آراء

مسيحيو بيت نهرين في عهد الاتحاد المللي

إعداد: أنطون قس جبرائيل

ستوكهولم – السويد 2023

..تتمة العدد السابق:

أما فارس عثمان فيقول في كتابه (الكرد والأرمن العلاقات التاريخية):

” ويتمتع الأرمن والمسيحيين بشكل عام بالأمان والإطمئنان طالما كانوا في حدود منطقة العشائر المللية، حيث كانوا يلقون المعاملة اللائقة عندما ينتقلون من ويرانشهر ومن أريافها إلى مضارب خيام البدو ومنها إلى ويرانشهر وهم يبيعون الأعلاف والدهون” .

وتفيد المرويات الشفهية المتواترة التي يتناقلها أحفاد سكان ويرانشهر بأن الحياة لم تكن مختلفة عن حياتهم في ماردين ومحيطها فقد حافظوا على عاداتهم وتقاليدهم ومآكلهم ولباسهم وحتى أغانيهم وأهازيجهم ، وعملوا بمختلف الأعمال الحرفية كصناعة المنتجات الحريرية والصوفية والملابس الجلدية ، وتاجروا بالمنتجات الزراعية والحيوانية .

وعندما احتج اهالي ديار بكر وأرسلوا العديد من البرقيات إلى الباب العالي كانت إحدى التهم الموجهة لإبراهيم باشا انه كان يساعد الثوار الأرمن على الهرب إلى مصر وأوروبا بدلاً من قتالهم .

وعندما طلب أعيان دياربكر مؤازرة المسيحيين لهم رفضوا الإنضمام إلى الحركة المناهضة لباشا الكتائب الحميدية .

والأدلة على حماية إبراهيم باشا للمسيحيين كثيرة ومنها الرسالة التي أرسلها مارك سايكس إلى جريدة التايمز

البريطانية والمنشورة بتاريخ 06/12/1907 وهذا بعض ما جاء فيها:

” لا يمكن الإدعاء للحظة واحدة، بأن إبراهيم باشا كان في يوم من الأيام عدواً للمسيحيين الأرمن، لأنه وخلال أسوأ فترات المذابح في مقاطعتي ديار بكر وأورفة، قام بتوفير الحماية لمئات وآلاف اللاجئين، وفي العديد من المناسبات اللاحقة قام بحماية ومساعدة المسيحيين من مختلف الطوائف… الخ ” .

ثامناً : الإجابة على سؤال البحث

في محاولة للإجابة على سؤال البحث المتعلق بمدى تأثير وفاة إبراهيم باشا المللي وانحسار الدور السياسي للإتحاد المللي على مصير مسيحيي بيث نهرين ، قام البحث بوصف الإطار التاريخي لتلك المرحلة محاولاً تسليط الضوء على وضع مسيحي بيث نهرين خلال مراحل مختلفة من حكم المللين.

وقد أتضح لنا بأن حماية المللين للمسيحيين كانت تقليداً متوارثاً في أسرة الباشات ، توارثوه جيلاً بعد جيل . وخاصة أمير أمراء الكرد إبراهيم باشا الذي أثنى القاصي والداني على حسن تعامله مع الجميع بدون تمييز ، وقد وصفه الأستاذ الإيطالي جيا نكارلوكاسا بعد أكثر من قرن على وفاته بالقول :

” في تاريخ البشرية، كانت هناك شخصيات ميزت نفسها على الرغم من طبيعتها ودورها، عبر أفعال يمكن أن نعتبرهم “رجالاً صالحين” ….. على الرغم من الضراوة التي اعتاد بها هزيمة منافسيه، إلاَّ أن إبراهيم باشا كان لديه شيء من هؤلاء الصالحين العديدين الذين كانوا موجودين في التاريخ لجعل بعض أحلك اللحظات في إنسانيتنا أقل ظلمة “.

وبالتالي ، فإن وفاة إبراهيم باشا عام ١٩٠٨م وإنحسار الدور السياسي للإتحاد المللي كان له تأثير سلبي على مصير المسيحيين في المنطقة ، وأتاح لأعدائهم الفرصة للتنكيل بهم بوحشية. ففي شهري أيار وحزيران من عام 1915م تعرض أهالي ويرانشهر وفق ما ورد بالمراجع المسيحية (الأب اسحق أرملة والأب ريتوريه والملفونو عبدالمسيح نعمان قره باشي) إلى أشد أنواع العذاب والإبادة الجماعية والترحيل القسري.

مع الإشارة إلى أن ابراهيم باشا لم يكن بإمكانه (على الأغلب) فعل الكثير للأرمن لأن السلطة قررت : (جمع جميع الأرمن وسوقهم لولايتي الموصل وسوريا وللواء دير الزور لإسكانهم في تلك البلاد إلى أن تضع الحرب أوزارها) وهذا كان قراراً سيادياً لم يكن بمقدور أية جهة منعه أو تعطيل (مسيرات الموت) وإنما كان يمكن تخفيف آثارها إلى حد بعيد.

أما بالنسبة للسريان الذين لم يصدر بحقهم أي إتهام ولا وجود لأية وثيقة في كامل الإرشيف العثماني تدينهم، ومع ذلك تعرضوا للمذابح ، ولو قيض للأمير إبراهيم باشا البقاء على قيد الحياة ولم ينحسر الدور السياسي للإتحاد المللي لما كانت خسائرهم تصل إلى هذه الحدود الكارثية .

تاسعاً : الخاتمة

لابد من القول إن أهم ما شعر به المسيحيون أثناء حكم الملليين ، بجانب أمنهم واستقرارهم ، واحترام هويتهم ولغتهم وحرية ممارستهم لطقوسهم الدينية ، كان شعورهم بالمساواة مع بقية المكونات السكانية ، وهو الشعور الذي افتقدوه لقرون عديدة ، ولو بقي الأمير إبراهيم باشا المللي حياً والملليين على سطوتهم لكانت أحلك اللحظات في تاريخهم أقل ظلمة .

عاشراً : المراجع :

  • ابراهيم باشا ، محمد علي بك ، أمير أمراء كردستان ، ابراهيم باشا الملّي ١٨٤٥- ١٩٠٨ م

دراسة وتحقيق عبد الفتاح البوتاني وعلي الميراني ، أربيل ٢٠٠٩م .

  • أبوبكر ، أحمد عثمان ، أكراد الملّي وابراهيم باشا ، الآثار الكاملة ، إعداد د. آزاد عبيد صالح .
  • أحمد : أحمد محمد ، أكراد الدولة العثمانية ، تاريخهم الإجتماعي والإقتصادي والسياسي ، أربيل ٢٠٠٩م .
  • أحمد علي : د. آزاد ، الدور السياسي لعائلة ابراهيم باشا المللي في غرب كردستان وشمال بلاد الشام ، ١٥ يوليو ٢٠١٦م .
  • أحمد ، كمال مظهر ، كردستان في سنوات الحرب الأولى ، اصدار ٢٠١٢م .
  • أوبنهايم ، ماكس فون ، ابراهيم باشا أمير بدوي حياته ومماته ، ارشيف أوبنهايم .
  • أكداج ، مصطفى ، كفاح الشعب التركي من أجل السياسة والنظام ( بالتركية ).
  • باروت ، محمد جمال ، التكون التاريخي للجزيرة السورية : أسئلة واشكاليات التحول من البدونة إلى العمران الحضري ، ط ١ ، المركزالعربي للأبحاث ودراسة السياسات ( بيروت ٢٠١٣ م) .
  • ترنون ، إيف ،ماردين ،دراسة تحليلية لإبادة عام ١٩١٥ ترجمة لطيفة عرنوق ،دار نعمان للثقافة ،جونيه لبنان ٢٠٠٨ م ط١ .
  • حاج درويش ، د. نضال محمود ، أكراد سورية في مرآة مصادر الإرشيف العثماني خلال القرن ١٨ للميلاد .
  • رؤوف ، عبد السلام ، رحلة طه الكردي الباليساني .
  • زكار ، د. سهيل ، الموسوعة الشامية في تاريخ الحروب الصليبية ، ج ١١ .
  • زكريا ، أحمد وصفي ،عشائر الشام ، دار الفكر ، ط٢ ( دمشق ١٩٨٣ م ) .
  • زكي ، محمد أمين ، خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التاريخية حتى الآن ، ترجمة محمد علي عوني ، طبعة لبنان١٩٨٥ م .
  • شرابي ، هشام البيئة البطركية ، بحث في المجتمع العربي المعاصر ، بيروت دار الطليعة ١٩٨٧م ( سلسلة السياسة والمجتمع) .
  • عياش ، عبد القادر ، حضارة وادي الفرات ء- مدن فراتية ، دار الأهالي ، دمشق ١٩٨٩م ط ١.
  • علي ، د. عثمان ، الحركة الكردية المعاصرة ، دراسة تأريخية وثائقية ١٨٣٣- ١٩٤٦م .
  • عثمان ، فارس ، الكرد والأرمن – العلاقات التاريخية ، سوريا ٢٠٠٨ م .
  • قره باشي ، عبد المسيح نعمان ،الدم المسفوك ، مجازر ومذابح السريان في ما بين النهرين ، ترجمة المطران ثاوفيلوس جورج صليبا ، ٢٠٠٥ م .
  • القس ، يوسف جبرائيل والياس هداية ، آزخ أحداث ورجال ، تقديم المطران يوحنا ابراهيم – دار الرها حلب .
  • وليامس ، جون فردريك ،قبيلة شمر العربية ، مكانتها وتاريخها السياسي ١٨٠٠- ١٩٥٨م .
  • Joseph Wolff – missionary to the Jews vol 2 – p 241
  • c.Leonard Woolley – dead towns and living men – p185
  • Philip Mansel – Aleppo :the rise and fall of syrias great merchant city p44
  • dr. Joost jongerden & dr. Jelle verheij – social relation in othoman Diyarbakir – p 77
  • Mark Sykes – the times newspaper 06 – 12 -1907 the situation at Diarbekir
  • Layard discoveries in Babylon and Nineveh
  • Mr. Giancarlo casa – Ibrahim pasa il principe curdo che proteggeva I cristani – east jornal 28 – 07 – 2016.

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “324”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى