محمد صبرا ليكيتي ميديا:الحل الأول للقضية الكردية هو الإعتراف بها
Yekiti Media
للتحاور مع الأستاذ والمحامي القدير محمد صبرا كقانوني بالدرجة الأولى وسياسي كرئيسٍ سابق لحزب الجمهورية و كشخصيةٍ مهنية مثّلٌ المعارضة السورية في أصعب و أدقّ مفاصل ما يمكن تسميتها بالأزمة السورية حيث عمل كمستشارّ قانوني لمفاوضات جنيف 2 ومن ثم كبير المفاوضين في مفاوضات جنيف 3 حتى ولمحطات ما بعدها من جنيف .. يمتاز الأستاذ صبرا بحنكة سياسية وقانونية ويشهد له نظراؤه بحنكته السياسية والقانونية أثناء المفاوضات مع السيد ديمستورا ، وعُرٍف عنه عزوفه عن الأضواء والشهرة ، ولذلك بقي كجندي مجهول لم يسعَ الى الشهرة ، ونظرا لغياب التواصل المطلوب بين قوى الثورة السورية ، لم يحظَ كثير من الشخصيات السورية غير المعروفة بسماتها وآفاق وعيها في الشارع الوطني عامةً والكُردي خاصةً ، ومن هذا الجانب ارتأينا في موقع يكيتي ميديا التوجّه إلى الأستاذ المحامي والسياسي السوري محمد صبرا لمنحنا بعضا من وقته يسلّط فيه الضوء على حيثيات جنيف ومآلات الوضع السوري بشكلٍ عام :
صبرا ليكيتي ميديا :
– التيارات السياسية السورية بكافة اتجاهاته انحصرت في نخب مثقفة مارست السياسة بعيدا عن ميدان العمل السياسي الحقيقي وهو الشارع .
– الشكل الافضل للدولة في سوريا سواء الشكل المركزي او الفدرالي ، ليس هو المهم ، بل ان نبني الدولة على اسس المواطنة والحرية والمشاركة والسيادة الشعبية وسيادة القانون .
– الحل الأول للقضية الكردية هو الإعتراف بها.
– خصوصية المظلومية الكردية انها جاءت بناءا” على موضوعة تمييز عنصري مرفوض قام به نظام البعث .
– من حق الكرد كأمة ان يحظوا بالإعتراف بهم من ناحية وجودهم الحضاري والثقافي واللغوي المتميز محفوظة ومصانة دستوريا وقانونيا”
السؤال الأول :
يُلاحظ أنّ هناك ضعف في اداء الأحزاب السياسية خاصةً الجديدة منها ؟ فهل السبب هو عدم إمكانية توضيح الرؤى ؟ أم لعوامل لوجستية ؟
ما تقوله عن ضعف الأداء الحزبي في سورية عموماً صحيح، ذلك أنّ معظم الأحزاب التي نشأت قبل الثورة أو في الآونة الأخيرة لم تنطلق باعتبارها تعبيراً عن مصالح قاعدة اجتماعية بل انطلقت من خلال تجمّعات ثقافية وبالتالي بقيت هذه الأحزاب في إطار رؤيوي تبشيري أكثر من كونها تعبيراً حقيقياً عن الفئات الاجتماعية التي يُفترض أنّ الحزب يمثّل مصالحها ورؤيتها لطريقة توزيع الثروة والسلطة في المجتمع، هذا الخلل حقيقةً بدأ في سورية منذ فترة مبكّرة جداً وتحديداً منذ منتصف الخمسينات التي أنتجت أربع تيارات سياسية أساسية في سورية وهي التيار القومي بكافة صوره وأشكاله والتيار الإسلامي بكافة تنويعاته والتيار الماركسي أيضاً بكافة اتجاهاته، هذا الانقسام بين التيارات السياسية هو في حقيقته تعبير عن انقسام أيديولوجي محصور في نخب مثقفة مارست السياسة بعيداً عن ميدان العمل السياسي الحقيقي وهو الشارع واكتفت بتوصيف المشاكل التي يعاني منها المجتمع السوري من وجهة نظرها وبتقديم وصفات علاجية نظرية وجاهزة، ولذلك غاب التأثير الحقيقي لهذه الأحزاب على مسار تطور المجتمع السوري، وزاد الأمر سوءاً ظهور ديكتاتورية العسكر التي بدأت منذ انقلاب حسني الزعيم وزاد عنفها في فترة الوحدة مع مصر ومن ثم تحوّلت لمجرّد سلطةٍ وحشية في ظلّ حكم البعث وهو الأمر الذي منع من إمكانية تطوّر العمل الحزبي وأقصى المواطنين جميعاً عن الفضاء العام وأنتج دولة غير مطابقة لمواطنيها ولا تعبّر عن الحامل الاجتماعي الذي تدّعي أنها تمثّله.
