من تاريخ الصحافة الكُردية / الحلقة الأولى /
أدهم شيخو
إنّ وجود الصحافة كان مرتبطاً بوجود المطبعة، وعندما وجدت المطبعة سنة 1440 من قبل جوهن كوتنبرغ ظهرت الصحافة إلى الوجود، حيث صدرت أول صحيفة سنة 1609 في مدينة ستراسبورغ وباللغة الألمانية، وبعدها انتشرت الصحافة في المدن الأوربية تباعاً. فمثلاً صدرت أول صحيفة في هولندا سنة 1619 ، وفي لندن سنة 1622 ، وفي روما 1640 وفي بولونيا سنة 1661 ……الخ.
ولكنّ الصحافة صدرت في الشرق في وقتٍ متأخر من ظهورها وانتشارها في أوربا. ففي الدولة العثمانية صدرت أول جريدة رسمية من قبل الدولة سنة 1831. أما الأرمن فقد أصدروا أول جريدة لهم سنة 1812. وكان نصيب الكُرد بأنهم من أواخر الشعوب الشرقية الذين أصدروا جريدة بلغتهم. فمتى صدرت أول جريدة كُردية؟ وأين صدرت؟ ومن الذي أصدرها؟ وما هي مواضيعها؟ …….الخ.
كما نعلم بأنّ هنالك مراحل مصيرية ومنعطفات تاريخية وأيام لا تنسى في حياة الشعوب والأمم. وإنّ يوم 22 نيسان 1898 لهو يومٌ مبارك في تاريخ الشعب الكُردي، حيث أصدر مقداد مدحت بدرخان أول جريدة كُردية في مدينة القاهرة، وتحمل اسم / كُردستان / ،وقبل أن نتصفّح جريدة كُردستان علينا أن نتعرّف على مقداد مدحت بدرخان. من هو؟
للأسف لا نملك إلا النذر اليسير جداً عن حياة هذا الإنسان العظيم ، فلا نعلم حتى تاريخ ولادته أو وفاته. والذي نعرف عنه بأنه من أبناء الأمير بدرخان، وفي سنة 1906 تمّ نفيه إلى مدينة مكة المكرمة من قبل الدولة العثمانية، وهو من مؤسسي جمعية نشر المعارف الكُردية والتي تأسست سنة 1910 في إستنبول، وكان عضواً في جمعية تعالي كُردستان. أما الدكتور نوري ديرسمي فيذكر في مذكراته بأنّ “مقداد مدحت بدرخان كان متصرفاً لمدينة ديرسم سنة 1912”. وقد رزقه الله بنت واحدة واثنين من الذكور وهما / فاروق – آية الله /.
وقد أصدر مقداد مدحت بدرخان خمسة أعداد فقط من جريدة كُردستان، وإعتباراً من العدد السادس وحتى العدد الأخير فقد أصدرها شقيقه عبد الرحمن بدرخان.
وقد صدرت الأعداد الخمسة من الجريدة في القاهرة، وطبعت في مطبعة الهلال وكُردستان. وإعتباراً من العدد السادس أصبحت تصدر في مدينة جنيف السويسرية. ومن العدد 20 ولغاية العدد 23 صدرت في القاهرة أيضاً. أما العدد 24 فقد صدرت في لندن. والعدد 25 ولغاية 29 صدرت في مدينة فولكستون البريطانية. والعددان الأخيران صدرا في مدينة جنيف.
وقد صدر العدد الأخير 31 من جريدة كُردستان بتاريخ 14 نيسان 1902. وجميع الأعداد متوفرة بإستثناء العدد التاسع عشر، فهي مفقودة لم يحصل أحد عليها.
-لقد كان لصدور جريدة كُردستان صدىً واسعاً في الصحافة العالمية. فمثلاً نجد صحيفة ( عثمانلي – الخليفة / العثمانيتين يتطرّقان إلى جريدة كُردستان. وكذلك الجرائد الأرمنية تتطرّق إلى صدور جريدة كُردستان، وكذلك الصحف الأمريكية والأوربية. وكذلك كان لها صدىً كبير بين أبناء الشعب الكُردي. فمثلاً في العدد الثالث من الجريدة هنالك رسالة منشورة باسم / لاوى شيخ فتاح / من الشام وتقول الرسالة ( ……لقد حصلت على أحد أعداد الجريدة وقمت بجمع الكُرد من حولي وقرأت لهم الجريدة، وقبل القراءة قمنا جميعاً بتقبيل الجريدة ووضعها على جبيننا، وقد فرحوا كثيراً …… )
وفي العدد الخامس هنالك رسالة من مدينة أضنة مرسلة من – علي سيد طاهر بوتي – ويقول في رسالته: ( …. أشكر الله تعالى لقد صدرت هذه الجريدة ولقد حقّق الله مرادنا بصدور هذه الجريدة وقد قمت بجمع الكُرد من حولي وقرأت لهم الجريدة وقد فرحناً كثيراً وقد طلب مني المجتمعون أن أحصل لهم على الجريدة وأعطوني ثمن 20 نسخة وإنني أسألكم كيف أستطيع أن أرسل لكم ثمن أعداد الجريدة ……. ) ونجد الرسائل تنهال على الجريدة مبدية إعجابها من ديار بكر وطرابلس الشام وجزيرة بوطان و……الخ.
– وقد وضعت الدولة العثمانية العراقيل أمام الجريدة ومنعتها من دخول حدود الدولة العثمانية.
-أما بالنسبة لمواضيع الجريدة فكان الهمّ الكُردي أولاً وأخيراً هو مدار مواضيع الجريدة: فنجد التعليم يحتلّ المرتبة الأولى في الجريدة، وذلك بسبب انتشار الأمية بين الكُرد. ففي العدد الثاني يخاطب مقداد مدحت بدرخان الأغنياء الكُرد قائلاً: ( ….. أيها الأغنياء لقد رحل آبائكم عن هذه الدنيا الفانية ولم يأخذوا معهم شيئاً وأيضاً أنتم سترحلون، لذا عليكم أن تفعلوا الخير ببناء المدارس وتعليم الأطفال ليرضى الله عنكم …… )
وفي العدد الثالث يكتب مقداد مدحت بدرخان ( ….. إنني أرى الكُرد يعيشون حالة من البؤس والفقر وهم بعيدون عن الفنون والعلوم العصرية ….. ) ولذا لا دواء لنا إلا بالتعليم .
وكذلك نجد بأنّ الجريدة كانت منبراً لإحياء الشعور الوطني والقومي لدى الشعب الكُردي. ففي العدد الثاني يكتب مقداد مدحت بدرخان: ( ….. أيها الأغوات والباشوات الكُرد! أريد أن أسألكم ماذا فعلتم لوطنكم؟ إنّ محبة الوطن تعني بناء الوطن وبناء المدارس لكي يتعلم أولادنا المعارف والفنون …… )
وفي العدد السادس يكتب عبد الرحمن بدرخان: ( ….. إنّ محبتي لشعبي الكُردي قادني إلى إصدار الجريدة، حيث الحكومة تبني المدارس في المدن التركية، حيث تقوم الحكومة بجباية الأموال من الكُرد وتقوم بصرفها على الأتراك، والكُرد هم أسرى الحكومة وإنني أحاول أن أفدي نفسي في سبيل شعبي …… )
وفي العدد الثامن يكتب عبد الرحمن بدرخان مقالة بعنوان – الوطن – ويقول فيها: ( …….. أيها الكُرد إنّ وطنكم يعاني البؤس والحرمان وإذا لم تنتبهوا وتستيقظوا فإنّ الحرمان والبؤس والفقر سيزداد بينكم، كفى! افتحوا عيونكم وأرفعوا أياديكم وسلوا سيوفكم، إنّ الوطن يحرق أمام أعيننا وأنتم أيها الشعب تعيشون في التهلكة، لذا لا أمان لكم ولا أمان للأطفال والنساء وعليكم أن تتفقوا …… )
في العدد 27 يكتب عبد الرحمن بدرخان ( ….. عليكم أن تعملوا لأجل سلامة أنفسكم وسلامة أولادكم. فمن العار أن تعيشوا تحت نير الأتراك …… )
وحتى في المواضيع الدينية المنشورة في الجريدة فإن الهم الكردي له الأولوية. ففي العدد الخامس يكتب مقداد مدحت بدرخان: ( ….. إنّ الله تعالى يأمرنا قائلاً – اسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون – ويقول النبي: اطلبوا العلم ولو في الصين. فالعلم خزينة مليئة بالمنفعة ……. ) فنجد بأنه استخدم آيات القرآن وأحاديث النبي في سبيل تشويق الكٌرد لطلب العلم.
ومن مواضيع الجريدة نذكر:
– -التخوف من روسيا للهجوم على كُردستان ( وهذا ما حصل لاحقاً )
-فضح استبداد السلطان عبد الحميد وفضح الألوية الحميدية الذين هم خدم السلطان عبد الحميد وينفّذون سياسته – حسب الجريدة –
وأخيراً: فإنّ جريدة كُردستان أصبحت جزءاً مكتوباً من تاريخ الشعب الكُردي.
الأمير مقداد مدحت بدرخان
خبر اصدار أول جريدة كُردية