من سيقرر التدخل المقبل في واشنطن؟
روبرت فورد.. السفير الأميركي السابق لدى سوريا والجزائر والباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن
يراقب الكثيرون الانسحاب الأميركي من أفغانستان، لكن هناك جدلاً أكبر تدور رحاه في واشنطن بشأن مستقبل التدخلات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط. واستجابة للرأي العام؛ يريد الديمقراطيون، وحتى بعض الجمهوريين في الكونغرس، أن يزيدوا صعوبة بدء حرب جديدة في المنطقة. ومن النصوص الأساسية التي لا تزال تستخدم مبرراً ومسوّغاً قانونياً للقيام بعمل عسكري أميركي هو التصريح الرسمي بشنّ حرب ضد العراق عام 2002.
وقد حظي ذلك القانون بدعم كل من الديمقراطيين والجمهوريين، ومثل غطاءً قانونياً للرئيس جورج بوش لإسقاط نظام صدام حسين، واستخدم الرئيس السابق باراك أوباما القانون نفسه لتبرير الحملة العسكرية في العراق ضد تنظيم «داعش» عام 2014. كذلك استعان الرئيس السابق دونالد ترمب بالقانون نفسه لتبرير الهجوم الجوي الذي أسفر عن مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس، نائب قائد قوات الحشد الشعبي العراقي. وصوّت مجلس النواب، بما يشمل 49 جمهورياً و219 ديمقراطياً، على إلغاء القانون في 17 يونيو (حزيران)، ومن المقرر أن يبدأ مجلس الشيوخ خلال الأسبوع الحالي عملية التصويت على إلغائه أيضاً. كذلك يدعم البيت الأبيض تحت إدارة الرئيس جو بايدن إلغاء القانون. وبحسب بيان البيت الأبيض في 14 يونيو، هناك قوانين أميركية أخرى توفر المبرر القانوني للعمليات العسكرية المستمرة.
على الجانب الآخر، لا يشعر الجميع في الحزب الديمقراطي، الذي ينتمي إليه بايدن، بالارتياح تجاه المبررات القانونية الأخرى، وبعد شنّ بايدن هجمات جوية ضد جماعات مسلحة عراقية في فبراير (شباط) ومرة أخرى في يونيو، انتقدته شخصيات ديمقراطية بارزة لعدم استشارة الكونغرس قبل قيامه بذلك. الدستور الأميركي واضح: الكونغرس فقط هو المخوّل له إعلان حرب بما في ذلك إعلان حرب ضد جماعات مسلحة أجنبية. مع ذلك، ينصّ الدستور الأميركي بوضوح أيضاً على إمكانية إصدار الرئيس لأوامر إلى القوات العسكرية. ولم يشر بايدن إلى تصريح عام 2002 الخاص بصدام حسين لتبرير الهجمات الجوية المذكورة آنفاً، بل أكد أنه يصدر أوامر إلى الجيش طبقاً للدستور، وأنه قد اتخذ خطوات للدفاع عن الجنود الأميركيين. في النهاية، يتناول هذا النقاش صلاحيات وسلطات الكونغرس مقارنة بصلاحيات وسلطات الرئيس. ويدعم أعضاء بارزون في مجلس الشيوخ، مثل روبرت مينينديز، رئيس لجنة العلاقات الخارجية، وتيم كين، الذي كان مرشحاً لمنصب نائب رئيس هيلاري كلينتون عام 2016، إلغاء تصريح عام 2002، ويريدون للكونغرس أن يصوّت لصالح الموافقة على عمليات عسكرية طويلة الأجل.
إيران جزء من هذا الجدل أيضاً. في كل مرة كان يشنّ فيها ترمب، وبعده بايدن، هجمات جوية ضد جماعات مسلحة موالية لإيران، يشعر بعض أعضاء الكونغرس، خاصة الديمقراطيين، بالقلق من أن تشعل مثل تلك الهجمات الجوية حرباً ضد إيران من دون موافقة مسبقة من الكونغرس. ويدافع بعض السياسيين الجمهوريين المحافظين، مثل رون جونسون وتيد كروز، عن حق بايدن في مهاجمة تلك الجماعات المسلحة العراقية من دون أي قيود من الكونغرس؛ ويضغطون على الكونغرس لإقرار قانون جديد بديل لتصريح 2002 بحيث يتمكن البيت الأبيض من شنّ هجمات وقائية استباقية ضد إيران وحلفائها بشكل قانوني من دون الحاجة إلى موافقة الكونغرس. ومن المثير للاهتمام أن الكثير من أولئك الجمهوريين في الكونغرس لا يزالون يزعمون أن بايدن قد فاز بانتخابات عام 2020 عن طريق الاحتيال، وهم يريدون الآن منح رئيس يعتبرونه غير شرعي ضمناً السلطة التي تمكّنه من القيام بعمل عسكري أحادي الجانب ضد إيران. مع ذلك سيرفض أكثر الديمقراطيين هذا الاقتراح.
الأهم من ذلك، هو محاولة إلغاء تصريح الكونغرس لعام 2001 الذي تم منحه لجورج بوش لمهاجمة الجماعات المتورطة في هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)؛ وكان يستهدف ذلك التشريع تنظيم «القاعدة» وحركة «طالبان». وظل رؤساء يستخدمون هذا القانون طوال عشرين عاماً لتبرير العمليات العسكرية في 18 دولة ضد جماعات مثل حركة الشباب الصومالية، وتنظيم «داعش»، و«هيئة تحرير الشام»، وتنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية». وأخبر الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، الكونغرس في جلسة بتاريخ 23 يونيو، أن تصريح 2001 ضروري لإتمام الكثير من العمليات العسكرية الأميركية بعيداً عن أفغانستان. ويريد بعض أعضاء الكونغرس، خاصة الديمقراطيين ذوي التوجه اليساري، إلغاء تصريح الحرب ضد الإرهاب لعام 2001 لإجبار الرئيس على السعي وراء الحصول على تصريحات جديدة من الكونغرس للقيام بأي عمل عسكري جديد ضد المتطرفين الإسلاميين. وقد صوّتت لجنة موازنة مهمة في مجلس النواب خلال الأسبوع الماضي لصالح إلغاء تصريح 2001؛ وكانت باربرا لي، العضو الديمقراطي التي قادت هذا العمل داخل اللجنة، هي الوحيدة التي تصوّت ضد تصريح 2001 منذ عشرين عاماً؛ وأصبح لديها حالياً حلفاء يريدون إلغاءه.
وسيجبر تصويت اللجنة أعضاء مجلس النواب جميعاً على النظر في أمر الإلغاء، وسيتعين على مجلس الشيوخ التصويت أيضاً. ويرفض الكثير من السياسيين الأميركيين، خاصة الجمهوريين المحافظين، تكتيف أيدي الجيش الأميركي؛ وسيكون من الصعب التوصل إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف بشأن تصريح 2001 خلال العام الحالي. مع ذلك يوضح الجدل التغير في المشهد السياسي الأميركي؛ فمنذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر لم يتحدّ الكونغرس أي تدخل عسكري يقرره أي رئيس. وبعد ما حدث من إخفاقات في كل من العراق وأفغانستان، تناقش المؤسسة التشريعية كيفية تقييد الصلاحيات العسكرية الرئاسية على نحو لم نشهده منذ نهاية حرب فيتنام منذ 40 عاماً تقريباً. وستجعل التحديات بايدن أكثر حذراً، خاصة أنها من جانب الديمقراطيين.
aawsat