وفي الوقت الحالي ما تزال الأحزاب السياسية تعاني من نفس هذه الأمراض تقريباً إلى الحدّ الذي يمكن وصفها بأنها مجرّد صالونات فكرية أكثر منها أحزاب سياسية.
السؤال الثاني :
هناك طرح لأفكار جديدة على الساحة السورية ، ومنهم من يرون بأنّ الحلّ الأمثل لسوريا المستقبل هي دولة ذات نظام لامركزي اي دولة اتحادية . وبعضهم يرى في هذا الطرح مقدمة للانفصال والسؤال هو : كيف يرى الأستاذ محمد صبرا الشكل المناسب للدولة في سوريا ؟ .
الشكل الأفضل للدولة هو أن تكون دولة كلّ مواطنيها بمعني أنّ الدولة هي مجرّد مجموعة من البنى الإدارية والسياسية الخادمة للانتظام العام في المجتمع والتي تدير الفضاء العام وتضبط الصراع المجتمعي وبالتالي فإنّ الدولة يجب أن تكون مطابقة لفاعلية المجتمع الذي ينتجها، وهذا يقودني إلى الإجابة على أنّ الشكل الأفضل للدولة في سورية سواءً كان الشكل المركزي أو الفيدرالي ليس هو النقطة المهمة ، بل الأهم هو أن نبني الدولة على أسس المواطنة والحرية والمشاركة والسيادة الشعبية وسيادة القانون ضمن فضاءٍ حقيقي من العمومية والتجريد التي تجعل الدولة تعبيراً عن مصالح كلّ المواطنين من دون أيّ استثناءٍ، فالدولة ليست كائناً ما فوق تاريخي أو ما فوق اجتماعي بل هي منتج مجتمعي يجب أن نقبل به أياً كان الشكل الذي يريده المجتمع لها أن تكون، هذا من حيث المبدأ أما وجهة نظري الشخصية فأنا مؤمن بضرورة وجود الدولة العلمانية الوطنية الحديثة المبنية على أسس الحرية والمساواة والمواطنة وأرى أنه من الضروري جداً أن نستفيد من تطور مفهوم الديمقراطية التشاركية وإعطاء أكبر قدرٍ ممكن للمجتمعات المحلية في إدارة شؤونها الاقتصادية والثقافية والتنموية والاجتماعية والخدمية.
– السؤال الثالث :
من المعروف أنّ القضية الكُردية في سوريا قد تصدّرت الجدل والمشهد – خاصةً المعارضة – وشخصياً كنتم تشاركون في كثيرٍ من هذه النقاشات وسؤالنا هو ؟ ماهو الحلّ الأنسب للقضية الكُردية في سوريا حسب وجهة نظركم ؟ .
الحل الأول للقضية الكُردية في سورية هو أن نعترف بهذه القضية، وأنّ هناك جرح غائر في الوطنية السورية عبر عقودٍ من الظلم والتهميش والإقصاء الذي تعرّض له الكُرد السوريين، وخصوصية المظلومية الكُردية أنها جاءت بناءً على موضوع تمييزٍ عنصري مرفوض قام به نظام البعث، طبعاً لا ننسى المظلومية والإقصاء والاستبداد الذي عانى منه المجتمع السوري بكامله، لكن كان على الكُرد أن يحملوا عبئاً مضاعفاً في العقود الماضية.
ضمن هذا السياق يجب أن نفرّق بين أمرين أولاً من حقّ الكُرد كأمةٍ أن يحظوا بالاعتراف بهم من ناحية وجودهم الحضاري والثقافي واللغوي المتميز وأن تكون هذه الحقوق محفوظة ومصانة دستورياً وقانونياً، والمسألة الثانية هو أن نعترف بحقّ الكُرد السوريين بالمواطنة الكاملة والمتساوية من دون أي تمييزٍ ضدّهم، وأظنّ أنّ مجرّد نضال السوريين المشترك لبناء الدولة الوطنية الحديثة المحايدة والمجرّدة عن كلّ الصفات والتي تعبّر عن كلّ المواطنين من دون استثناءٍ كفيل بحلّ أي قضيةٍ سيواجهها المجتمع السوري، فأنا مؤمن إيماناً كاملاً بحقّ المواطنين في الاختيار أياً كان موقفي من هذا الاختيار، لكن يجب أن نتعلّم احترام خيارات المواطنين ما دامت تتمّ وفق الأصول الديمقراطية وبطريقةٍ سلمية بعيدةٍ عن العنف.
– السؤال الرابع :
– كلّ مَنْ عرف محمد صبرا يعلم مدى حرصه وتمسّكه بالكلمة كمفردة ومصطلح ، يتفحّصها بفقه قانوني ويجادل الكلمة / المفردة ذاتها من كافة الجوانب ، وكنتم كبير المفاوضين في مفاوضات جنيف 2016-2017 وعُرِف عنكم التمسّك بالمنطق والجدل المصطلحي كما الجرأة والثقة المعرفية في مناقشة القرار الدولي 2254 مع ديمستورا والتأشير على الثغرات الموجودة في القرار ، فهل سنحظى بتفسيركم للقرار الموصوف ؟ ولماذا كان ديمستورا يتضايق من إشاراتكم على تلك التفسيرات ؟ والأهم
ماهي الثغرات القانونية والسياسية في هذا القرار ؟
هذا سؤال مهم جداً والإجابة عليه للأسف تحتاج إلى وقت كبير ، لكن سأحاول تكثيف النقاط الأساسية في العملية السياسية التي شاركت فيها منذ بداية عام 2014 ، لكن قبل الدخول في بعض تفاصيل العملية السياسية لا بدّ من توضيح بعض النقاط التي أعتبرها أساسية ومهمة جداً في هذا السياق ولا سيما الفهم المغلوط لبيان جنيف لعام 2012 والذي يعتبر أساس الحلّ السياسي في سورية، فبيان جنيف وضع خطة طريق واضحة جداً للحلّ السياسي في سورية تقوم هذه الخطة على ثلاث أسس هي : أنّ جوهر الصراع في سورية هو الخلل الكبير في النظام السياسي وعدم قبول أغلبية المواطنين بهذا النظام، وأقصد هنا النظام السياسي برمّته أي من حيث آليات الحكم والدستور وطريقة اختيار المؤسسات الحاكمة، ولذلك وضع بيان جنيف ما سمّاه منظور نحو المستقبل في البنود 6 و7 و8 منه.
نقطة البداية في الحلّ السياسي الوارد في بيان جنيف هي أن يتمّ تشكيل هيئة حكم انتقالي ، يكون مهمتها الأساسية تأمين البيئة الآمنة والمحايدة التي تسمح للسوريين باختيار نظامهم السياسي، أي أنّ هيئة الحكم الانتقالي ليس من مهمتها تحديد شكل الدولة والنظام السياسي بل هي مجرّد سلطة انتقالية تتولّى عملية توفير الشروط الأمنية والسياسية اللازمة للبدء بحوارٍ وطني سوري شامل لا يستثني أحداً ويكون مؤتمر الحوار الوطني هو صاحب القرار في شكل الدولة والعقد الاجتماعي الجديد في سورية الجديدة ووضع نظام دستوري جديد للبلاد، هذا الأمر واضح تماماً ومن دون أيّ لبسٍ في الفقرات 9 و10 من بيان جنيف ، الإشكالية برأيي بدأت عندما فهمت بعض جهات المعارضة بأنّ بيان جنيف يتحدّث عن مشاركة النظام والمعارضة في هيئة الحكم الانتقالي، وهذا الفهم غير صحيح على الإطلاق، فبيان جنيف نصّ بشكلٍ واضح على أنّ بداية الحلّ تكون بإنشاء هيئة الحكم الانتقالي وبالتالي إنشاء هيئة الحكم ليست محلّ تفاوض لأنها أصبحت من موجبات القانون الدولي الملزمة للأطراف حسب الفقرة 16 من القرار 2118 لعام 2013 الصادر عن مجلس الأمن، وبالتالي فإنّ العملية السياسية متمحورة على بحث تشكيل هيئة الحكم الانتقالي فقط وليس البحث على إنشائها الذي قلنا أنه بات مفروضاً وفق القانون الدولي، إذاً التفاوض يجب أن يكون فقط على أسماء أعضاء هيئة الحكم الانتقالي وإطارها الزمني وتشكيلها وليس على إنشائها، وفي هذا الصدد فإنّ الأصل أن تكون هيئة الحكم الانتقالي شاملة ووطنية بمعنى أنّ قضية مشاركة النظام والمعارضة في هيئة الحكم الانتقالي جاءت على سبيل الاستثناء ، لأنّ نصّ بيان جنيف قال بالحرف إنشاء هيئة الحكم الانتقالي التي يمكن أن تضمّ أعضاء من المعارضة أو النظام أو الأطراف الأخرى بناءً على الموافقة المتبادلة، وبالتالي فإنّ مشاركة أعضاءٍ من النظام والمعارضة هي استثناء