مخاوف تكرار تجربة الكانتونات التابعة لـPKK في كردستان ابران
هوشنك أوسي
يوماً إثر آخر، تتصاعد وتيرة التراشق بالتصريحات والتهديدات بين واشنطن وطهران. المسألة ليست فقط مجرّد تغريدات ترامب على تويتر، وردود حسن روحاني بالتهديد والوعيد عليه، وأن أية حربّ أمريكيّة على إيران ستكون “أم الحروب” على أمريكا، في استعارة تعبير صدام حسين “أم المعارك” الذي استخدمه في توصيف حرب الخليج الثانية!
“قمة هلسينكي” بين ترامب وبوتين، ربما تم فيها إبلاغ الجانب الروسي؛ “إن أمريكا ستضرب إيران. نقطة من أوّل السطر. ماذا تريدون مقابل التخلّي عن إيران؟”. وغالب الظن أن الضربات الأمريكية للنظام السوري وللمواقع الايرانية في سوريا، كانت بمثابة بالونات اختبار للموقف الروسي. ولم تحرّك روسيا ساكناً حيال ذلك، وحيال الضربات الاسرائيلية المتتالية الموجهة للمواقع الايرانية في سوريا.
يبدو أن الاستراتيجية الامريكية البعيدة المدى، في إبقاء المنطقة متوترة، والتي بدأت بالحرب العراقية – الايرانية، ثم غزو العراق للكويت، ثم حرب تحرير الكويت، ثم الحرب في افغانستان، ثم الحرب على العراق، واقتلاع نظام صدام، ثم توجيه كرة النار نحو سوريا، بهدف استنزاف إيران في العراق وسوريا للحدود القصوى، هذه الاستراتيجية يبدو انها دخلت مرحلة جديدة مفادها إعداد سيناريو توجيه دفّة الحرب إلى إيران. بخاصّة أن حركة الاحتجاجات الجماهيرية الايرانية، صحيح أن نظام الملالي، يسحقها في مكان، لكنها تظهر في مكان آخر. ما يعني أن الشارع الايراني صار مهيّئاً، كالهشيم الذي ينتظر شرارة ما. واعتقد ان تشديد العقوبات الامريكية على مراحل، وصولاً لمنع تصدير النفط والغاز الايرانيين، ستكون تلك الشرارة. ولن يكون ذلك بعيداً، إذا لم تسلّم إيران كامل سلاحها النووي أو برنامجها النووي، وتنفتح على العالم والمراقبة الدولية، ألف بالمئة! ويجب ألا يغفل عن البال ان واشنطن اقتلعت نظام صدام بنفس حجة امتلاك السلاح الكيماوي واسلحة الدمار الشامل. أما إيران فتمتلك برنامجاً نوويّاً خطيراً، ومن الممكن أن نستيقظ غداً على إيران نوويّة. وقتها، سيقف العالم مشلولاً أمام قوة نووية شرق أوسطية ثانية منافسة لاسرائيل! وهذا ما لن تسمح به تل ابيب وواشنطن، قدر استطاعتهما. وبالتالي مبررات الحرب على إيران سنة 2018، أقوى بكثير وأكثر إقناعاً من الحرب على نظام صدام حسين سنة 2003. بخاصّة، بعد ضبط إيران وبالجرم المشهود؛ متورّطة وضالعة في الحرب والقلاقل الموجودة في سوريا، العراق، واليمن، البحرين ولبنان، وحتى في أوروبا (مخطط استهداف المعارضة الايرانية، واعتقال بعض الدبلوماسيين على خلفية ذلك، وطرد آخرين). زد على ذلك، أن فواتير أية ضربة أمريكية مميتة للنظام الايراني، أو أية حرب أمريكية خاطفة وماحقة على إيران، ستكون من خزائن دول الخليج، بخاصة “السعودية، الامارات، البحرين، الكويت”، وستكون قطر وعُمان على الحياد. وستكتفي تركيا بالثرثرة المعتادة والدعاية الديماغوجية الرافضة لأيّة ضربة امريكية متوقّعة ضد إيران، لكنها لن تحول دون حدوث ذلك!
