مسعود بارزاني … وملاحم الثورات الكوردستانية
زهــرة أحمــد
كانت الثورات لتكون الجبال شامخة، جبال كوردستان الثورية، في ثناياها إضاءات أزلية من ملاحمنا البطولية، عبق من دماء الشهداء، وسطور مجد نحتت في التاريخ بتضحيات البيشمركه وقائدهم الأسطوري، كانت ولاتزال عنوانا لحريتنا في عمق التاريخ النضالي، حمت وجودنا من إبادات متكررة من صانعي الاستبداد ومضطهدي الشعوب، وبقيت شامخة بشموخنا الأبدي.
البارزانية.. قيم وتضحية، نضال مستمر وإخلاص للقضية، تعايش وإنسانية متدفقة.
عانقت شموخ الجبال ونحتت بين قمم المجد عنفوانها، ولدت من رحم البطولة، من قلعة صامدة تحدت غدر الاستبداد، كانت بيئة خصبة لتنبت نظرية الثورات بمبادئها الرصينة ثمار الانتصار الخالد.
من بارزان.. مهد الثورات وحركات التحرر الكوردستانية، تلك الجغرافية الصامدة التي حرقتها نيران الدكتاتوريات أكثر من عشرين مرة وبقيت عنوان وقضية.
بارزان : قلعة الصمود ومنارة للقومية والثورات المتقدة أبداً.
ارتبط اسم البارزاني ارتباطاً وثيقا بكوردستان، الاسم الأكثر إشراقا على صفحات التاريخ النضالي لتمتد دورة النضال القومي إلى مهاباد، فكان جنرالاً قاد قواتها المسلحة ببسالة.
كان يقرأ الحرية في أبجدية الجبال، كما يفك رموز الشيفرات السياسية في اتفاقيات السلام. يقول البارزاني الخالد: إن عقيدتي هي تحقيق مطالب شعبي وأن أفدي روحي في سبيل قضيتي .
استطاع الخالد وفي أعقد الظروف وأشدها استبداداً أن يحقق مكتسبات للشعب الكوردي في مدارات السلام، راسخا ركائز الحرية، فكان قائد السلام والتآخي.
الدكتاتوريات التي قسمت الخريطة الكوردستانية، صادرت الحياة وكل حرياتها. فوهات مدافعها نطقت بالدمار، وعقولها لم تعرف سوى قواميس الاستبداد، لكن؟
الشعب الكردي لم ينحن لحملات الإبادات الجماعية ولا للكيماوي والسياسات الشوفينية، وإحصائيات التجريد من الجنسية وحزام التعريب، في محاولاتها لطمس الهوية والقومية الكردية تتريكا وتفريسا وتعريبا، ولا للإعدامات اليومية والمؤامرات الإقليمية بمباركاتها الدولية. تحطمت كل العبثيات أمام إرادة الشعب الكوردي، الذي لم يعرف الخنوع في قاموسه النضالي، بل ثار وناضل متخذاً من الجبال مقراً، ومن مشروعية الحقوق القومية إيمانا راسخا ونهجا خالداً.
من ثورة إلى ثورة والتاريخ يزهو بالثورات، من أيلول الثورة إلى أيلول الاستفتاء أبجدية الجبل في طور النضال.
الرئيس مسعود بارزاني كقائد للحركات التحرر الكردستانية، حقق مع البارزاني الخالد ومهندس المصالحة الوطنية إدريس البارزاني والبيشمركه الأبطال ملاحم بطولية وملامح دولة كوردستان.
كبيشمركة بطل شارك في ثورة أيلول المجيدة، قاد مع إدريس بارزاني ثورة كولان التقدمية، وفي انتفاضة آذار رسخ البطولة في عرين المجد، وكزعيم قاد ثورة الاستفتاء.
بعض من المحطات البطولية للبيشمركة الأسطورة مسعود بارزاني والتي شكلت دعائم دولة قادمة، تستحق أن تدون في كتب ومجلدات وتدرس للأجيال دروس التضحية والفداء، بل تكتب في سجلات الخلود.
ثورة أيلول المجيدة:
انطلقت شرارة الثورة في عموم كوردستان، ثورة الشعب الكوردي بمكوناته وشرائحه كافة. حملت بين طياتها آمال الشعب الكردي، تخطت الحدود المحلية إلى آفاق دولية، بثت المفاهيم العميقة للوعي القومي في بيئة كوردية ظامئة للحرية، متجاوزة كافة الولاءات التقليدية ليكون الولاء للشعب والقضية.
