مستنقع كردستان وقانون نيوتن الثالث
ديفيد اغناتيوس
في الأزمة الدائرة حالياً حول كركوك، يعاني الأكراد العراقيون من نسخة مؤلمة من قانون نيوتن الثالث، وهو أنه في سياسات الشرق الأوسط، كما هي الحال في الفيزياء، «لكل فعل رد فعل، مساوٍ له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه».
تمثَّل الفعل الأساسي في قرار رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني الشهر الماضي بالمضي قدماً في إجراء الاستفتاء على الاستقلال المثير للجدل، على الرغم من التحذيرات الشديدة اللهجة الصادرة عن الولايات المتحدة، وتركيا، وإيران، والحكومة المركزية في بغداد، بأن استفتاء 25 سبتمبر (أيلول) سيأتي بنتيجة عكسية.
جاء رد الفعل المعاكس يوم الاثنين، بسيطرة القوات العراقية – بدعم من الميليشيات الشيعية – على قاعدة عسكرية رئيسية وحقول نفط في المنطقة المحيطة بكركوك، وهي منطقة كانت خاضعة لسيطرة ميليشيات البيشمركة، وأعلنت بغداد السيطرة عليها مؤخراً. وواجهت الولايات المتحدة مأزق رؤية صديق يرتكب خطأ فادحاً، وصديق آخر ينتقم.
وصف بعض المسؤولين في حكومة بارزاني في أربيل التحرك العراقي بأنه «هجوم عسكري»، فيما أفاد بيان القيادة المركزية الأميركية – التي تراقب العمليات في العراق – بوجود «تحركات منسقة، وليست هجمات». وقال مسؤول في القيادة المركزية الأميركية إن التقدم العراقي جرى تنظيمه في مناقشات مع الاتحاد الوطني الكردستاني. (يعد حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي يتخذ من مدينة السليمانية مقراً له، منافساً تاريخياً للحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يهيمن عليه بارزاني والذي يتخذ من أربيل مقراً له).
ودفع حلفاء بارزاني بأن إيران خططت سراً لمعركة كركوك. وشارك مسؤول أميركي عن كثب في السياسة التي وصفت هذا الادعاء بأنه «معلومات مضللة». وفي حين تزداد احتمالية أن طهران وحلفاءها شجعوا رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي على التحرك صوب كركوك، قال مسؤولون أميركيون إنه كان قرار العبادي، وإنه ربما كان سيواجه معارضة عراقية شديدة إذا لم يرد بقوة على الاستفتاء ومحاولة الانفصال.
وتناول بيان صادر قبل أسبوعين عن المرجع الأعلى علي السيستاني، وهو رجل دين معتدل يحاول مقاومة التدخل الإيراني، مدى اتساع نطاق الانتقاد العراقي للتحرك الكردي نحو الاستقلال. لقد رفض الاستقلال بوصفه «محاولة لتقسيم العراق واحتلال الجزء الشمالي منه عبر إقامة دولة مستقلة». ولأنه دائماً يدعو لحفظ التوازن، حث السيستاني بغداد على «مراعاة حقوق الأكراد الدستورية».
وبعد تحذيرهم بارزاني من إجراء الاستفتاء، شعر المسؤولون الأميركيون بالانزعاج من استمراره على نهجه تحت أي ظروف. وانتقد وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون يوم 29 سبتمبر التصويت «أحادي الجانب»، واصفاً نتائجه بأنها «تفتقر إلى الشرعية». وقبل إجراء الاستفتاء، اقترح تيلرسون «خريطة طريق» بديلة للمناقشات من أجل حل التوترات القائمة بين بغداد وأربيل، إلا أن هذا النداء الصادر في اللحظة الأخيرة قوبل بالرفض، حسبما يقول المسؤولون الأميركيون.
لقد كان لسوء التقدير الكردي عواقب مؤسفة، لكن في بعض الأحيان في الشرق الأوسط، تمهد الأخطاء الطريق أمام إجراء مناقشات جديدة، ويأمل المسؤولون الأميركيون في أن ينطبق ذلك الأمر على أزمة كركوك. وقد عمل المسؤولون الأميركيون يوم الاثنين على وضع تدابير أمنية مشتركة، للحد من التوترات بالقرب من حقول النفط في كركوك، بحيث تستمر في الإنتاج، ولمشاركة المعلومات على أرض الواقع، ومواجهة التقارير التحريضية التي من شأنها تصعيد الصراع. ويأمل المسؤولون في أن تكون هذه الاتصالات العسكرية والاستخباراتية الأولية بمثابة مقدمة لمناقشة سياسية أوسع نطاقاً تشمل بارزاني والعبادي.
وقال مسؤول عسكري أميركي رفيع المستوى: «الولايات المتحدة تريد أن تكون وسيطاً نزيهاً بين الجانبين». وحذر من أنه في حال عدم تسوية التوترات قريباً، فإن المعركة قد تقوض الموقف العراقي – الكردي المشترك ضد تنظيم داعش الإرهابي، الذي يبدو أنه يدخل مرحلته الأخيرة. وأضاف المسؤول: «قد يستهلك هذا الأمر الكثير من الطاقة، ويضيع علينا الزخم بعدما بات (داعش) في حالة فرار».
ربما لا تكون إيران متحكمة في كل خيوط العراق، لكنّ لها وجوداً حاسماً هناك، وستستفيد من المعركة بين العبادي والأكراد. هذه هي المفارقة التي تدعو إلى الأسف في صراع كركوك؛ ففي أسبوع سعت إدارة الرئيس ترمب فيه لشن حملة جديدة لمواجهة السلوك الإيراني تجاه الإقليم، يجب على المسؤولين الأميركيين أن يحاولوا إخماد الهيجان المفاجئ بين شريكين رئيسيين للولايات المتحدة في العراق، وهو أمر أكثر مدعاة للإحباط؛ لأن صناع السياسة في واشنطن توقعوا حدوث ذلك.