الدول الأوروبية تخشى وترفض أية ضربة عسكرية امريكية موجهة لايران، ليس خوفاً على العلاقات الاقتصادية التي تربطها بالنظام الايراني وحسب، بل تخشى من حدوث موجات هجرة مليونية اخرى تجتاح أوروبا، كما جرى في العراق وسوريا. كذلك تخشى من تحريك طهران لخلاياها النائمة في أوروبا. وأقصد هنا “داعش” الإيرانيّة المنتشرة في اوروبا منذ حادثة اغتيال زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني الايراني عبدالرحمن قاسملو، في فينّا سنة 1989.
وفي هذا سياق التحضير للضربة الأمريكية، أو أثناء توجيهها، ستحاول واشنطن ضرب أذرع إيران وأدواتها في المنطقة كحزب الله اللبناني، وحزب العمال الكردستاني، وتنظيمات وميليشيا أخرى. وكنوع من الاستباق، بدأ الكردستاني، وعبر جناحه الإيراني بشن بعض الهجمات على الحرس الثوري وقتل نحو 15 عنصر، قبل أيّام. وذلك بهدف إعطاء إشارات للجانب الأمريكي أن الكردستاني ليس له علاقة بطهران. وأنه يمكن أن يدخل في تحالف مع الامريكيين في أية ضربة محتملة أو سيناريو محتمل ضد إيران. أو أقله، كي يجنّب الحزب نفسه من أية حرب محتملة تطاله في معاقله. وكي يستغل الفراغ الذي يمكن ان تتركه تركيا، إذا ما عارضت تماماً اية حرب امريكية على ايران.
كذلك اعتقد أن هناك سيناريو يطبخ للعمال الكردستاني، سيشترك فيه الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، او المتبقي من هذا الحزب الأخير. بحيث يتم تنظيف مناطق جبال قنديل تماماً من حزب العمال، أو وضع تلك المناطق والمتبقي من العمال الكردستاني، تحت سلطة وسيطرة وإمرة الاتحاد الوطني الكردستاني. حاله كحال الاحزاب الكردية الايرانية التي تخضع لسلطة وسطوة وابتزاز الاتحاد الوطني الكردستاني. وهذا ما يطمح إليه الاتحاد الوطني منذ سنة 2000، وحاول فعل ذلك، واصطدم مع العمال الكردستاني، ولكنه فشل.
يدرك الاتحاد الوطني الكردستاني، أنه مع الازمة الداخلية التي يعانيها، الكثير من القواعد الجماهيرية التابعة له باتت موالية للعمال الكردستاني، تحت تأثير آلة الداعية القويّة التي يمتلكها العمال الكردستاني، بحيث يمكن أعتبار مدينة السليمانية موالية ومؤيدة لحزب جميل بايك، حتى أكثر من ولاء مدينة دياربكر – آمد التركية لهذا الحزب. بمعنى آخر، صار الاتحاد الوطني الكردستاني، يخاف ويعي ويدرك خطورة الاستمرار في دعم ومساندة العمال الكردستاني، واستعماله كعصا ضاربة في مواجهة الديمقراطي الكردستاني، وأن هذه العلاقة مع حزب جميل بايك، سيكلف حزب هيرو ابراهيم احمد خسارة المزيد من القواعد الجماهيرية، وأن العمال الكردستاني خبير في سحب البساط الجماهيري من تحت أقدام الاتحاد الوطني الكردستاني. وأنه سيأتي اليوم الذي ينقلب فيه سحر الاتحاد ويرتدّ عليه. فما المانع من التضحية بالعمال الكردستاني، واستعادة القواعد الجماهيرية، وبل استعادة المساحة الجغرافية التي يسيطر عليها حزب جميل بايك، أيضاً. هكذا صفقة، سيدخل فيها الاتحاد الوطني الكردستاني، بدون تردد. بخاصة أن مام جلال طالباني، كان مهندس الحرب على العمال الكردستاني سنة 1992، في اول خطاب له امام البرلمان الكردستاني المنعقد في تلك السنة. كذلك الاجتياح العسكري التركي لمناطق زاب وجبال قنديل في شباط 2008، كان مام جلال طالباني هو مهندس ذلك الاجتياح، بشاهدة قيادات العمال الكردستاني وقتذاك.
حالياً وعلى عجل، يحاول العمال الكردستاني ترتيب اموره في سوريا. وسيعيد إدارة المناطق الكردية للنظام السوري، بما يحفظ ولو قليلاً ماء وجه حزب (PYD)، الفرع السوري للعمال الكردستاني. وها هو الحزب يغير اسماء مؤسساته الامنية، ودخل في مفاوضات مع النظام السوري بهدف ترتيب الامور بشكل يوحي وكأن الامر تمّ دون تنازلات، أو عبر تنازلات متبادلة! وسيصار إلى دمج القوة العسكرية والامنية الآبوجية ضمن مؤسسات الدولة. وعليه، سيضطر العمال الكردستاني الى سحب جزء من قوته العسكرية المتواجدة في سوريا وإعادتها إلى جبال قنديل أو إلى إيران. لأن منطقة قنديل ستكون مستهدفة وضمن دائرة الاهداف الامريكية، أو ستسمح أمريكا لتركيا باستهدافها بشكل عنيف وشديد، أضعاف الهجمات التي شنتها تركيا على تلك المنطقة سابقاً.
ثمة معلومات تفيد بأن العمال الكردستاني وربما قيادته ايضاً ستلجأ إلى إيران، أو أنها ستجبر على الاستسلام، أو أن تنتهي في مواجهة خاسرة. وربما تقوم ايران باستخدام العمال الكردستاني في المناطق الكردية الايرانية، بنفس الطريقة التي تم استخدامه في المناطق الكردية السورية، بهدف تحييد كرد ايران عن اي عصيان او ثورة او انتفاضة شعبية ربما تشهدها ايران عقب الضربة الامريكية لهذا البلد.
أصلاً فكرة تحييد كرد سوريا، ووضع المناطق الكردية تحت سلطة العمال الكردستاني منذ 2012، هي فكرة ايرانية، وضغطت طهران على نظام الاسد لفعل ذلك. وأبلى العمال الكردستاني في تطبيقها على الارض، بلاءً حسناً، وبل بشكل ناجح. وبالتالي ما الذي يمنع الايرانيين من تكرار هذا السيناريو، واستخدام العمال الكردستاني، في إيران، بنفس الطريقة التي تم استخدامه في سوريا؛ بحيث يتم تسليم المناطق الكردية الايرانية للحزب، تحت مسمّى الكانتونات الاوجلانية، او الادارة الذاتية الديمقراطية في كردستان ايران. ويتم سحق أية معارضة كردية ايرانية وليدة، عبر عصا وسلاح العمال الكردستاني. تماماً كما فعل العمال الكردستاني في كردستان سوريا. وبعد انتهاء المهمّة، يعيد الحزب تلك المناطق للسلطة الايرانية، لقاء الحصول على بعض المكاسب الحزبية وحسب. وبالتالي، ليس مستبعداً أن نسمع قريباً بأسماء؛ كانتون مهاباد، وكانتون أورمية وكانتون كرمانشاه وإيلام…الخ في كردستان إيران!
ربما يقول قائل: “لكن الجناح العسكري للعمال الكردستاني قتل 15 جندي ايراني قبل أيام؟!”. كذلك الآلة الإعلامية التابعة للعمال الكردستاني، في بداية الثورة السورية على نظام بشار الاسد، كانت مع الثورة وضد نظام الأسد. لكن بعد مضي 6 اشهر أو أكثر، بدأ الخطاب الاعلامي لحزب العمال يطعن في الثورة ويشكك فيها…، في محاولة تبرير العلاقة والتنسيق مع نظام الأسد! وعليه، شن هجمة على مخفر او ثكنة أو مركز عسكري ايراني، لا يعني ان العلاقة بين طهران والكردستاني قد انقطعت تماماً، وأن الحرب بين العمال الكردستاني ونظام ايران هي حرب دائمة واستراتيجية.
هذا الرأي التحليلي، لن يعجب الكثيرين، بخاصة انصار العمال الكردستاني. لأن رأيي السابق “انتهاء صلاحية سلاح PKK” لقي هجوماً عنيفاً من انصار الاتحاد الوطني والعمال الكردستاني في السليمانية وأوروبا. هو مجرّد رأي وافتراض وتكهّن لما قد يجري، خشية أن تكون القضية الكردية في ايران هي الضحية الثانية لسياسات وتحالفات العمال الكردستاني المشبوهة، بعد أن كانت القضية الكردية في سوريا هي الضحية الاولى.