آراء

مشاهدات بين المونولوج والديالوج للضيف الأحمر ” پـوتـيـن “

عنايت ديكو

– أحياناً تكون لغة البصر وتصرفات الجسد والحركات والإيماءات والمشاهدات والنظرات الاستباقية والانطباعات، أقوى لغة للتعريف والكتابة والتحليل والتأليف والإحاطة. فتكون تصرفات الجسد ولغة الإيماء هي المواطن الأكثر صدقاً وتعبيراً عن مكامن وحقيقة الأشياء، لما تحملها من صفاءٍ ذهني في اللامرئي، وصدقٍ في مداخل القراءات واستخلاصٍ للعوالم الداخلية المنطوية والمختبئة وغير الواضحة. هنا سنقتطف بعضاً من لغة الجسد والمشاهدات التي رافقت زيارة القيصر ” بوتين ” الى فرنسا وتحديداً ” فرساي “.
* أولاً :
– قبل كل زيارة له الى الخارج، يخضع الرئيس الروسي الى امتحانٍ جسدي وبدني ونفسي وحركي كامل، يأتي هذا من أجل محاكاة الوقائع الطارئة والفضاءات في القصور والدهاليز والأروقة والممرات والجدران والمنعطفات التي سيمشي فيها وبها الرئيس الروسي ” فلاديمير بوتين “. وتأتي المخابرات الروسية في قمّة مَنْ تعمل وتُخَطّط لهذه الدورات والأعراف والدبلوماسيات والبروتوكولات، وترافق الرئيس دائماً لوضع اللمسات أو الإضافات الأخيرة على المستجدات والتعامل مع المحيط، وكيفية بناء الشخصية الموزونة المتوازنة لإضفاء الكاريزما المطلوبة على شخصية الرئيس وطرحها بأقوى عناصر القوة للطرف الآخر أو للجمهور أو للشعب العادي . وعبر هذه التدريبات ولغة الجسد والإشارات والإيماءات، يكون الرئيس الزائر قد تَعَرَّفَ على مكان زيارته وهو لا يزال في بيتهِ وقصره.
* ثانياً :
– ” فرساي “، وما أدراكم ما هي فرساي …..!!!. فمثلاً لَمْ يُستَقبل الرئيس الروسي ” فلاديمير بوتين ” في قصر الرئاسة في باريس ” الإليزييه”،! وتَحَوَّلَ محور هذه الزيارة ووجهة استقباله إلى مضافةِ قصر ” فرساي ” الواسع والضخم والكبير والشاسع في المساحات والأجنحة والمقامات والحدائق والأعمدة المتحفية الرخامية الرائعة . في إشارة رمزية الى أن الباب السياسي أمام السيد ” بوتين ” لا زال غير مفتوحٍ على مصراعيه، وان افتتاح المركز الآرثوذكسي والمتحف الروسي في العاصمة الفرنسية باريس لا زال مُبكراً ويحتاج إلى الكثير من الإجابات، ولذا اقتصرت الزيارة الرئيسية على ساعاتٍ فقط.
* ثالثاً :
– عند كل منعطفٍ أو مشيةٍ من الأمتار إلى الأمام، كانت عينا الرئيس الروسي تَتحدَّقان وتُلاحقان مفاتن الفنّ المعماري الفرنسي الرائع والتاريخ الزاهي بالألوان في قصر ” فرساي ” والتي تُبهر المرء من على جنبات الممشىٰ ودهاليز القصور الفسيحة. وكانت نظراته تقع بشكلٍ عام ومفاجئ على الليوانات ورسم الأحصنة والأقواس والزخارف والانسيابات الديكورية الدقيقة في قاع القبب والمتعرجات من الاعلى ، أي أن أكثر مشاهد وحدود رؤيته ِفي مستوى النظر ، كانت تذهب الى الجزء الأعلى من حدود الرؤية المعتادة، وكان رأسه مشدودٌ الى أعلى أكثر من مستواه العادي والأفقي لنظرته وجسده، لأن ” بوتين ” يبقىٰ أولاً وأخيراً، رئيس دولة وهو في زيارةٍ سياسية، وليس زائراً عابراً للمتاحف الفرنسية وتاريخها.!!!
* رابعاً :
– اجتمعت أكثر القراءات والتحليلات على هذه الزيارة في الشكل والمضمون وأنا من بينهم، على أن السيد ” ماكرون ” كان عادياً ومرتاح الوقع والأعصاب والحركة، وكان متزناً في مشيتهِ وأدائهِ وحركاته الجسدية واللغوية، وكان صادقاً في توزيع الابتسامات، ولم يَستعن بالأقلام والأوراق والدفاتر والقرطاسيات كغيرهِ من الرؤساء والمسؤولين، وبالرغم من أنه شابٌ ويمتلك الخبرة القليلة في هذا المجال من الاستقبال والتشريفات الرئاسية والبروتوكولات ، إلا أنه كان لبقاً وحازماً وصريحاً وسياسياً في كل تصرفاته وأجوبته وفي إيصال رسائله بالفاصلة والنقطة إلى الطرف الآخر، وهذا ما خَلقَ ارتياحاً شعبياً كبيراً في الشارع الفرنسي العريض.
* خامساً :
– رصدت الكاميرات والمحللين، الكثير من حركات وانحناءات السيد ” بوتين ” وخرجت في الأخير بأن السيد ” بوتين ” كان في أغلب نظراته عاقد الحاجبين، ومائل الرأس عند سماعهِ كلمة غير مفهومة أو ضبابية، وكان حاجبه الأيمن في حالةٍ تدلٍ مستمرة، منعكسة إشارة عدم الرضىٰ الداخلي مما يجري حوله. وكانت أكمام قميصه الأبيض مختبئة تحت طقمه الأسود بعكس ماكرون، وكأنه أي ” بوتين ” قد خَبَّأ شيء ما في دواخله ولا يريد الإفصاح عنه، وكان ” بوتين ” أيضاً دائم الاستعانة بيده اليمنىٰ ورفعها للأعلى، وكأن شعوره النائم كان يَقول له : طالع الورقة من جيبتك للتحضير. وما كان واضحاً للجمهور أيضاً هو حالتة النابضية والقفزة الناعمة باتجاه الأعلى لمشيتهِ، فبَين كل مترين أو ثلاثة مثلاً، تراهُ وقد رَفَعَ من كتفهِ الأيسر الى الأعلى وكأن النوابض العضلية لجسمهِ ولأرجله قد أخبرته وتقول له : بـوووتين … اصعد قليلاً … لتكون في المستوى المطلوب.
* سادساً :
– سوريا… كانت سورية حاضرة أيضاً بقوة في المؤتمر الصحفي للرئيسين ” ماكرون – بوتين ” وكان المؤتمر حامياً بأدواته وتعبيراته وبنبرة الصوت التي استخدمت في تعريب وتطويع الكلمات والسكوت واللف والدوران والانطواء والتلاعب بالحروف واستخداماتها المتعددة والمتشعبة للأغراض السياسية والدبلوماسية. فمن طرفه كان الرئيس الفرنسي ” ماكرون ” واضحاً في تسديد الهدف، عندما قال : سوريا تقع ضمن مجالنا الحيوي والاستراتيجي وأي استخدامٍ للسلاح الكيماوي ومن كل الأطراف، هو خطٌ أحمر بالنسبة لنا وسنرد عليه بحزم وإن لم يتحرك أحد. بينما الرئيس ” بوتين ” قال : لقد حاولنا وضع اسلوبٍ جديد للتعامل والعلاقات بيننا حول سوريا .
* سابعاً
– في المؤتمر الصحفي في كل إجاباته على أسئلة الصحفيين، كان الرئيس الروسي ” بوتين ” متقمصاً حالةً وشخصية انزوائية ومنطوية، وتَهَرَّبَ من سؤالٍ وُجّه له حول لقائه بـ ” ماري لوبين ” اليمينية الراديكالية قبل الانتخابات الفرنسية. وأيضاً لم يأت ” بوتين ” بشيء جديد للشعب الفرنسي، وكأنه لا يملك شيئاً في يديه ليقوله، لا في مجال الشراكة والعلاقات السياسية بين الطرفين، ولا في مجال المساهمة الجادَّة والفاعلة لمكافحة الارهاب وكيفية محاربة هذه الآفة وطرق معالجتها، ولا في المجال الثقافي أو الاعلامي أو السياحي أو الفنّي. وللتذكير، وقبل وصول ” بوتين ” الى فرنسا، حاولت الوسائل الاعلام الروسية أن ترسل برسالةٍ مضمونها هو أن الفوضى التي تشهدها ليبيا اليوم، هي من صنع فرنسا، وأن فرنسا هي المسؤولة عن هذا الشيء.
* ثامناً
– أخيراً …. فالرئيس الفرنسي ” مانوويل ماكرون ” كان شديد التجاوب والوضوح والحدّة، خاصة مع فريق الإعلام الروسي الذي رافق ” بوتين ” في زيارته الى فرنسا، فعند سؤالٍ من أحد الصحفيين الروس لـ ” ماكرون ” حول عدم السماح للإعلاميين الروس بالتغطية الإعلامية لحملاته الانتخابية ومنعهم من الدخول الى المراكز والحفلات التي كانت تقيمها حزبه، قال له ” ماكرون ” : هل تعلم … ان قناة روسيا اليوم وسـپـوتنيك الاعلامية تقومان بدحض الحقيقة ويختلقون الافتراءات ويمتهنون تزوير الحقائق، ويخرجون كثيراً عن الاخلاقيات المهنية والإعلامية يا عزيزي .؟. وكانت هذه ضربة موجعة للضيف الأحمر وترجمة واضحة وصريحة لخلاصة وعُصارة زيارة هذا الضيف الأحمر القصير والخطير .

جميع المقالات المنشورة تعبر عــن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عـــن رأي Yekiti Media

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى