شريط آخر الأخبارملفات و دراسات

مجموعة الازمات الدولية: ينبغي على واشنطن وموسكو التوصل إلى صفقة لإقامة حكم لامركزي

Yekiti Media

نشرت يوم الجمعة، وسائل إعلام تقريراً أصدرته “مجموعة الأزمات الدولية” المعنية بالبحث عن الحلول للمشكلات الكبرى والصراعات بين الدول ومنع الحروب، تطرقت من خلاله إلى الوضع في شمال سوريا\شرق الفرات.

وجاء في التقرير: (لقد ظل جزء كبير من شمال شرق سورية آمنا خلال الحرب الأهلية، لكن في حال حدوث انسحاب عسكري أميركي، سينشأ صراع مجنون من أجل السيطرة على المنطقة، ينبغي على واشنطن وموسكو أن تساعدا حلفاءهما في سورية على التوصل إلى صفقة لإقامة حكم لامركزي في المنطقة.

ما الجديد؟

في آذار/مارس 2018، أعلن الرئيس دونالد ترامب اعتزامه سحب القوات الأميركية من شمال شرق سورية وعلّق تمويل برامج تحقيق الاستقرار في المنطقة، كبار مستشاريه لشؤون السياسة الخارجية قدموا وجهات نظر متضاربة إلى حد ما، وقد أضافت هذه الرسائل المختلطة الصادرة عن واشنطن عنصر انعدام اليقين إلى وضع متقلب أصلاً.

ما أهمية ذلك؟

إن انسحاباً أميركياً متسرعاً من شمال شرق سورية من شأنه أن يطلق قوى متنافسة تتصارع لتحقيق الامتيازات، وتشمل هذه القوى وحدات حماية الشعب (وحلفاءها في قوات سورية الديمقراطية) المدعومة أميركياً، ونظام بشار الأسد مدعوماً بحلفائه، وتركيا، إن عدم وجود اتفاق مسبق متفاوض عليه يمكن أن يهدد بنشوء صراع متصاعد.

ما الذي ينبغي فعله؟

تتمثل أفضل فرصة لتحاشي الفوضى في شمال شرق سورية في التوصل إلى شكل من أشكال اللامركزية يتم التفاوض عليه بين وحدات حماية الشعب، ودمشق وأنقرة، بدعم من واشنطن وموسكو، لا ينبغي أن تقوم واشنطن بالانسحاب بشكل متسرع ولا أن تربط وجودها بمواجهة إيران، بدلاً من ذلك، ينبغي أن توفر لقوات سوريا الديمقراطية القدر اللازم من الوقت والمجال والنفوذ لإجراء المفاوضات.

تدخل الحرب في شمال شرق سورية مرحلة جديدة. العمليات ضد تنظيم الدولة الإسلامية باتت في مراحلها الأخيرة والتوترات بين القوى الخارجية تتصاعد، مع تفاؤل بشار الأسد بإمكانية استعادة سيطرته. للجزء الأكبر من السنوات السبع الماضية، كانت مساحات واسعة في هذه المنطقة من بين الأكثر أماناً في البلاد؛ لكن يبدو أن المنطقة تصبح قابلة للانفجار على نحو متزايد، مع تهديد الولايات المتحدة بسحب قواتها العسكرية واستعداد القوى المتنافسة لمحاولة الاستفادة من ذلك. تتمثل أفضل فرصة لتجنب اشتعال الأوضاع من جديد في التوصل إلى اتفاق حول حكم لامركزي في شمال شرق سورية يستجيب للمخاوف الأمنية لتركيا المجاورة. ينبغي على واشنطن وموسكو أن تساعدا حلفاءهما في الحرب السورية على التوصل إلى مثل ذلك الاتفاق قبل انسحاب القوات الأميركية.

