مهاباد!
ابراهيم حاج عبدي
لم تكن الفتاة الكردية الإيرانية فريناز خسرواني تملك أي فرصة للنجاة بشرفها سوى القفز من أحد طوابق الفندق الذي تعمل فيه، بمدينة مهاباد الإيرانية، ذات الغالبية الكردية، لتهوي إلى حتفها في عرض الشارع وعلى مرأى جمهور مندهش.
ما أظهره مقطع الفيديو القصير، الذي انتشر سريعاً على الشاشات وفي مواقع التواصل الاجتماعي، على قسوته، لم يقدم سوى نصف الحقيقة. النصف الآخر جرى في غرفة الفندق بعيداً من العدسات، وهو يروي حكاية فتاة بسيطة تعمل في فندق يتطلع صاحبه لرفع درجته إلى خمس نجوم، فتواطأ مع أحد موظفي السياحة واتفقا على مقايضة قذرة، فصاحب الفندق سيسهّل للموظف افتراس الفتاة، كهدية له كي يقبل برفع تصنيف فندقه. لكن الفتاة لم تعرقل الصفقة فحسب، حين أقدمت على رمي نفسها، بل فجرت فضيحة سرعان ما تحولت إلى انتفاضة عمّت مدن كردستان إيران، وخلفت، بحسب التقارير، عشرات القتلى والجرحى، فضلاً عن مئات المعتقلين.
في بلد مثل إيران يضيق بالصحافة والسينما والفنون وحرية التعبير، ويمنع فيه الفرح في الشوارع، ويوضع سينمائي مثل جعفر بناهي تحت الاقامة الجبرية لسنوات لمجرد أنه أنجز فيلماً أغضب السلطة… في هذا البلد لا تملك المرأة أي حقوق سوى الصمت، وهي إذا حاولت الافصاح عن همومها أو لجأت الى القضاء لأمر ما، فإن الحكم معروف مسبقاً لصالح مجتمع ذكوري. صوت المرأة مغيب، وثمة أمثلة كثيرة في هذا المقام.
وفي ما يخص الأكراد، لا يتوقف الظلم عند هذا الجانب الاجتماعي، بل يتعلق الأمر بتاريخ طويل من القمع السياسي يجري بعيداً من الكاميرات التلفزيونية، فمنذ أول جمهورية أسسها الأكراد في مهاباد قبل سبعين عاماً، واستمرت نحو سنة، يعاني الأكراد الذين يبلغ عددهم في إيران نحو 8 ملايين، من مختلف صنوف الاضطهاد والتمييز، وتعرض بعض أبرز قادتهم مثل عبدالرحمن قاسملو وصادق شرفكندي للإغتيال، بتدبير من السلطات الإيرانية.
وعلى رغم أن العالم تحول الى قرية صغيرة في ظل هذا التطور التكنولوجي، فإن إيران ودولاً أخرى قليلة بقيت خارج هذه القرية، فطهران تمارس كل أنواع التضييق والتشدد إلى درجة ان إحدى الممثلات الإيرانيات شاركت في مهرجان والتقطت لها صورة بلا حجاب، فمنعت من العودة الى بلادها. هذا مثال بسيط عن بلد لا يصل منه شيء سوى ما تقدمه الشاشات الرسمية، أو الصديقة، وهذه لا تقدم سوى المساحة المضيئة، وهي قليلة على أية حال في بلد يضج بالأعراق والطوائف والإثنيات، ولا نرى من ذلك كله سوى المسؤول وهو يهدد ويتوعد الإقليم. والأرجح أن حكاية فريناز خسرواني ما كانت لتعرف، لولا الفيديو المسرّب الذي أوقد «ربيعاً» مخنوقاً، قد يثمر معنى آخر للحياة غير التي رسمها ملالي طهران.
الحياة