اندلعت ثورة أيلول التحررية بزعامة البارزاني الخالد (1961 – 1975)، كرد فعل على سياسة الحكم الفردي الاستبدادي والعنف الرجعي والسياسات الشوفينية التي انتهجتها السلطات الحاكمة في بغداد، ومصادرتها للحقوق القومية للشعب الكردي.
تخطت جغرافيا الاتفاقيات المؤامراتية، لتعانق بنضالها المشرف قمم الجبال، نهج البارزاني الخالد وقيمه السامية أضاءت سمو الثورة ورفعتها.
يقول الرئيس مسعود بارزاني: “أعظم ثورة للشعب الكوردي عبر معاناته التاريخية الطويلة، هي بحق أم الثورات لأنها رسمت للشعب الكوردي مساراً تاريخيا جديدا”.
كان يوماً تاريخياً، هكذا سماها الرئيس مسعود بارزاني، عندما التحق بالبيشمركه وهو لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره، حاملا شرف البيشمركايتي حتى الآن.
يصف ذلك اليوم في كتابه البارزاني والحركة التحررية الكوردية في جزئه الثالث قائلا: ” لقد أصبحت واحداً من البيشمركة في يوم 1962/5/20 وأعطوني بندقية من نوع “برنو” فشعرت في ذلك الوقت أنني أملك العالم كله، وكنت أحب سلاحي وأخدمه أكثر من نفسي” وعندما أتحرك من أجل الاستفتاء في الوقت الحاضر، أشعر بأنني يافع أكثر من ذلك الوقت” .
كان لثورة أيلول من دروس النضال نهج وأبجدية، وهي ترسم عبرهما الخطوط العريضة لحقوق مشروعة ماتزال تشكل خارطة النضالين العسكري والسياسي وأصولاً للديمقراطية وأسساً للتعايش السلمي.
ثورة الشعب الكوردستاني التي استطاعت بقيادة القائد البارزاني الخالد وبطولات البيشمركه أن تحقق أعظم إنجاز من انجازات الثورة بتوقيع اتفاقية 11آذار 1970 كأول وثيقة قانونية التزمت الحكومة بموجبها بالحقوق القومية للشعب الكردي، وشكلت اللبنة الأساسية لما حققته الثورات اللاحقة من ركائز متينة وملامح دولة قادمة.
بالإضافة إلى الإنجازات العسكرية، فقد كانت القيادة الحكيمة للثورة لا تترك أية فرصة للتفاوض مع الحكومات المتعاقبة على الحكم في بغداد لتحقيق إنجازات سياسية قانونية، حيث تلازم النضالان العسكري والسياسي معاً في ثورة أيلول والثورات اللاحقة لترسم نهجا نضاليا أصبح نبراسا للحرية والسلام.
كان الرئيس مسعود بارزاني عضواً في الوفد المفاوض لثورة أيلول مع الحكومة العراقية، وعندما تمت قراءة اتفاقية 11آذار التي وقعت بين الثورة والحكومة العراقية كان مسعود بارزاني حاضراً مع شقيقه إدريس البارزاني وشاهدا على أول إنجاز قانوني سياسي للشعب الكردي.
استطاعت ثورة أيلول أن تؤسس مدرسة نضالية كبرى بين صفوف الشعب الكوردي المتمثلة بقوات البيشمركه الأبطال في استمرارية ديمومتها حتى ثورة الاستفتاء.
دونت أحداث ثورة أيلول بكل تفاصيلها النضالية من قبل الرئيس مسعود بارزاني الذي كان في العمق البطولي للثورة في كتاب “البارزاني والحركة التحررية الكوردية، الجزء الثالث” الذي أصبح مرجعا لكل من يريد التعرف على العظماء.
ثورة كولان:
أشرقت كولان بثورتها المتقدة لتكمل منجزات ثورة أيلول، فكانت شرارة النضال في 1976/5/26
ولدت كولان من رحم أيلول لتكمل مسيرة النضال المشرف، فكانت ردا ثورياً على اتفاقية جزائر المؤامراتية وكل المؤامرات الإقليمية والدولية التي حاولت إخماد عنفوان أيلول.