منذ عام 2014، أدت عدة حملات شنت ضد تنظيم الدولة الإسلامية إلى تغيير التوازن الجيوسياسي في الشمال الشرقي. بدعم من الولايات المتحدة، سيطرت منظمة كردية اسمها وحدات حماية الشعب، مع حلفاء محليين تابعين لها في قوات سوريا الديمقراطية، على معظم الأراضي السورية التي كانت خاضعة لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية شرق الفرات. ونتيجة لذلك، تسيطر وحدات حماية الشعب على نحو 30% من سورية، بما في ذلك معظم نفطها، وجزء كبير من حدودها مع تركيا ومناطق واسعة تقطنها أغلبية عربية. أدت المكاسب التي حققتها وحدات حماية الشعب منذ عام 2015 إلى تدخل عسكري تركي، أولاً ضد تنظيم الدولة الإسلامية في المناطق الحدودية المتاخمة للمنطقة التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب، وفي وقت سابق من هذا العام ضد وحدات حماية الشعب نفسها في عفرين في الشمال الغربي. في هذه الأثناء فرض نظام الأسد، بدعم قوي من روسيا وإيران، سيطرتها على المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية غرب الفرات.

بين هذه المجموعة من اللاعبين الخارجيين في شمال شرق سورية وجوارها، تحتل الولايات المتحدة موقعاً محورياً؛ فهي توفر الاستقرار، لأنها تساعد على استعادة الخدمات الأساسية في المناطق التي تم انتزاعها من تنظيم الدولة الإسلامية وتردع المزيد من العمل العسكري من قبل تركيا أو نظام الأسد. لكنها تضيف أيضاً شيئاً من التقلب، لأن رسائل واشنطن حول نواياها غامضة جداً. حسب اليوم الذي يتم التحدث فيه ومن يتحدث، يمكن للإدارة الأميركية أن تشير إلى اعتزامها مغادرة سورية قريباً أو البقاء فيها إلى ما لا نهاية، ما لم، وإلى أن، تقلص إيران نفوذها الإقليمي بشكل جذري. أو أي شيء بين هذين النقيضين.

باعتبار وجود هذا الطيف الواسع من السياسات المحتملة، فإن المواقف المتطرفة على أي من الجانبين تبدو خطيرة على نحو خاص. يمكن للاستخدام المباشر للوجود الأميركي في سورية كأداة ضد إيران أن يشجع طهران على دعم هجمات متمردة كوسيلة للضغط على الولايات المتحدة كي تنسحب، تماماً كما فعلت في العراق.

من ناحية أخرى، فإن الخروج بشكل متسرع يمكن أن يغرق شمال شرق سورية في حرب جديدة، مع محاولة أنقرة، أو دمشق، أو الميليشيات الحليفة لطهران أو مزيج من هذه القوى انتزاع الأرض والموارد من قوات سوريا الديمقراطية بعد انكشافها. قد يتبين أن الفوضى الناجمة عن ذلك ستكون مكلفة لجميع هؤلاء اللاعبين وأن تسمح لتنظيم الدولة الإسلامية أو جهاديين آخرين بإعادة فرض أنفسهم.

بعض المسؤولين الأميركيين يأملون أن تفضي النقاشات التي أطلقت مؤخراً بين دمشق ومجلس سوريا الديمقراطية، المظلة السياسية لقوات سوريا الديمقراطية، إلى اتفاق يجنب المنطقة صراعاً عنيفاً بين الجميع في مرحلة ما بعد الانسحاب. غير أن هناك عدة عوامل تشير إلى أن هذه الحصيلة غير مرجحة، على الأقل في الوقت الراهن.

أولاً، فيما يتعلق بالأسئلة المحورية حول كيف ومن قبل من ينبغي أن يحكم شمال شرق سورية، هناك في الوقت الراهن فجوات كبيرة بين الحد الأدنى الذي يمكن لوحدات حماية الشعب أن تقبله والحد الأقصى الذي يمكن لدمشق أن تتنازل عنه. تصر وحدات حماية الشعب على إجراء مراجعات دستورية من شأنها أن تمنح الشمال الشرقي درجة كبيرة من الحكم الذاتي، بما في ذلك المسؤولية عن الأمن المحلي. بينما أوضحت دمشق أنها تعتزم إعادة فرض سيطرتها الكلية، بما في ذلك في القطاع الأمني. وهي مستعدة لمناقشة إصلاحات على نطاق أضيق لكن ليس الحكم الذاتي المحلي الواسع الذي تطالب به وحدات حماية الشعب.

