مشروع الحزام العربي جريمة ضد الإنسانيّة
بهجت شيخو
يعتبر مشروع الحزام العربي من أخطر المشاريع العنصرية التي طبقت حيال الشعب الكُردي في سوريا حيث تسبب هذا المشروع عنوة على استيلاء مساحات واسعة من أخصب اراضي الكُرد في الجزيرة والمتاخمة للحدود مع تركيا بعرض من 10 الى 15 كم وبطول أكثر من 300 كم ومنحها للعرب المغمورين الذين أقدمتهم الحكومات السورية وخاصة البعثية منها من محافظتي الرقة وحلب واستوطنتهم بكامبات نموذجية (مستوطنات) بالجوار من القرى الكُردية الأصيلة.
وهذا الاجراء العنصري جاء عبر سلسلة اجراءات زمنية مختلفة بدأت بالتنفيذ كمرحلة أولى في عهد حكومة الرئيس جمال عبد الناصر من عام 1959 ولغاية 1963 وضمت عشر مستوطنات سبعة منها على حوض الخابور واثنتين في منطقة ديريك والأخرى في منطقة الدرباسيّة ومن ثم تلتها المرحلة الثانية والخطيرة بالتنفيذ من قبل حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا عام 1974 وضمت 36 كامبا او مستوطنة على طول الشريط مع تركيا بدءا من سري كانية (رأس العين) غرباً وانتهاءً بديريك (المالكيّة) شرقاً وذلك بناءً على توصيات أوصى بها بعض المسؤولين الشوفينين العاملين في الدولة ومنهم بالدرجة الاولى محمد طلب هلال ضابط المخابرات في شعبة الأمن السياسي بالقامشلي من خلال دراسة له بعنوان: «دراسة عن محافظة الجزيرة من النواحي القومية، الاجتماعية، السياسية» في عام 1962.
ويعطي هذه الدراسة توصيات تتلخص في الدعوة إلى تجريد الأكراد من أراضيهم ومن جنسيتهم السورية وممارسة سياسة التعريب والتهجير والتجويع والتجهيل بحقهم، وإقامة مستوطنات من سكان عرب (أقحاح).
و كذلك توصيات المؤتمر الثالث لحزب البعث و المنعقد بسبتمبر من عام 1966 حيث ذكر في الفقرة الخامسة منه، والمتضمن ما يلي: (إعادة النظر بملكيّة الأراضي الواقعة على الحدود السوريّة التركيّة، وعلى امتداد 353 كم وبعمق 10- 15 كم، واعتبارها ملكا للدولة، وتطبق فيها أنظمة الاستثمار الملائمة بما يحقق أمن الدولة ) و كما ورد ايضا في نشرة المناضل الخاصة بحزب البعث كانون اول 1966 ( أنّ الأكراد يحاولون تأسيس بلد قومي بمساعدة الامبريالية ومن العاجل جداً أن تتخذ الإجراءات الضرورية لكي ننقذ العرب في المنطقة ) .
وما يلاحظ من خلال تلك التوصيات الانفة الذكر الغاية الحقيقية التي تهدف في جوهرها
لتغيير التركيبة السكانية للشعب الكُردي في هذه المنطقة وتعريبها والدفع بهم نحو التهجير القسري بشكل منظم ووفق اجراءات شوفينيّة مترافقة لهذا المشروع مثل الاستمرار على تجريد مئات الالوف من سكان الكُرد من الجنسية في محافظة الحسكة وعدم منح تراخيص التملك والبناء وغيرها.
وبالفعل تسبب مشروع الحزام العربي العنصري او ما كان يطلق عليه (بالحزام الأخضر) طيلة الخمسين عاما الماضية الى حرمان الالاف من فلاحين الكُرد من حق الانتفاع في اراضيهم ومصادرة آلاف الهكتارات من اراضي ملاكي الكُرد وهذا كان كافيا لهجرة العوائل الكُرديّة الى المدن الكبرى كدمشق وحلب للبحث عن لقمة العيش مما ادى ذلك الى افراغ المنطقة وبنسب متفاوتة من سكانها الأصلاء.
وبالتوازي مع القانون الدولي ومفاهيم التهجير المنظم هل يرتقي هذا المشروع حقيقة الى جرائم حرب بحق الانسانية وهنا اود ذكر بعض الفقرات لدراسة اعدتها قناة الجزيرة بتاريخ 7 / 7 / 2017 حول الهجرات القسرية وهي بعنوان:
(هذا السبب عُدّ التهجير القسري جريمة حرب)
1 – يعرّف التهجير القسري بأنه “ممارسة ممنهجة تنفذها حكومات أو قوى شبه عسكرية أو مجموعات متعصبة تجاه مجموعات عرقية أو دينية أو مذهبية بهدف إخلاء أراض معينة وإحلال مجاميع سكانية أخرى بدلا عنها”.
2 – ويكون التهجير القسري إما مباشرا أي ترحيل السكان من مناطق سكناهم بالقوة، أو غير مباشر، عن طريق دفع الناس إلى الرحيل والهجرة، باستخدام وسائل الضغط والترهيب والاضطهاد.
وهو يختلف عن الإبعاد أو النزوح الاضطراري أو الإرادي، باعتبار أن التهجير يكون عادة داخل حدود الإقليم، بهدف تغيير التركيبة السكانية لإقليم أو مدينة معينة.
و من ثم تستطرق الدراسة لتستنتج ارتقاء التهجير القسري الى جريمة حرب من خلال القانون الدولي:
1 – يعرف القانون الدولي التهجير القسري بأنه إخلاء غير قانوني لمجموعة من الأفراد والسكان من الأرض التي يقيمون عليها، وهو يندرج ضمن جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.
2 – ووفق ما ورد في نظام روما الإنساني لمحكمة الجنائية الدولية، فإن “إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان، متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين يشكل جريمة ضد الإنسانية”.
3 – كما أن المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 حظرت النقل القسري الجماعي أو الفردي للأشخاص، أو نفيهم من مناطق سكناهم إلى أراض أخرى، إلا في حال أن يكون هذا في صالحهم بهدف تجنيبهم مخاطر النزاعات المسلحة .
و في النهاية و بدون شك للتغير الديمغرافي آثار سلبية و مدمرة و يؤثر على الحياة الاجتماعية و الخصوصيات القومية او الدينية للجماعات و يهدد التعايش السلمي و هو منافي جملة و تفصيلا لكافة القوانين و الشرائع الانسانية لذا يتطلب من القوى السورية الديمقراطية و كذلك منظمات حقوق الانسان و الامم المتحدة اتخاذ المواقف الجدية و الواضحة حيال هذا الاجراء الشوفيني العنصري الذي مورس بحق شعب اعزل لإعادة المنطقة الى سابق عهدها و ان أي تسوية سياسة لمستقبل سوريا الجديدة بدون اعادة المغمورين العرب الى مناطقهم الاصلية و تعويض الكُرد عن ما لحق بهم من اضرار طيلة ما يقارب نصف قرن سيبقى التعايش السلمي مهددا كالقنبلة الموقوتة و معرضة للانفجار بأي لحظة.
المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد 263