على الأصل ، وهذا ما تمسّكنا به في مفاوضات جنيف منذ عام 2014 ، وهذا كان موقفي في كلّ جولات التفاوض، فالهدف من إنشاء هيئة الحكم الانتقالي ليس مشاركة النظام والمعارضة بل هو خلق سلطةٍ انتقالية تقود الوضع في سورية خلال المرحلة الانتقالية وتسمح بالبدد بحوار وطني جاد حول كلّ القضايا السياسية في سورية، ومن هنا يجب فهم أنّ بداية المرحلة الانتقالية يجب أن تترافق تلقائياً مع حلّ كلّ أشكال السلطة الحالية أي بداية المرحلة الانتقالية يجب أن تترافق مع رحيل النظام بكافة رموزه لأنه لا يجوز وجود سلطتين في دولةٍ واحدة، للأسف هذا الفهم الواضح للقرارات الدولية ولبيان جنيف خرج عنه المبعوث الدولي السابق السيد استيفان ديمستورا خلافاً لرأي المبعوثين الدوليين الذين سبقوه السيد كوفي عنان والسيد الأخضر الابراهيمي، ولهذا السبب أصرّيت في بداية جلسات التفاوض في جنيف في عام 2017 أنّ التفسير الذي يقدّمه ديمستورا للقرارات الدولية تفسير خاطئ ولا ينسجم مع هذه القرارات وطلبت منه أن نستفتي محكمة العدل الدولية نتيجة هذا الخلاف في التفسير أو نرسل طلباً للتفسير موجّه للأمين العام للأمم المتحدة، طبعاً أنا أرى القرار 2254 لعام 2015 هو استمرار للقرارات السابقة، لأنه في القانون الدولي لا يوجد شيء اسمه نسخ القرارات السابقة أو الغاؤها، بل هناك ما نسميه الأثر التراكمي في القرارات الدولية وبالتالي فإنّ القرار 2254 لعام 2015 جاء استمراراً للقرار 2118 وليس نقضاً له أو تغييراً في مرتكزات الحلّ السياسي، ونقطة الخلاف التي ثارت بيني وبين المبعوث الدولي كانت تتمحور على أنّ القرار 2254 وضع جدولاً زمنياً محدّداً في الفقرة الرابعة منه وأيضاً وضع تراتبية محدّدة في بحث المواضيع التفاوضية، وما قام به المبعوث الدولي حقيقةً كان خروجاً على هذا القرار، لأنّ الفقرة الرابعة من القرار 2254 تحدّثت عن إنشاء حكم انتقالي شامل وغير طائفي خلال ستة أشهر من التفاوض وبعد ذلك أيّ: بعد إنشاء الحكم الانتقالي نذهب لبحث الدستور والانتخابات خلال 18 شهراً، للأسف هذه التراتبية في الحلّ وهذا الجدول الزمني نسفه المبعوث الدولي نتيجة قربه من الرؤية الروسية للحلّ وليس استناداً للقرارات الدولية وهذا الأمر ساهمت فيه أيضاً بعض جهات المعارضة التي تدور في الفك الروسي وأيضاً وافقت عليه بعض أطراف المعارضة التي تدور في الفلك التركي نتيجة التفاهمات الروسية التركية التي شكّلت رأس حربة في نسف القرارات الدولية والخروج عنها من قبل المبعوث الدولي.
السؤال الخامس :
في مؤتمر رياض ٢ تمّ فيه إبعاد نخبة سياسية ، وتمّ تبريره إعلامياً على أنهم كانوا متشدّدين زيادةً عن اللزوم ، وكنتم انتم و د . رياض حجاب رئيس الهيئة العليا للمفاوضات ، وسؤالنا لماذا لم تحضروا مؤتمر رياض 2 ؟ . هل تمّ اقصاءكم بتعمّدٍ من قبل قوى معينة ؟ نتمنّى تسليط الضوء على هذه النقطة إن أحببتم ؟ .
لا يخفى على أحدٍ أنّ هناك مجموعة كبيرة من الضغوط التي مارستها أطراف مختلفة علينا لتغيير موقفنا من العملية السياسية، وأنا أتحدث بصفتي الشخصية لأني لا أملك الآن حقّ التحدث بأسماء باقي السادة الذين فضّلوا الاستقالة على أن يستجيبوا للضغوط التي مارستها عدة جهات دولية لإجبارنا على تغيير موقفنا من بعض نقاط الحلّ في سوريا ، ولذلك كان خيارنا أن نستقيل أفضل من أن نساهم في عمليةٍ سياسية هزيلة ولا تلبّي طموحات السوريين .