ثانياً، تعتقد دمشق أن الوقت لصالحها، بفضل مكاسبها العسكرية في مناطق أخرى واحتمال حدوث انسحاب أميركي مبكر وغير مشروط. وطالما تترقب فرصة لفرض جميع مطالبها بالقوة، ليس هناك ما يدعوها لتقديم تنازلات كبيرة وبعيدة المدى. وحدات حماية الشعب، من جهتها، تصر على أنها ستدافع عن نفسها في حال شن النظام هجوماً عليها ولن تستسلم كما فعلت قوى المعارضة في مناطق أخرى من سورية. لكن في هذه الأثناء، فإنها هي أيضاً تبقى متفائلة بأن موقف واشنطن سيتحول في النهاية لصالحها.

ثالثاً، حتى لو توصلت وحدات حماية الشعب ودمشق إلى اتفاق، فإن تركيا قد تجد سبباً كي تتدخل عسكرياً إذا ترك انسحاب أميركي سريع شمال شرق سورية عرضة للصراع بين مختلف القوى. أنقرة لا يعجبها الوضع الراهن على الإطلاق لكنها تسعى أيضاً لتحاشي سيناريوهين بديلين: السيناريو الأكثر أهمية والمتمثل في توصل إلى صفقة بين وحدات حماية الشعب ودمشق تلف بعلم الدولة السورية قوات ترى أنقرة أنها جزء لا يتجزأ من حزب العمال الكردستاني لكنها تخشى أيضاً تقدماً عسكرياً تحرزه دمشق وحلفاؤها يوسع نفوذ الميليشيات الشيعية المرتبطة بإيران على طول الحدود الجنوبية لتركيا. نظرياً، يمكن لروسيا، التي سيزداد نفوذها بعد رحيل الولايات المتحدة، أن تردع تكرار عملية عفرين؛ لكن من الناحية العملية، وكما تبين في عفرين، فإن أولويات موسكو الجيوسياسية يمكن أن تقنعها بعدم فعل ذلك.

باختصار، فإن ربط الوجود الأميركي المفتوح بأجندة طموحة معادية لإيران أمر خطير، كما أن الانسحاب بشكل غير مشروط من شأنه أن يطلق صراعاً مجنوناً على السيطرة. ينطوي كل من السيناريوهين على مخاطرات وأثمان لجميع القوى المعنية.

يتمثل المسار الأكثر أماناً نحو حصيلة أفضل في التوصل إلى اتفاق بين وحدات حماية الشعب ودمشق على حكم لا مركزي يكون مقبولاً لأنقرة أيضاً، قبل إجراء انسحاب أميركي تدريجي ومشروط. يمكن أن يشمل الاتفاق استعادة سيطرة الدولة السورية على حدودها الشمالية؛ وتفويض الأمن المحلي في الشمال الشرقي (باستثناء الحدود نفسها) للقوات المرتبطة بوحدات حماية الشعب التي تمارس حالياً السيطرة محلياً؛ وإدماج تلك القوى رسمياً داخل الدولة السورية؛ وعودة المؤسسات الإدارية المدنية للدولة. من الممكن أن تساعد بعض الضمانات المقدمة بحكم الأمر الواقع من قبل واشنطن وموسكو في التوصل إلى تفاهم وإلى تحاشي اندلاع العنف مرة أخرى. كما يمكن للانخراط الأميركي الفعال أن يكون ضرورياً لتشجيع خطوات إضافية تتخذها وحدات حماية الشعب لتهدئة مخاوف أنقرة وبالتالي تقليص خطر القيام بعمل عسكري تركي).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى