مستقبل الكورد في سوريا بعد هزيمة داعش
د. زارا صالح
يقول الإعلامي الأميركي الشهير ومؤلف كتاب “معجزة الكورد” ستيفن مانسفيلد معلقا على ما يجري في منطقة الشرق الأوسط ودور الكورد في محاربة الإرهاب: “مع بدء إدارة الرئيس دونالد ترامب مهامها، والقضاء على داعش في المنطقة، تقترب منطقة الشرق الأوسط من لحظة تاريخية وهي اعلان دولة كوردستان”. من جهة أخرى تدرس بريطانيا من خلال مراكز الأبحاث والدراسات الاستراتيجية وبالتنسيق والتواصل مع مراكز سياسية بحثية أمريكية حول امكانية قيام دولة كوردية في سوريا وفرص نجاحها وتأثير ذلك على الدول الإقليمية، وضمن هذا السياق في بعده المستقبلي يؤكد السياسي البريطاني وعضو البرلمان الأوروبي تشارلز تانوك في تغريدة على صفحته: “إذا كان هناك شعب يستحق أن يقرر مصيره وأن يكون له دولة مستقلة، فيجب أن يكون الشعب الكوردي، وأن بريطانيا وعدت الكورد بذلك في عام1920”.
أن المناخات الدولية والعوامل الخارجية اليوم هي الأكثر ملائمة لتحقيق الحلم الكوردي في اقامة الدولة المستقلة حتى وان لم يكن في الأجزاء الأربعة من كوردستان، لكن الأهم من كل ذلك هو أن يتخذ الكرد قرارهم التاريخي في هذا الوقت وهذه المرحلة، وهل بإمكانهم القيام بهذه الخطوة في ظل الدعم الدولي لهم.
بالنسبة لكورد سوريا وطموحاتهم في حكم ذاتي ضمن اقليم فيدرالي شبيه بتجربة كوردستان العراق، نطرح التساؤل التالي وهو هل يمتلك الإقليم الكوردي موارد وبنية اقتصادية قوية تؤهله لاكتفاء ذاتي لضمان استمراريته؟
الإقليم الكوردي في سوريا والذي يشمل المناطق الشمالية والشمالية الشرقية من الجغرافيا السورية تبلغ مساحته حوالي 24 ألف كم مربع (ضعف مساحة لبنان) ويمتلك العديد من الثروات الغنية مثل النفط والذي بلغ انتاجه اليومي قبل الثورة السورية حوالي 250 ألف برميل اضافة إلى الغاز. أما في مجال الزراعة، فيبلغ انتاج تلك المناطق حوالي 1.4 مليون طن من القمح و273 ألف طن من القطن، ويوجد في منطقة عفرين حوالي 15 مليون شجرة زيتون، هذا عدا عن الثروة المائية وعشرات السدود التي تشكل حوالي نصف الثروة المائية في سوريا. وفق هذه المعطيات فإن الايرادات المالية السنوية من تلك القطاعات قد تتجاوز العشرة مليار دولار على أقل تقدير، وهذا بطبيعة الحال يشكل عاملا اقتصاديا وذاتيا هاما في الحفاظ على استقرار الإقليم.
بالتوازي مع العوامل التي ذكرناها أنفا فإن الشق السياسي في هذا الإطار والمتعلق بالتيارات الكوردية المتعددة والمختلفة التي تتبنى برامج سياسية حول مستقبل القضية الكوردية في سوريا، تتوافق في اطارها العام حول الطرح الفيدرالي وتأسيس إقليم كوردي على أساس استقلالية ذاتية بالشراكة مع المكونات الأخرى المسيحية والعربية السنية، ضمن صيغة سوريا الدولة الاتحادية التعددية اللامركزية.
تشكيلة القوى السياسية الكردية تحمل طابعا ليبراليا علمانيا، ورغم ضخامة العدد لتلك الأحزاب، نجد هناك كتلتين رئيسيتين، أولا هناك حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يمتلك قوة عسكرية “قوات حماية الشعب، قوات حماية المرأة” وهي العمود الأساسي لقوات سوريا الديمقراطية، والتي تعتمد عليها أمريكا والتحالف الدولي في محاربة داعش، وهذا التيار يتبنى فلسفة زعيمه (أوجلان) وفكر حزب العمال الكوردستاني حول أخوة الشعوب ومشروع الأمة الديمقراطية لعموم الشرق الأوسط، ويدير حاليا المناطق الكوردية. رغم خلو برنامجه من الطرح القومي إلا أنه يُتهم من قبل تركيا ونظام الأسد وحتى المعارضة السورية بأنه حزب انفصالي يسعى لتقسيم سوريا واقامة كيان كوردي، لكنه في حقيقة الأمر أعلن عن (فيدرالية الشمال السوري) بالشراكة مع بقية المكونات. أما الطرف الأخر وهو المجلس الوطني الكوردي المنضوي ضمن الائتلاف الوطني السوري، ويدعمه إقليم كوردستان العراق، أيضا يتقاسم الطرح السياسي مع حزب الاتحاد الديمقراطي حول الفيدرالية، لكنه يطالب بفيدرالية جيوسياسية للمناطق الكردية وفق مبادئ حق الشعوب في تقرير مصيرها بما فيه الاستقلال، وهو لا يمتلك قوة عسكرية على الأرض، لكنه ينادي بعودة ” بيشمركة روج ” إلى المناطق الكوردية في سوريا ،وهؤلاء هربوا من نظام الأسد وانشقوا عن جيشه ولجأوا إلى كوردستان العراق حيث تم تنظيمهم ضمن قوات البيشمركة وعددهم حوالي ثمانية آلاف مقاتل.
حقيقة القول إن المعارضة والنظام تتوافق رؤيتهما حول القضية الكوردية في سوريا، فكلاهما يرفضان الفيدرالية والحقوق القومية الكوردية، ويعتبرونها خطا أحمر وتقسيما للبلد، وكذلك الأمر بالنسبة لدول مثل تركيا وإيران التي ترفض وتحارب فكرة الدولة الكوردية في سوريا أو حتى حكم ذاتي، خوفا من تأثيراتها على الكورد في تلك الدول. هذا الموقف العدائي للحقوق الكوردية، يقابله تشجيع دولي ضمن خرائط الشرق الأوسط الجديدة بعد انتهاء سايكس بيكو لنجد الأميركيين والروس ودول الاتحاد الأوروبي تتناول في خطابها ومشاريعها حول أحقية الكورد في سوريا بالحصول على استقلالية ذاتية في مستقبل سوريا كضمان لهم ولبيقة الأقليات بعد عقود من الظلم والتهميش، لهذا تتعالى الأصوات الكوردية السورية في وجوب أن تتحول سوريا العروبية ذات حكم الحزب الواحد إلى دولة فيدرالية ديمقراطية، وأن يتم مناقشة هذا الطرح في مفاوضات جنيف، وأن يتم إدراج الحقوق القومية الكردية، وحقوق بقية الأقليات ضمن دستور سوريا القادم، ورغم صعوبة كل ذلك، وتقاطع الفكر السوري المعارض مع ثقافة حزب البعث نحو رفض الحديث عن حقوق الأقليات، واعتبارهم الكورد انفصاليين وليسوا أصحاب حقوق، يحتاج الكورد إلى لملمة صفوفهم وتأسيس منصة كوردية مستقلة لهم، تشارك في مفاوضات جنيف كطرف معارض يجد أن سوريا تحتاج أن تكون دولة فيدرالية كضمان لحقوق الكورد وبقية الأقليات ومنعا من تكريس النظام الديكتاتوري وثقافاته من جديد.