آراء

من يتحمل مسؤولية غرق السوريين في البحار ؟

شاهين أحمد

بداية يجب علينا الإقرار أن قضية البحث عن مكان آمن يتوفر فيه حرية الرأي والتعبير وسبل العيش الكريم والخدمات الضرورية من تعليم وصحة وكهرباء ومياه صالحة للشرب وأمان …إلخ هي من حق الجميع . والهجرة ،هي ظاهرة قديمة وشبه دائمة وليست طارئة أو جديدة ، ولكن مايجري اليوم مختلف تماماً، سواءً لجهة الشكل أو العدد أو النتائج . كون مايجري عبارة عن تفريغ كامل لمناطقنا، وما يشكل ذلك من خطر على الوجود القومي الكوردي الأصيل .

لأن مايحصل عبارة عن تحويل كوردستان سوريا إلى بيئة طاردة للكورد وتوفير كل أسباب النزوح والهجرة ، وذلك لأسباب سورية عامة نتيجة الأزمة التي تتفاقم باستمرار ، وغياب أية حلول سياسية جدية لها من جهة ، ووجود عامل إضافي يتمثل في الوجود الإشكالي لحزب العمال الكوردستاني التركي ومسمياته السورية المختلفة، وتحكمه بكامل مفاصل الحياة من جهة أخرى . ويتحمل المجلس الوطني الكوردي أيضاً جزءاً من المسؤولية نتيجة افتقاره لبرامج التوعية والتوجيه المتعلقة بمخاطر هذه الظاهرة وضرورة تنبيه الشارع الكوردي لمخاطرها الهادفة إلى القضاء على الوجود القومي لشعبنا.

وجدير ذكره هنا ،أنه في الوقت الذي يُدفع فيه الكوردي لترك مناطقه واللجوء إلى حيث المهاجر البعيدة، نرى بالمقابل أن مستوطنات الغمر التي أقامها نظام البعث تتحول يوماً بعد آخر من قرى وقصبات صغيرة إلى بلدات ومدن عامرة للمغمورين وأقاربهم!. حيث يتحقق ويكتمل الجزء المتبقي من مشروع الحزام العربي بشكل سلس وبإشراف ماتسمى بالإدارة الذاتية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي . وللتهديدات التركية الدائمة بإجتياح المنطقة الواقعة تحت سيطرة العمال الكوردستاني تأثير كبير على زيادة معدلات التهجير ، وخاصة أن الاجتياح يكون عادةً برفقة الفصائل المعارضة العربية السنية المتشددة التي تعيث فساداً بمناطق سيطرتها بدءاً بعفرين وانتهاءً بـ تل أبيض ورأس العين .

والمفارقة هنا أن نزيف الهجرة الحالي لايقتصر على شريحة المحتاجين والفقراء الباحثين عن لقمة العيش، بل أن نسبة لابأس بها من المغامرين ينتمون إلى الطبقة المقتدرة . وبدون شك أن هناك أسباب أخرى عديدة تدفع بهؤلاء الشباب إلى المغامرة والمخاطرة بحياتهم والتوجه نحو بلدان أوربا الغربية منها : سيطرة الميليشيات المسلحة على كل مفاصل الحياة ،وغياب الخدمات الأساسية ، وانعدام فرص التعليم بشكله العلمي المعترف به بعيداً عن الأدلجة وتحوله مؤخراً وبالكامل إلى المأجور نتيجة القرارات الغير مسؤولة التي اتخذتها إدارة حزب الاتحاد الديمقراطي ، والتي كان نتيجتها عدم تمكن الطبقات الفقيرة من تعليم أبنائها ،والصراع الدامي في سوريا وغياب الأمن والأمان ، وانتشار ظاهرة الخطف والجريمة ، وغياب القانون والمحاكم ، وانسداد الآفاق لإيجاد حلول سياسية جدية للأزمة ، وغلاء المعيشة وانتشار الفقر ، وتراجع الانتاج الزراعي نتيجة الإهمال وموجات الجفاف وغياب برامج الدعم للمزارعين ، والتجنيد الإجباري والسير بهؤلاء الشباب نحو الموت المحتم ،والتلوث البيئي وانتشار الأوبئة والأمراض الخطيرة الناتجة عن تسرب الغازات السامة من الحراقات البدائية المستخدمة في تصفية النفط وتراكم القمامة ، وغياب مراكز الاستثمار وفرص العمل نتيجة سرقة الأموال وتهريبها إلى الخارج ، وغياب مؤسسات الدولة ، ومنع الأحزاب من العمل بحرية ،وغياب برامج التوعية …إلخ .

خلاصة الحديث

يتحمل مسؤولية التهجير ،كل الجهات – الدولية والاقليمية والمحلية – التي خذلت السوريين ، ولم تقم بمسؤلياتها الأخلاقية تجاه شعب مسالم خرج يطالب بالحرية وإنهاء الاستبداد ، فتحول إلى شهداء ومفقودين ونازحين ولاجئين وغارقين في البحار وأشلاء في الأدغال والغابات ، ومادة إعلامية رخيصة في الحملات الانتخابية !. وكذلك مختلف الجهات السورية التي لجأت إلى حمل السلاح بحجة حماية المدنيين أومؤسسات الدولة،وتسيطر على الأرض، وتتحكم بمفاصل الحياة. بدءاً بالنظام ومروراً بالفصائل العربية السنية المسلحة المتشددة التي تتشارك مع فروع تنظيم القاعدة في مرجعيتها الفكرية، والتي تركت كل شيء، وتتقاتل على السرقات والتعفيش والمعابر . وكذلك حزب العمال الكوردستاني ومسمياته السورية المختلفة ( قسد ومسد وإدارة ذاتية …إلخ ) يتحملون المسؤولية في مناطق سيطرتهم لأسباب تم ذكرها أعلاه . إضافة لأهل الاختصاص من المافيات والمهربين ، والمشجعين لهذه الظاهرة . ولايمكن وضع حد لظاهرة الهجرة من سوريا ، إلا بمعالجة الأسباب التي تدفع بهؤلاء الشباب إلى ترك الوطن ، واختيار المجهول ، والمخاطرة بحياتهم . وذلك بإيجاد حل سياسي واقعي للأزمة السورية وفق مرجعية جنيف 1 والقرارات الدولية ذات الصلة وخاصة القرار 2254، ووضع حد نهائي لظاهرة الفلتان الأمني ، والميليشيات المسلحة ، وإخراج الغرباء والإرهابيين المعولمين الوافدين من الخارج ، وتأمين الخدمات الأساسية وسبل العيش الكريم .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى