب فيها من أهوال منذ أكثر من أربعين شهراً من بدء الثورة السورية وحتى الآن، كان وراء ازدياد قوة تنظيم داعش، بل والإرهاب، وانتقاله إلى الطرف الآخر، أي العراق، وكانت فاتحة ذلك غزو الموصل، في مسرحية” هزلية” ومن ثم التوغل صوب المناطق الكردية، إذ حاول هذا التنظيم الإرهابي حاول أن يجعل من سنجار أو”شنكال” كما يطلق عليها سكانها الكرد التسمية مفتاحاً إلى كردستان، لوضع أيديهم على منابع النفط الكبرى في” كركوك” التي قال عنها الملا مصطفى البرزاني إنها”قلب كردستان”، بعدأن احتلوا حقول منطقة” زمار” و”سد الموصل” الذي يهدد داعش بتفجيره، وهوما ينذربكارثة إنسانية، ناهيك عن أنه سيؤدي إلى شلل الحياة في مدن كثيرة، منها بغداد، وإغراقها، لاسيما أن ذلك سيؤدي إلى قطع الكهرباء…! .
وقد عمد بعض الدارسين-وإلى وقت طويل- اعتبار الإيزيديين طائفة إسلامية مرتدة، وهذه النظرة لما تزل مهيمنة عبر وسائل الإعلام التي ترفض الاعتراف بهم ك” دين”، فقد تناول أصول ديانتهم، ونشأتها، كثير من العلماء والباحثين العرب والمسلمين، ومن هؤلاء: صديق الدملوجي-أحمد تيمور- سعيد الديوجي- عبدالرزاق الحسني- زهيركاظم عبود إلخ – كما كتب عدد من الباحثين اليزيديين عن ديانتهم، من خلال وجهات نظر متعددة، ومنهم : حسن شميساني- خليل جندي- هوشنك درويش، وكان لي شرف كتابة مقدمة هذا الكتاب الأخير، والمراجعة اللغوية لكتاب آخر ترجمه دخيل شمو، بالإضافة إلى عدد من المستشرقين: قديماً، وحديثاً.
وكلمة”إيزيدي” مشتقة من” أز-دا” أي من خلقني أومن أوجدني”من أعطاني”، وتعني ال” أزدا” باللغة السومرية سالك الطريق المستقيم، وقد تمت تسميتهم ب” الأزداهيين” وهناك من نسبهم إلى يزيد بن معاوية أوغيره، بل يخلط بعضهم بين الشيخ” آدي” والشيخ الأموي عدي بن مسافر” 467 هـ 1075 مـ – 557 هـ 1162 مـ”الذي لجأ إلى مناطقهم، لأسباب سياسية، وأثرفي معتقدهم إلى حد بعيد، وهي قراءات غيردقيقة، انطلق أكثرها من بعض الملامح الإسلامية التي ظهرت في اليزيدية، إحدى أقدم ديانات الشرق، بل هي الديانة الكردية الأولى، ووجهة النظر هذه تنسى أن هناك ملامح زردشتية، أو يهودية، أومسيحية، أيضاً، ظهرت في هذه الديانة، نتيجة عوامل كثيرة، بعد أن تم استهداف اليزيديين عبر حملات تطهيرية، فتاكة، ضارية، بهدف إبادتهم، أو إدخالهم حظيرة الدين الإسلامي، بيد أنهم رغم كل ما تعرضوا له، فقد جاؤوا إلى الجبال- ولا أصدقاء للكرد سوى الجبال- كما هو عنوان الكتاب الذي ترجمه راج آل محمد لكل من” هارفي موريس و جون بلوج ،ليحافظوا على ديانتهم، وحيواتهم.
يتوزع الإيزيديون بين عدد من المراتب الدينية أعلاها:الأميروالبابا شيخ، والشيخ والمريد والبير والقوالون، بحيث أن الزواج يتم ضمن الطبقة الواحدة، وإن كان قد تم اختراقه، وهومادعاني في دراسة عنهم للتحدث عن” متوالية الانقراض” بمعنى أن في هذه التراتبية الدينية ما ينذربخطورة على مستقبل الإيزيديين، لأن الزواج ليس-مفتوحاً- وللإيزيدي علامته سيماؤه الخاص، وعلاماته الفارقة، إذ أنه يترك شاربيه دون أن يحلقهما-طوال عمره- ويعد حلاقتهما ممنوعة، كما أنه يوسع فترة طوق ثوبه، وهومايسمى ب” طوق إيزيد” كما أن هناك تفاصيل أخرى تميزهم جميعاً، وتميز مراتب رجال الدين-الوراثية-كما في فئة الأمراء والشيوخ.
جغرافيا الإيزيديين
نزيف أزلي:
الإيزيديون هم الكرد الأقحاح، فقد حافظوا عبرآلاف السنين، على لغتهم، وتراثهم، وفلكلورهم بل صانوها من عوامل المحوفي وجه حملات الإجهاز عليها، بل على وجودهم، رغم كل ماتعرضوا له عبرالتاريخ، فهم موزعون في أجزاء كردستان التي تم تقسيمها، بموجب اتفاقية سايكس بيكو1916، ولايمكن إحصاء أعداد اليزيديين، بدقة، سواء أكان ذلك فيما يتعلق بمن هم في كردستان، أومن هم خارجها.كما فيما يتعلق بمواطنهم في دول الاتحاد السوفييتي سابقاً، وفي المهاجر، إذ تبلغ أعدادهم في العراق وحده، حوالي مليون وثلاثمئة ألف نسمة، منهم أربعمئة ألف في منطقة سنجار، كما تبلغ أعدادهم في سوريا حوالي مئة وخمسين ألفاً، بينما تبلغ أعدادهم في تركيا حوالي مئة ألف، وتقدر أعدادهم في دول الاتحاد السوفياتي السابق بحوالي أربعمئة ألف نسمة، ولهم حضورهم السياسي المميز، بينما يتم الحديث عن تذويب اليزيديين في إيران التي تحتل جزءاً من كردستان، أو عودتهم فيها إلى الزردشتية التي يخلط بعضهم بينها واليزيدية، حيث بينهما نقاط التقاء واختلاف، وحقيقة. فإن سبب عدم إمكان حصر أعدادهم في أجزاء كردستان، يعود إلى عامل الهجرة التي ابتلعتهم، عن بكرة جبلهم، وسهولهم، وديانتهم، ولغتهم، وتقاليدهم، حيث يقطن مئات الآلاف منهم في الدول الأوربية والإسكندنافية وفي أمريكا، وإن كانت ألمانيا هي الحضن الأكثر استقطاباً لهم. وإذا كانت عامة اليزيديين قد رأت في الهجرة امتيازاً لهم، إلا أن-المحرر- كتب عن هذه الهجرة واصفاً إياها بأنها مجزرتهم المفتوحة الأكثر هولاً، وفداحة، لأنها حققت ما لم تحققه المجازر المرتكبة ضدهم في التاريخ طراًَ.
و إذا كان هناك من يتحدث عن”الانغلاق” الإيزيديين، فإن وراء تصنيفهم-وللحقيقة- إلى ديانة تنعت بأنها باطنية، بل و يتم نعتهم بأنهم منغلقون على طقوسهم الدينية، أسباب ريبتهم، وتوجسهم، الدائمين، إزاء سواهم، تعود إلى ردود فعلهم تجاه ما تعرضوا على أيدي محيطهم، بيد أن تاريخهم ليشهد انفتاحهم الاجتماعي على جيرانهم، ليس من لدن أهلهم الكرد-فحسب- وإنما من قبل العرب، والمسيحيين، وحتى بقايااليهود الذين طالما احتضنتهم كردستان، ومن بينهم يهود كرد، كما يوجد مسيحيون كرد، لتتميزالكردية بأنها فضاء الدينات الأربع على حد سواء، ولطالما تعاضد الإيزيديون، في وجه من اعتدوا عليهم، وجيرانهم، من دون أن يترددوا في مشاركتهم في أفراحهم، و أتراحهم، على حد سواء.
فرمانات:
تثيركلمة” فرمان” حفيظة الإيزيدي، كما الشعب الكردي برمته، وهي كلمة كردية ترجمتها تعني ” القرار”. وقد تكرس “المصطلح” في ظل الحكم العثماني لاسيما في القرنين السابع عشر والثامن عشر. حيث تشير الدراسات التاريخية، لاسيما تلك التي أعدها كتاب إيزيدون إلى عدد من المجازرالتي ارتكبت بحق الإيزيديين، وتعد كلمة”فريق” بمثابة شتيمة يتوجس منها الإيزيدي، لأن أحد من قام بارتكاب المجازربحقهم هو ضابط عثماني برتبة”فريق” ومن هذه المجازر التي لم تدون من قبلهم، بل تناولتها أغنياتهم الملحمية والتراثية الشجية التي لاتعدم حتى أغنيات الوجد والهيام، هي: حملة حسن باشا (1715 م)، و حملة أحمد باشا (1733 م)، وحملة سليمان باشا (1752 م)، وحملات نادر شاه (1732 ـ 1743 م)، وحملة علي باشا (1802 م)، وحملة سليمان باشا الصغير (1809 م)، وحملة إينجه بيرقدار (1835 م)، وحملة رشيد باشا (1836 م)، وحملة حافظ باشا (1837 م)، وحملة محمد شريف باشا (1844-1845 م)، وحملة محمد باشا كريدلي اوغلو (1845- 1846 م)، وحملة طيار باشا (1846-1847 م)، وحملة أيوب بك (1891 م)، وحملة الفريق عمر وهبي باشا (1892 م)، وحملة بكر باشا (1894 م)، وحملة محمد باشا السوراني المعروف ب”ميري كوره” (1832- 1834 م)، وحملة بدرخان بك (1844 م). والحملة التي تمت في فترة الحرب العالمية الأولى ضد الأرمن والإيزيديين مابين عامي”1914-1918″ .
أجل،ذاكرة الإيزيدي التي تتوازى معها رائحة دماء الآباء والجدود، أو تختلط معها، تشرش فيها، عميقاً، عبراثنتين وسبعين مجزرة، يستظهر رقمها، ضمن طقوسه الخاصة، حيث ملتقى الأمل والألم، وهو المقدم على الحياة بكل أريحيته، إذ يعلق آلة الطنبور في بيته، لا تثنيه عن أداء صلواته اليومية، مولياً وجهه صوب الشمس، يروي عبرها أغاني الملاحم التي خاضها الأبطال من أهله، في وجه حملات الإبادة، باسم الإسلام، ليبقى عصياً عليها، يحتفظ بكتابيه المقدسين: المصحف الأسود والجلوة، اللذين تضاربت الآراء في عمريهما، وإن بات الأخير منهما ينسب إلى الشيخ حسن، ابن أخي الشيخ عدي، بعيداً عن الأغيار، يستظهرهما رجال الدين بمراتبهم المتعددة. المأساة لديه صنو الملهاة، كيف لا و هو لا يفتأ يردد أسماء القبائل والعشائر الكردية، قائلاً:”هؤلاء أبناء عمومتنا، أو هؤلاء كانوا إيزيديين حتى العام الفلاني، بيد أنهم أسلموا بحد السيف، بعد أن أضيفوا رقماً جديداً إلى سجل” الفتوحات الإسلامية” عنوة، رغماً عنهم، مكرهين، فهم لا يبالون بمن فعل ذلك طوعاً، وإن كانوا لا يقبلون بيزدنة أحد، من أبناء الديانات الأخرى، احتراماً، وهي سمة تميزهم.
وقد اعتبرت- شخصياً- في مقالات لي عن الإيزيدية، أن المجزرة الثالثة والسبعين التي تضاف إلى سلسلة المجازر التي تعرضوا لها، هي هجرتهم التي تمت بسبب التضييق عليهم من قبل حزب البعث العربي الاشتراكي، بجناحيه السوري والعراقي، حيث أن جرَّافات صدام حسين اكتسحت سكناهم السنجارية، لتنقلهم عنوة إلى مناطق أخرى، ضمن حملاته التعريبية، هذه الحملات التي راحت تسعى لتكريس ثقافة “عروبة” أصل الإيزيديين، بل راح من وراءها يستميلون بعضهم في إطار اجتثاث جذورهم، معربين أسماء أمكنتهم، تماماً، كما فعل جناح البعث السوري الذي استلب أملاكهم، وأراضيهم، في إطار لعبة التغيير الديمغرافي ذاتها التي دعا إليها ضابط المخابرات السوري محمد طلب هلال رئيس شعبة الأمن السياسي في أواخر خمسينيات القرن الماضي، مؤلف كراسة”عن محافظة الجزيرة من النواحي القومية، الإجتماعية، السياسية”.
لم يظل عدم الاعتراف بالإيزيدي رهن التنكر لديانته، ومنع أبنائه من تعلمها، بل وعدم الاعتراف بها في”قانون الأحوال الشخصية” و هو يعني اعتباره”مسلماً” مرتداً، أي: مشروع”قتيل” بل ومشروع”كافر” بلغة التكفيريين، وهي نفسها الثقافة التي مارسها العثمانيون-بدافع الدين- و وواصلها شوفينيو البعث بدافع التعريب، والدين، ونما من مستنقعها هذا الطحلب السرطاني الداعشي الذي يسعى إلى اجتثاث هؤلاء اليزيديين من جذورهم، بل هو مامورس بحق اللغة والثقافة الكردية من قبل الدول المغتصبة لكردستان، عبرعقود. لكن المجزرة الثالثة والسبعين لم تتأخر، حيث أن تنظيم-القاعدة- قام بالتفجيرالإرهابي المعروف في منطقة سنجارالعام 2007، والذي راح ضحيته المئات من اليزيديين، وعده المطلعون الثاني من نوعه، منذ أحداث 11 سبتمبر2011، وحتى لحظة وقوع المجزرة.
الأحد الأسود
والمجزرة الرابعة والسبعون:
طالما عرف الإيزيدي، بأنه مسالم، نبيل، كريم، شهم، محب للخير، ينبذ الظلم، والحقد والكراهية، شجاع، أبي إباء جبال وطنه، نقي نقاوة نسيم هذه الجبال، شفاف الروح-إلا في ما يتعلق بأسرار ديانته- شفافية سهول كردستان المعطاء، بل وربيعها الذي يعد مقدساً لديه، لأنه يحضن نوروزه، محب لوطنه، مضح من أجله، لا يقبل الخنوع، ولا الذل، محب للغته التي واجه من أجلها حملات التعريب والتتريك، بيدأنه يكاد يفشل في ذلك في مهاجره الأوربية، لا يتدخل في شؤون غيره، لا من حيث الرؤية، ولا العقيدة، ولا الدين، لأنه أكثر من تجرع من مرارة مثل هذا التميز، يفتح أبوابه لاستقبال غيرالإيزيديين، ليس في أعياده غيرالمعترف بها، لا في سوريا، ولا في العراق، ومنها: رأس السنة الكردية الذي وصل إلى العام2713 سنة، و” الأربعاء الأحمر- عيد إيزيدي-وعيد الجماعية- وعيد باتزمي إلخ، بالإضافة إلى عيد نوروز القومي الذي يصادف الحادي والعشرين من آذار، ولم ينقطع الإيزيديون عن الاحتفال به، في أخطر الظروف التاريخية التي مروا بها، وكفره الكثيرون من رجال الدين الإسلامي…!
لم تكن هناك أية مؤشرات بأن يقوم تنظيم داعش بغزو منطقة-سنجار- بهذه الضراوة، لاسيما أنه لم يتعامل مع المدنيين، ولا المسيحيين في الرقة والموصل بهذه الضراوة الأكثروحشية، حيث تعد سنجار ضمن المناطق الكردية التي تسمى ب” المتنازع عليها” والتي لما تبسط قوات البيشمركة سلطتها عليها، إلا للتو،وبشكل جزئي نتيجة الخلاف مع حكومة المركز الذي ناوأ وجوده فيها كلها، ماجعله يجد-نقطة خلل هشة من خلال هذا المكان- إذ نسب إلى رئيس حكومتها “نوري المالكي” المخلوع، وفق قرار من رئيس العراق الكردي البروفسيورفؤاد معصوم، قبل أيام، بتكليف بديل آخر عنه، لتشكيل الحكومة، المقبلة ، بعد أن عاث جوراً على بلده، ومارس حالة حصار اقتصادية، على إقليم كردستان، منذ حوالي عام كامل، نسب إليه أنه سعى-دولياً- لمنع تسليح البيشمركة، ومنع التصرف بالبترول المستخرج من مناطق الكرد، ولابد من أن تكشف الأيام تورطه في احتضان داعش، واستقدامه، ومؤازرته، والتواطؤ معه، لاسيما أن أداءه رغم تصريحات رفع العتب، منذ سقوط الموصل وحتى الآن يؤكد ذلك. وأن ما حصل في فجرالثاني من آب الجاري، يدخل ضمن هذا المخطط، بعد أن أرسل هذا التنظيم الدموي بضع شاحنات نفطية،مفخخة، فجرها في مدينة سنجار، لمباغتة أهل المكان، المدنيين، العزل، بكل وحشية وبربرية، وهو عمل إرهابي في منتهى الإجرام، وجد كارثي، وجد أليم، بغرض ترويع السكان، ليستغلوا هذه الحالة الفظيعة، ويدخلوا المدينة، والمنطقة، بعد أن نكلوا بكل من التقوهم، مرتكبين الأهوال التي يشيب له الولدان، ناهيك عمن سقط من قوات البيشمركة التي لم تتوقع هذه الجريمة الشنعاء البتة، وكانت تحمل الأسلحة البسيطة، مقارنة بأسلحة داعش،لأنها-في الأصل- معنية بأمن المنطقة،وليست لديها الأسلحة المتطورة، إذ قامت بالدفاع عن المنطقة، ومرافقة اللائذين منهم إلى رؤوس الجبال، بل وإلى المناطق الآمنة، سواء أكانت ضمن إقليم كردستان، أو في المدن الكردية في سوريا بعد أن باغت مسلحو داعش الأهالي بدخول منطقة سنجار،قرى، ومدينة،وقصبات، و تنفيذهم الدنيء واللاإنساني، لحفلهم الدموي بإعدام سبعة وستين شاباً إيزيدياً، كقرابين افتتاحية أولى،لترويع الأهالي، كما يفعلون ذلك-عادة- ضمن حربهم السايكولوجية- الموازية المكملة لآلة إرهابهم، لذعر الناس، وهوما يدل على سبق تدريبهم لدى المختصين كفرع قاعدي أشد خطورة ولؤماً. ويؤكد ا الشاعرالإيزيدي سرحان عيسى الناطق الرسمي لمجلس إيزيديي سوريا أن” ما بين سبعمئة وألف امرأة وفتاة إيزيدية تم خطفهن”، كما تم اعتقال مئات الرجال الإيزيديين، في المقابل، بل و تم نحرالأطفال الصغار، والتمثيل بالجثث، وجزالرؤوس، واغتصاب الحرائر أمام أعين أهليهن، ما أدى إلى أن تقدم حوالي خمسين فتاة وامرأة منهن على الانتحار، قبل أن يقعن فريسة، بين أيدي هؤلاء الوحوش اللاآدمية.
وقد روى ى المهندس محمد شياع السوداني وزير حقوق الإنسان العراقي-بحسب رويترز- أن مسلحي داعش قتلوا ما يزيد عن خمسمئة إيزيدي وسبوا نساءهم، وقال: لدينا أدلة قاطعة حصلنا عليها من الإيزيديين الناجين من الموت، وكذلك بالاعتماد على صور مواقع الجرائم المرتكبة أن هؤلاء المسلحين دفنوا بعض الضحايا وهم أحياء في مقابر جماعية، بمن فيهم عدد من الأطفال والنساء، بدعوى أنهم- عبدة إبليس- هكذا، رغم أن الكرد المسلمين-أيضاً- لم ينجوا من هذه المجزرة، وأن هناك حوالي ثلاثمئة أسرة إيزيدية تم أسرهم، وأعطيت لهم مهلة ليشهروا إسلامهم، أو أن يتعرضوا للقتل، وقد انتهت المهلة المذكورة من دون أن يعرف أحد أي شيء عن مصيرهم الذي ظل حتى الآن مجهولاً.
وإذا كان حوالي عشرات الآلاف من الإيزيديين قد نجوا من المجزرة، وتوجهوا إلى المدن والبلدات والقرى الكردية في سوريا والعراق، فإن هناك حوالي ثلاثين ألف إيزيدي-أيضاً- لا يزالون عالقين في الجبال العالية، ومن بينهم الشيوخ، والأطفال، والنساء، والجرحى، بل من بينهم من قضى نحبه، نتيجة الحصار، باعتبارهم دون مياه الشرب، ومن دون الطعام، ومن دون الأدوية، بل يعيشون مع جثث موتاهم، المتعفنة، في ظروف بالغة الصعوبة، في هذه الأيام القائظة، بالغة الحرارة في كردستان، حيث تكاد درجات الحرارة تصل إلى الخمسين مئوية في بعض المخابىء والكهوف، وهناك من أكد موت شخص واحد من بينهم كل ربع ساعة. …!.
قلق الإيزيديين
قلق العالم:
منذ أول صدمة لنبأ الخبرالأليم، عن المجزرة التي حلت بالإيزيديين، فإن أبناء هذه الديانة لم يناموا، ليس فقط من ينتمي منهم إلى سنجار، أوكردستان العراق، بل من ينتمون إلى أجزاء كردستان الأخرى،كلها، سواء أكانوا داخل أوطانهم، أوفي المهاجر، ويروى أن منهم من لم ينم منذ أيام، ناهيك عن أهلهم الكرد بملايينهم الأربعين، ومنهم من يواصل تظاهراته في العواصم الأوربية، وهو ليس حال الإيزيديين-فقط- بل حال أهلهم الكرد-جميعاً- إذ أن رئيسة مجلس إيزيديي سوريا مزكين يوسف، لما تهدأ منذ سماعها بالنبأ الصاعق، كما غيرها من وجوه الإيزيدية التي تداعى ثلاثمئة منهم إلى اجتماع طارىء للإجابة على السؤال” ما العمل؟” وكيف يمكن إنقاذ من يمكن إنقاذهم؟” أو” كيف يمكن إنقاذ إنقاذه لاسيما أن بعض أضرحة شيوخهم تم تفجيرها، وأن مكان حجهم”لالش” مهدد بالتدمير إلخ . و أن زحف داعش تجاه أربيل-هوليرالعاصمة، يؤكد أن هناك مشروعاً لإبادة الكرد، كما كان يؤسس لذلك بعضهم ممن ألبوا على الكرد، وشوهوا صورتهم في الثقافتين العربية والإسلامية، ما جعل تنظيم داعش يؤكد أن استهداف قوات البيشمركة والحماية الشعبية، على رأس أجنداتهم.
وعلى عادة الشعب الكردي، فإن المحن ترأب أي صدع بين المختلفين من بينهم، فقد تدفق الغيارى الكردستانيون، من أجزاء كردستان كلها،صوب منطقة شنكال، بل صوب إقليم كردستان، يحاربون غزاة داعش الدمويين، وهوماجعل الأنظارتتطلع-حقيقة- إلى كردستان، كي تكون مقبرة لهؤلاء المجرمين.
إرادة فولاذية
مصيرغامض:
إذا كان من السهولة، أن تباد أية أقلية عرقية، أو دينية، أو طائفية، في العهود الغابرة، فإن تكرار ذلك، ونحن الآن في الألفية الثالثة، وفي الزمن الذي ترتفع فيه أصوات حقوق الإنسان، بل والأصوات المتنادية بالحفاظ على الشعوب الأصلية من الانقراض، والتي مرَّ اليوم العالمي لها قبل أيام-فقط- لا يأتي كتحد لهذه الشعوب، بل يأتي كتحد للرباط الواهي بين الأسرة الدولية، برمتها، هذا الربط الذي تقطع في المستنقع السوري، الذي استقوى فيه الإرهاب، على أقوى نحوأشد، ومضاعف، منذ تاريخ نشأته الحديث. ويبدو أن هذا- تحديداً-ما أخرج الرئيس الأمريكي من قرارة صمته إزاء ما يجري في منطقة الشرق الأوسط، بل وكان وراء تحرك عدد من الدول الأوربية”رغم تذمر واعتراض بعض الحكومات على القصف الأمريكي الجزئي وبالأهداف لمواقع داعش” فقد استقبلت عاصمة الإقليم ” أربيل/هولير” السيد لوران فابيوس وزير خارجية فرنسا التي تربطها هي الأخرى بعلاقات وثيقة مع الكرد، وكانت دانيال ميتيران1924-2011 زوجة الرئيس الفرنسي الأسبق الراحل فرانسوا ميتيران، تعرف بأنها” صديقة الكرد أو حتى أنها “أم الكرد”، ويروى أن مسعود البرزاني” الذي صورته وسائل الإعلام في خط الجبهة الأول في مواجهة مسلحي داعش، وانخرط أبناؤه وأقرباؤه بأنفسهم في معارك مواجهة داعش،قال عن هذه السيدة الفرنسية التي لها حضورها في تاريخ الكرد : ” لن أنسى دموع ميتيران على مأساة الشعب الكردي”، و أن الاتحاد الأوربي قد تداعى لاجتماع- طارىء-في “بروكسل” في الساعات الماضية، وأن أمريكا قررت تزويد قوات البيشمركة بالأسلحة اللازمة، لاسيما أن داعش يمتلك أسلحة متطورة، حصل عليها، عبرغارات مسرحية هزلية، من قبل حكومتي بغداد ودمشق، بعد الإجهاز على بعض القطعات العسكرية لكلتيهما.
وإذا كان الاتحاد الأوربي، قد دعا إلى اجتماع طارىء، وعلى عجالة، فإن ذلك جاء نتيجة استشعار ه مدى فداحة خطورة إبادة الكرد، ومن بينهم الإيزيديون، والمسيحيون، وغيرهم، بعد أن تأكد لجميعهم، أن الكرد هم المهيئون-حقاً- لمواجهة التكفيريين-بعامة- وتنظيم داعش الإرهابي- بخاصة، لاسيما أن كرد سوريا-في المقابل- هم أول من بدأوا بمواجهة التكفيريين من خلال قوا تال” ي ب ك” والتي شاركت فيها المرأة الكردية، سواء أكان ذلك في مدينة”سري كانيي/رأس العين” أوفي كوباني التي يحاصرها داعش منذ أسابيع، و يلقنهم الكرد الهزائم المتتالية، رغم أسلحتهم البسيطة-كما أسلحة أخوتهم البيشمركة- بيد أن شكيمة الكردي، وشدة بأسه، وراء صموده في مقارعة هذا التنظيم الذي لم يلد من فراغ، وإنما تدعمه قوى إقليمية، إسلاموية، دولية، بيد أنه بات يخرج حتى على المخطط الذي رسم له من قبل داعميه.
لا يمكن أن يكون هناك أي استقرار في منطقة الشرق الأوسط كاملة، ما لم تنعم أجزاء كردستان بالأمن والراحة والطمأنينة، لاسيما أن الكرد أكدوا ليس منذ بداية الثورة السورية-فقط- ولا من خلال تجربة إقليم كردستان الذي تنعم فيه الأقليات الدينية بحرية ممارسة معتقداتها، كما تشهد بذلك الدول الأوربية المراقبة، وإنما عبر التاريخ كله، باعتبارهم الأكثرتسامحاً، كماهم الأكثربسالة، رغم أن القوى الغاصبة لكردستان، استطاعت أن تؤلب الكردي على الكردي عبرالتاريخ، بل وأن تبث مع ارتكاب جريمة شنكال حرب إعلامية، قذرة، لتشتيت صفوف الكرد، وتمزيقهم، وهو ما طالما انتبه إليه كثيرون من المثقفين والساسة الكرد، وكانت روح الكرد السمحة وراء جعل مناطقهم المحررة في إقليم كردستان، واحة لتآخي المكونات المتعايشة فيها، بل ساحة للتطورالحضاري والعمراني والثقافي، حيث أن العاصمة هولير/أربيل هي خلال هذا العام عاصمة السياحة العربية، وهو ما لايرضى به هؤلاء الظلاميون الذين يحاربون فكرة-كردستان- كلها، أصلاً، ويعتبرونها”إسرائيل” ثانية، وخنجراً في خاصرة خريطتهم المرسومة عنوة، وفق مواثيق دولية بات حبرها يمحى، وتستبدل بها دماء أبناء المنطقة برمتها.
النص الكامل للمقال
ملحق النهارالثقافي15-8-2014