السؤال الأخير :
رؤيتكم في اللوحة السياسية الحالية ، وآفاق الخروج من الأزمة السورية ؟ .
لا يمكن أن نفترض الحلّ في سوريا من دون تحديد أسس الصراع في سوريا، فمن ناحية لدينا شعب ثائر قام بثورةٍ عظيمة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً سواءً من ناحية اتساعها وعمقها ،حجم التضحيات التي قدّمها السوريون جميعاً، ومن الناحية الأخرى لدينا طغمة حاكمة تحوّلت إلى مجرّد احتلالٍ داخلي يحتل الدولة والمجتمع ويسخّر كلّ مقدرات سورية لخدمة مشروع سلطته الاستبدادية، الثورة السورية كانت واضحة منذ البداية بشعاراتها الأساسية التي رفعها المتظاهرون في كلّ أنحاء سورية من درعا وحتى عامودا، السوريون طلبوا الحرية والمساواة والكرامة وأن تكون الدولة لهم وليست مملوكة لفئةّ أو فرد أو حزب أو جماعة، هذا المطلب الأساسي يترجم في دولة المواطنة ، الآن بعد مرور تسع سنواتٍ على انطلاق الثورة السورية فأنا وخلافاً للرأي السائد أرى أنّ الثورة السورية قد حقّقت هدفها الأساسي والمتمثّل بسقوط هذا النظام الاستبدادي، فبشار الأسد اليوم لم يعد يمثّل نظام حكم، بل هو مجرّد أمير حربٍ يقود ميليشيا مسلحة، وبالتالي فإنّ ما يحدث الآن في سوريا هو فوضى ما بعد الثورة وهذه الحالة مرّت بها كلّ الدول التي شهدت ثورات عميقة كالثورة السورية، مهمتنا الآن كسوريين أن نبدأ البحث عن آليات ضبط هذه الفوضى وهذا يتمثّل بالدرجة الأولى بضرورة إنشاء سلطة حكم انتقالي تكون قادرة على ضمان البيئة الآمنة المحايدة والتي تسمح للسوريين بالتعبير عن آرائهم ومصالحهم وتضمن لهم المشاركة الحقيقية والفعالة في اختيار نظامهم السياسي، هذا الأمر لا يمكن تحقيقه الآن إلا من خلال أحد أسلوبين الأول أن يتمّ بناء ميثاق عملّ وطني يجمع السوريين الرافضين للاستبداد والظلم والوصاية ومن ثم يعملون على بناء منظومة عملٍ سياسي وطني شامل في الداخل السوري في شرق الفرات وفي ريف حلب وإدلب بحيث تكون هذه النواة الأساسية لإعادة إنتاج الدولة السورية والهوية الوطنية السورية بعيداً عن وصاية الدول الإقليمية، الأسلوب الثاني في حال كان الأمر السابق متعذّراً يكون بفرض الإدارة الدولية المؤقتة على سورية بقرارٍ من مجلس الأمن وفق الآلية التي تمّ استخدامها سابقاً في كمبوديا بعد فشل اتفاقية باريس للسلام بين الأطراف الكمبودية عام 1992 ، ولذلك قام مجلس الأمن بفرض الإدارة الدولية المؤقتة لمدة عامين على كمبوديا حيث تمّ خلال العامين إحصاء للسكان ووضع قانون انتخاب ودستور واجراء انتخابات أدّت لاستقرار كمبوديا في نهاية الأمر، وأنا أعلم قد تكون الحالة في سوريا أكثر تعقيداً مما كان عليه الأمر في كمبوديا لكن هناك كثير من العوامل التي تتشابه بين الحالتين، طبعا يقتضي التنويه أنّ الإدارة الدولية المؤقتة تختلف اختلافاً كبيراً عن الوصاية الدولية، الإدارة الدولية تكون بإشراف مجلس الأمن وعبر هذا المجلس وهذا يعني سحب البساط من تحت أرجل الدول التي تتدخّل في الشأن السوري حالياً لصالح الشرعية الدولية متمثّلة في مجلس الأمن، وهذا الأمر سيسمح ببناء سلام حقيقي في سوريا قائم على تحقيق العدالة ومحاسبة مجرمي الحرب وعلى رأسهم بشار الأسد وجميع الذين ارتكبوا جرائم ضدّ السوريين وأيضاً سيسمح ببناء نظامّ وطني ديمقراطي يعبر عن تطلعات السوريين لأنّ مهمة الإدارة الدولية المؤقتة ستكون فقط إتاحة الظروف الملائمة للسوريين حتى يستطيعوا بناء دولتهم.