قاد الثورة الرئيس مسعود بارزاني ومهندس المصالحة الوطنية إدريس بارزاني، وتمكنا من تنظيم صفوف البيشمركه وانتشارها في المناطق الحدودية، وامتداد تنظيمات الحزب الديمقراطي الكوردستاني في كل المدن والبلدات، وتشكيل جبهة سياسية وعسكرية، وتوحيد صفوف المقاومة الوطنية بالتضامن مع قوى التحررية الكوردستانية الأخرى، كل ذلك خلق واقعا سياسيا وعسكريا جديدا مهدت للانتفاضة الشعبية المباركة في آذار 1991 استكمالا لسلسلة الإنجازات الثورية مضيفة دعامة أخرى من دعائم الدولة الكوردية.
انتفاضة آذار المجيدة:
أكملت موقعة كورى مجد أيلول وكولان وأضافت سطورا بطولية لسجل النضال الكوردايتي للبيشمركه مسعود بارزاني الذي غير مجرى الأحداث والتاريخ.
كانت انتفاضة آذار بداية مشرقة، وضعت نهاية للهجرة المليونية ومسلسل المآسي وأجبرت الحكومة على التفاوض.
الرئيس مسعود بارزاني كبيشمركه لم يترك ساحات القتال، رافعا شعار “يان كوردستان يان نمان”. وكسياسي كان له الدو الريادي في الدفاع عن الحقوق القومية للشعب الكوردي، فكانت الفيدرالية أحد ملامح دولة قادمة، ولتكون المادة 140 من الدستور الاتحادي خارطة طريق كوردستانية وقلب كوردستان النابض كما أسماها البارزاني الخالد.
في نيسان 1991 ترأس البيشمركه مسعود بارزاني الوفد الكردي الذي كان مؤلفاً من جميع أحزاب الجبهة الكردستانية للتفاوض مع حكومة بغداد، وكان له دور رئيس في معظم الأحداث السياسية في العراق الجديد وفي تأسيس مجلس الحكم العراقي في 31 تموز 2003 ثم أصبح عضوا فيه وفيما بعد رئيسا له.
وفي “12 حزيران 2005” أشرقت شمس كوردستان بانتخاب البيشمركه مسعود بارزاني كأول رئيس لإقليم كردستان.
ثورة الاستفتاء :
بمناسبة الذكرى السادسة والخمسين لثورة أيلول، قبل إشراقة ثورة الاستفتاء بأسبوعين، وجه الرئيس مسعود بارزاني رسالة يقول فيها:
“الذكرى تمر هذا العام قبل اسبوعين فقط من موعد قيام الشعب الكوردستاني بإبلاغ العالم أجمع بقراره بالاستقلال والحرية وزف البشرى لثورة أيلول وجميع ثورات وانتفاضات الشعب الكوردستاني وقطف ثمار التضحيات والصمود الذي قدمه”.
إن الشعب الكوردستاني يقوم الآن بثورة “نعم للاستقلال” وسيسجل في 25 من ايلول الجاري “تاريخا جديدا”.
“ثورة أيلول وجميع ثورات وانتفاضات الشعب الكوردستاني كانت تهدف جميعا الحرية والاستقلال”. “وجوب أن يستمع العالم بأسره للصوت المطالب بالحرية ويجب سماع صرخات 182 ألف من المؤنفلين من قبل أوساط صناع القرار في العالم ويجب أن يسمع العالم أنين 5 آلاف شهيد وعشرات آلاف المصابين من آهالي حلبجة وعليه أن يسمع صرخات 8 آلاف بارزاني مؤنفل و12 ألف شاب كوردي مغيب، “أصوات الشهداء وذويهم ستصبح “نعم للاستقلال” وفي 25 من أيلول ستدق هذه الأصوات أبواب الضمير العالمي بأجمعه”.
تألّق البيشمركه مسعود بارزاني من بيشمركه بطل شارك في ثورة أيلول بقيادة البارزاني الخالد إلى بيشمركه قاد ثورة الاستفتاء لشعب أراد أن يقرر مصيره بنفسه في دورة تاريخية نحتت مشروعيتها سياسيا وقانونيا.
من بطل ميداني في جبهات القتال جعل من اسم البيشمركه سفيراً عالميا للنضال والحرية، إلى سياسي حكيم رسم بـ ” بلى ” في الاستفتاء ملامح دولة قادمة، راسخا مبادئ السلام والتأخي والتعايش السلمي وأسمى معاني الإنسانية، مترجما مبادئ وقيم ثورة أيلول في قاموس أيلول الاستفتاء، ليقرر الشعب مصيره بنفسه في دولة بدأت ملامحها بالنضوج بالرغم من كل العوائق الإقليمية والدولية ومعادلات المصالح والمؤامرات التي لم تتوقف عن بث سمومها العبثية في فضاءات السلام. كل رواسب الماضي بأحقادها والاجندات الاقليمية بكل معيقاتها لم تستطع أن تخدش الحلم الكوردي في طريقه الى التحقيق.
زاخو عروسة كوردستان، احتفلت بتحريرها في أيلول بقيادة البارزاني الخالد تجدد الوفاء كسائر مدن وبلدات كوردستان لدماء الشهداء، وتعاهد الرئيس مسعود بارزاني بأن تبقى زاخو قبلة الشموخ.
زاخو وعدت أن تقول “بلى” للاستفتاء كما كل جغرافيا كوردستان، تقديرا لتلك الدماء الطاهرة التي روت ربيع زاخو في أيلول وكولان وآذار، وعلى جسر دلال كما جبال كوردستان وكهوفها نحتت عنوان البطولة والتضحية اللامتناهية.
يقول الرئيس بارزاني في زاخو في خطابه التاريخي في كرنفال الدعم لاستفتاء الاستقلال بتاريخ 2017/9/14:
” نحن لا نهدد أحداً ولا نحب إراقة الدماء، ولكن من يريد إلحاق الأذى بكوردستان فليأتِ إلى الميدان. كل من لديه غيرة لن يقبل بالتبعية لغيره، ولم يعد هناك وجود لسايكس بيكو ولوزان، وشعب كوردستان هو من سيقرر مصيره بعد الآن.
بوجود إرداة الشعب الكوردي، فإن الاستقلال مضمون. إرادة أهلنا في زاخوكا دلال تكفي كوردستان كلها” .
تنازل الرئيس عن الرئاسة:
موقف فريد لا مثيل له في التاريخ، يتنازل الرئيس مسعود بارزاني عن الرئاسة ويرفض تمديد فترة الرئاسة مفضلا أن يبقى بيشمركه كما كان دائما، قائلا بكل اعتزاز :” كنت بيشمركه وسأبقى بيشمركه”
ليصل بقيمه النضالية والانسانية الى درجة الرفعة والسمو.
وجه رئيس إقليم كردستان، مسعود برزاني، يوم الأحد 29 / 10 / 2017 رسالة إلى برلمان كردستان. قال في رسالته التي بدت فريدة من نوعها، لن يكررها التاريخ: “بعد الأول من نوفمبر/تشرين الثاني، لن أستمر في هذا المنصب، وأرفض الاستمرار فيه، ولا يجوز تعديل قانون رئاسة الإقليم، وتمديد عمر الرئاسة”.
“أنا كمسعود برزاني، سأستمر كأحد مقاتلي البيشمركة مع جماهير شعبنا وأعزائنا البيشمركة في النضال للحصول على حقوق شعبنا والمحافظة على مكتسبات شعبنا”.
مسعود بارزاني من رئيس اقليم كوردستان الى قائد الامة الكوردية ومرجعيتها السياسية.
استطاع بسياسته الحكيمة، أن يجعل اسم كوردستان مشرقا في السياسة العالمية، وجزءاً من خارطة الشرق الأوسط الجديد، قاد جبهات القتال دفاعا عن حقوق شعبه ومكتسباتهم الثورية مفضلا الشهادة في سبيل كوردستان.
عندما يقول الرئيس مسعود بارزاني أنا أغنى رجل في العالم، وثروتي الحقيقية هي محبة ودعم 48 مليون كوردي”، ونحن فخورون بأن حب البيشمركه مسعود بارزاني يتربع على عرش قلوبنا جميعا.
البيشمركة الأسطورة مسعود بارزاني، فداك أرواحنا، نحن على العهد والنهج مستمرون أبداً .
جميع المقالات المنشورة تُعبر عن رأي كتابها ولاتعبر بالضرورة عن رأي Yekiti Media