آراء

منهجية تشويه التاريخ الكوردي

وليد حاج عبدالقادر / دبي
على الرغم من تعدد المدارس التاريخية بأساليبها وطرائقها كما آليات البحث والتقصي فيها ، وكذلك وسائلها التطبيقة والمنهجية ، والأطر / الأسس التي تعتمدها تشاركا مع الهدف او الغايات التي تستهدفها – أصلا – هذه الدراسات من جهة ، وبالإرتكاز أو التأسيس عليها من جهة ثانية كتطبيق عملي متحول للمفهوم الذي يقول ( التاريخ يكتبه المنتصرون ) ولتتحول الى (يفسره المتحكمون) ، ومع كل ذلك وكحتمية تأريخية محققة ، وبعنوان متأصل لصيرورتها البشرية ، والتي على الرغم من كل حالات الطغيان والدمار والإلغاء الدموي.

إلا أن المجموعات البشرية وبطاقاتها العقلية الكامنة ، استطاعت بترميزاتها الخاصة تنصيص واختزال صيروراتها التاريخية وإرثها وليمررها بقداساتها المتحولة بمتغيراتها ، لإستخلاص نتائجها بتكثيفها كمعادلات أشبه بطلاسم لوغاريتمية ، وكشيفرات سهلة وممتنعة ، تحمي لابل وتنمي إرشيفها من خلال حاضنة توفر لها البيئة وآليات خزن ، وكما إمكانيات إعادة شرحها وتوصيف ماحدث ضمنها من سرياليات ، وكذلك إخضاع إحداثياتها لفك وتركيب جديدين تحاكي الزمان والمكان ضمن سياقيته التاريخية ، إن لتعليل الأسباب التي ساهمت أوأنتجت تلك الوقائع كحتمية تاريخية ، أو – ربما – كرؤية جدلية قابلة للنقاش.

وعليه يمكننا التوصيف – وبالتحديد – الآليات والعلوم المساعدة في التشخيص التأريخي العام والكوردي منه بشكل خاص ، وذلك بالإستناد على ابحاث المختصين الكورد ، او مؤرخوا الشعوب المجاورة خاصة ممن ينتمون الى الدول التي الحقت بها أجزاء كوردستان ، أو من – الكوردولوجيين – المنتمين الى دول ومدارس متعددة ، وباختصار ، وبعيدا عن مخاضات الجدل البيزنطي خاصة مع أشباه الباحثين – زعما – في الشأن التاريخي ، لاسيما المؤدلجين منهم ذوي الألقاب الأكاديمية المتخصصة في الشؤون التأريخية زيفا ، ليثيروا السخرية بتعليلاتهم كإنعكاس حقيقي لغايات مسبقة تستهدف الغاء أوتشويه الحقيقة التاريخي.

كل ذلك ينفذ وبإصرار كإنعكاس سيكولجي لعقدة نقص مزدوجة ، اولها معرفي بقياساتها وأدلتها التطبيقية كبرهان ، والتي تتحكم فيهم والثانية بتجييرها وبجبرية تاريخية موصوفة ، لتترافق مع عسف الغائي – فاقع – تهدف للجرجرة الى ـ عصارات تاريخية ـ ومن جديد بانتقائية فظّيعة ، فتندفع كماسحة ممغنطة في سعي الى مسح والغاء الذاكرة كحاضنة كانت لغيرهم ، تلك الذاكرة – رغم كل مخاضاتها – لكنها ما زالت تعمل بكل سلاسة ، وكحاملة لجينات الإرث الشعبي ، تطرح ما اختزنتها من كم نوعي ، وفي الخاصية الكوردية ، ومع أن إرثها وفولكلورها ولعقود طويلة طغى عليها الطابع الشفاهي ، إلا أنها وكإرشيف موثق ومبسط تتالت ملفاتها في الإنكشاف لتعبر عن الماهية وآليات التأسيس ومن ثم الإرتقاء.

وعلى الرغم من المساعي التدميرية للدول الغاصبة ، وفي استهداف صريح ليس للموجود الراهن فقط ، بقدر ماهو الهدف في الأصل وبالتحديد العمق التأريخي ، ومع ظهور نمطيات لتوجهات مؤدلجة ، وكتطبيق تبسيطي من جهة ، وتحويري في الواقع للجدل النظري الحقيقي لسياقية قانون نفي النفي الماركسي كمثال ، واجتزاء ذلك بتفسير وفهم خاصتين لجدلية قانون وحدة وصراع الأضداد ، إلا أن بعض من التوجهات آثرت ، وبدافع حرق المراحل أماما وشطب المخلفات وراءا ، ففضلت وعلى هدي بدايات تدوين التاريخ الذي هيمن عليه بالفعل ما دونه الأقوياء ، في نبذ وتحقير كما والغاء لأي فعل او حضور مميز وفاعل للقديم والأقدم ، الأمر الذي استمر على ذات السياق السابق.

وفي العودة السلسة لتاريخنا الكوردي ، ومع ان الذاكرة الجمعية اختزنت كثيرا من حوادثها وأشارت الى متحولات بنيوية عديدة لامست البناء الميثولوجي وتجليات كما ومتغيرات الوعي البشري لمأسسة ارث ثقافي عال ، ذلك الإرث المتدرج بحمولته والمشبعة بآفاق بنيوية تراكمت لتشكل ميراثا يحمل بين طياته ، وفي طبقات ارضه المتتالية عمقا ، منذ البدايات والتي راكمت عليها ايضا بنى الوعي المتدرج ، هذا الوعي الذي تمنهح في العصور الحديثة ولتدخل في أساس دراسة آليات تشكل الشعوب والأمم ، ومعها مناطق استقرارهم ، وبالتالي أرضهم التاريخية ، وهنا ، وإن كنت لست بصدد الإستعراض التاريخي ، ولكن ما مارستها بعض من الأيديولوجيات ، التي سعت بدراية او جهل إلى هدم الأسس الرئيسة ، وشطب الوعي التأريخي لشعبهم ، وذلك بذريعة الشؤم التاريخي ومسمى الإضرار الفظيع ، والتسبب في الهدم البنيوي تاريخيا للشعب والقضية ، فنصبوا محاكم التفتيش للملا ادريس البدليسي نكاية بأردوغان ، وأدانوا سمكو وقاسملو وو مرورا الى الحفيد والبرزاني وعودة الى النهري والبدرخانيين والجانبولاتيين ، وجرجروا أذيال التاريخ الكوردي المغيّب ، وصولا الى مرحلة صلاح الدين ليتباهوا بها كشهادة حسن لابل وكورقة فقر حال ليثيروا عاطفة بعض من أولئك الجماعات المتأسلمة شكلا ، سواء من العرب أوالترك والفرس.

أولئك الذين اختزلوا الوجود الكوردي كمجموعات متناقضة غير منسجمة تجمعهم الجيرة ومعها تشابهات في اللغة ، ومختلفون فيما بينهم من أين جاؤوا ؟ أو إلى أية فئة ينتمون ؟ وهل هم من الجن أو البشر ؟ .. ولكن !! أو ليس من الإجحاف تلخيص تاريخ الكورد وكوردستان باعتبار الأخيرة مزعومة والكورد مجرد جنود تقدموا متطوعين مع الجيش السلجوقي الذي قاده نورالدين الزنكي ؟ . وفي العودة الى بعض الكلمات التي أصبحت كمصطلحات أساسية أشبه ما تكون كالبصمة الوراثية لبيئاتها ، وبالتالي وكاستقصاء علمي ، أخذت تعبر عن مدلولات تعريفية تأريخية ، حافظت على نسقياتها كمصطلحات وعناوين لمراحل متعاقبة ، وكمفهوم تعريفي تعبر عن مراحلها التكوينية أيضا منذ عصور ما قبل الميلاد مثل الكتابة الميخية ـ المسمارية ـ واختراع كما استخدام الدولاب ومعها عربات الجر وترويض الحصان ، كما تحديد وتحجير الأراضي والعقارات وأول معهد للموسيقى ، كل هذه الإنجازات الحضارية ، أقرت بها الدراسات والمكتشفات التاريخية ، بأن أصولها تمتد لتصل الى الجذور الرئيسة للمجموعات المتوقعة التي تكونت منها الشعب الكوردي.

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “٢٧٢”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى