مشروع 2025 و تأثيره على العالم
جوان ولي
مشروع 2025 هو عبارة عن كتاب مؤلف من 900 صفحة، يتضمّن مجموعة توصيات لشكل الحكومة الأميركية المقبلة بعد إعادة انتخاب ترامب ،و الذي أعدّ من قبل مؤسسة التراث، وهي مؤسسة بحثية وتعليمية مهمتها بناء وتعزيز السياسات العامة المحافظة ومقرها واشنطن.
مؤسسة التراث هي نفسها تلك المؤسسة التي تقوم على تقديم مخططات سياسية للإدارة الجمهورية منذ انتخاب الرئيس رونالد ريكن في عام 1980.
مشروع 2025 هو عبارة عن مقترحات الانتقال السياسي بعد الانتخابات الأمريكية في نوفمبر من هذا العام، بما يعيد تشكيل النظام الفدرالي بشكل مختلف تماماً لتنفيذ أجندات يراها الكثير من المراقبين “متطرفة”.
صياغة أفكار هذا المشروع تمّت من قبل اليمينيين و المحافظين و من ضمن هؤلاء الكثير من المستشارين التابعين لترامب و الموظفين في إدارته السابقة.
من أبرز الأفكار المثيرة للجدل في هذا المشروع بحسب المراقبين هي:
– استبدال الموظفين في الوزارات السياسية
– تفكيك وزارة التعليم وهدم الوكالات الفدرالية
– تكريس صلاحيات الرئيس
– إلغاء التعددية و التنوع
– التراجع عن دعم الطاقة النظيفة و اعتبار التغيير المناخي خدعة و الدعوة إلى توسيع التنقيب عن النفط
– زيادة التمويل لبناء الجدار بين أمريكا و المكسيك لوقف الهجرة
هذا المشروع يتضمّن تغييرات جذرية في وزارات الخارجية و الدفاع و العدل، حيث سيتمّ إقالة آلاف الموظفين الحكوميين و استبدالهم بالمحافظين في وظائف الدولة.
هؤلاء الموظفين المحافظين سيدعمون ترامب و برامجه و سيضمنون تطبيق سياسات محافظة مغايرة تماماً عن السياسات الليبرالية المهيمنة على المجتمع الأمريكي حالياً.
هذا المشروع لن يكون له تأثير على أمريكا فقط، بل سيكون له تأثير مباشر على العالم بأسره حيث وجود خطط يمكنها إعادة المنافسة بين الدول الكبرى لتطوير و زيادة القوة النووية لديها و الانسحاب من اتفاقية الحد من التأثير على البيئة و خطط أخرى تمسّ الوضع العالمي بشكل عام.
ليس فقط في أمريكا و إنما ايضاً في أوروبا هناك تخوف من نجاح ترامب في الانتخابات الأمريكية و تبنيه لهذا المشروع و بالتالي خلط الأوراق حيث أنّ أوروبا تعاني من ازدياد نفوذ اليمين المتطرف و أيضاً من خلال تغيير القواعد المنظمة للسياسات الدولية و التحالفات القائمة حالياً و خاصةً أنّ ترامب آثار خلال فترة رئاسته السابقة الكثير من الامور التي خلقت أجواءً غير مريحة لحلفاء أمريكا في العالم.
الجدير بالذكر أنّ ترامب يحاول أن ينأى بنفسه عن “مشروع 2025” و يرفض وجود أي علاقة له بهذا المشروع، و لكن تحاول حملة هاريس كل ما في وسعها لربطه بالخطة الرامية لتغيير جذري في شكل ونهج النظام الأمريكي و خاصةً أنّ الكثير من المستشارين لترامب مشاركون في إعداد هذا المشروع.
ترامب كتب في شبكته الاجتماعية “سوشال تروث”: “ليس لدي أي فكرة عمن يقف وراء ذلك. لا أوافق على بعض الأشياء التي يقولونها، وبعض الأشياء التي يقولونها سخيفة للغاية وبغيضة. مهما فعلوا، أتمنّى لهم التوفيق، لكن ليس لي أي علاقة بهم”.
فوز ترامب بدورة جديدة سوف يمهّد الطريق لتحويل هذا المشروع إلى حقيقة و سيؤدّي ذلك إلى تعزيز صلاحياته كرئيس بشكل كبير ، و هذا الأمر يخلق حالةً من التوتر عند الكثير من الدول الأوربية، حيث أنّ ذلك يعني فترة قادمة مليئة بمواقف غير متوقعة و مفاجآت لا تتمنّاها تلك الدول.
بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020 التي فاز فيها جو بايدن، بذل دونالد ترامب، الذي كان يشغل المنصب آنذاك، بالإضافة إلى حملته وممثليه، جهداً كبيراً لإبطال الانتخابات. وُصفت محاولات إبطال الانتخابات على نطاق واسع بأنها محاولات انقلاب. روّج دونالد ترامب وحلفاؤه لعدد كبير من نظريات المؤامرة القائلة بأنّ الانتخابات قد سُرقت عن طريق مؤامرة شيوعية دولية وآليات تصويت مزيفة.
أعمال الشغب من قبل أنصار ترامب أدّت وقتها الى مقتل بعض المتظاهرين ، و كان من الممكن أن تؤدّي الى كارثة حقيقية في أكبر الديمقارطيات في العالم لكن عدم وجود قوة كافية لمناصرة ترامب منعته من إحداث مشاكل كبيرة و مؤثرة و لم يستطع منع انتقال السلطة بشكلها السلمي.
عندما نعلم موقف ترامب و طريقة تعامله مع نتائج انتخابات عام 2020 و رفضه الاعتراف بالخسارة و اقتحام المتظاهرين المؤيدين له لمبنى الكونكرس، فإنه يتوجّب علينا تصور ماذا كان من الممكن أن يحصل لو كان لترامب نفوذ يساعده على إلغاء نتائج الانتخابات آنذاك و ما الذي كان يمكن أن يحصل من تغييرات و فوضى في العالم إذا ما فقدت المؤسسات الأمريكية دورها في تنظيم الصلاحيات في أمريكا.
ترامب صرّح أكثر من مرة أنه لن يتقبّل نتائج الانتخابات في حال كانت ليست نزيهة، و هذا يعيدنا الى نفس السيناريو السابق و يعطي انطباع عن طريقة تفكير ترامب و أنه سوف يفعل ما يستطيع لتحقيق ما يريد.
وجود ترامب في الحكم مع تطبيق مشروع 2025 والذي سيحصل ترامب من خلاله على الكثير من الميزات التي ستعطيه صلاحيات كبيرة سيجعل الأمر مختلفاً تماماً و لن يكون هناك انتقال للسلطة في إطارها الطبيعي كما حصل في الدورة الأخيرة و بالتاكيد سوف يستغلّ كافة صلاحياته لنيل ما يريد.
إذا ما تحقّق ذلك فإنّ ذلك سيؤدّي الى ضعف المؤسسات التي تحافظ على الديمقراطية و سيصبح الحال كما هو في الكثير من الدول غير الديمقراطية و لو فكرنا بشكلٍ واقعي فإنّ الأمور قد تتدهّور في وقتٍ قياسي اذا ما تمّ إضعاف دور المؤسسات.
التأثير الكارثي لضعف مؤسسات الدولة التي تحافظ و تنظّم القوانين الخاصة سواءً على مستوى الدول أو مستوى الأحزاب له تبعات سلبية كبيرة حيث تقوّض الممارسات الديمقراطية التي تحافظ على حقوق الإنسان كأفراد أو جماعات.
إنّ غياب دور المؤسسات و تكريس سلطة الأفراد تؤدّي إلى إفشال الديمقراطيات حيث يصبح رأي الشخص المرجعية.ليس فقط على مستوى الدول، بل على كافة الأصعدة و منها الأحزاب السياسية، تلعب غياب المؤسسات القادرة على تنظيم الأمور و تحقيق العدالة في تطبيق القوانين دور مهم في إفشال العمل الجماعي. كما أنّ وجود أشخاص متنفذين غير مؤمنين بالحالة الديمقراطية في مواقع مهمة،، و يكون همهم الحفاظ على مناصبهم في ظل هكذا ظروف، يسهّل خلق الفوضى، و لعل أفضل الأمثلة في الواقع الكُردي هي حالة الانشقاقات في الأحزاب الكُردية حيث أنه و بمجرد عدم تناسب النتائج مع مزاج بعض المتنفذين يتمّ رفضها و عدم تقبل نتائج تلك الممارسات الديمقراطية بخصوص إلانتخابات او اختيار الآليات و هذا يؤدّي بطبيعة الحال إلى الفوضى و الفشل و الانشقاقات.
خلاصة القول إنّ العالم أمام تحديات كبيرة فيما يتعلّق بمشروع 2025 و إنّ هذا المشروع و بوجود شخصية مثل ترامب سيخلق وضعاً استثنائياً يضع الحالة المؤسساتية في أمريكا في مأزق حقيقي، و بما أنّ أمريكا لها مكانتها و تأثيرها في العالم بأسره فإننا بغضّ النظر عن المكان الذي نتواجد فيه سوف نتأثّر بذلك.
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “325”