من الصحافة العالمية

مهاباد: ربيع إيران الكُردي

حسين جلبي

جاء إقدام الفتاة الكُردية فريناز خسرواني، على الانتحار يوم الخميس الماضي في مدينة مهاباد الكُردية، الواقعة شمال غربي إيران، في ظروف لم تتّضح ملابساتها بعد. فقد قيل إن الأمر عائد الى تحرّش أو محاولة اغتصاب تعرّضت لها من جانب موظف حكومي إيراني بالتواطؤ مع صاحب الفندق الذي كانت تعمل فيه، فاضطرت الى إلقاء نفسها من طابقه الرابع للتخلّص من العار الذي كان سيلحق بها. أمر كهذا قد يكون كافياً هناك لانطلاق احتجاجات اجتماعية، لكن من دون أن تتبلور في ثورة ناجحة. فثورة كهذه، إذا ما حصلت، ستكون مفاجئة، لا سيّما لمن يقومون بها، وذلك بعد عقود طويلة من الاستكانة للظلم والتعايش معه. صحيح أن الكثير من الثورات بدأ بمثل ذلك الحدث أو حتى بما هو أقل منه أهميةً، لكن لا ثورة قامت في مكانٍ ما من بطن الحوت ونجحت في الخروج منه سليمةً معافاة، من دون أن تحمل معها بعضاً من صفات الشروط التي ثارت عليها.
والحقيقة أن الظروف غير مهيأة حالياً، لقيام ثورة كُردية واسعة ومؤثرة وذات نتائج إيجابية سريعة في إيران، وهو ما ينطبق على أية ثورة قد يقوم بها مكوّن آخر من المكونات الإيرانية. فالأوضاع الداخلية الإيرانية محكومة بقبضة من حديد آيات الله عبر قوتَي الباسيج والحرس الثوري، و قد ظهر ذلك جلياً من خلال القمع الدموي لربيع طهران قبل ست سنوات، والذي استفاد منه النظام كثيراً في إحكام قبضته، فيما تراجع الطامحون الى التغيير.كما أن بين المكونات الإيرانية، من حيث التكوين والانتماء والأهداف، اختلافات حادة تمنع نهوضها معاً في مواجهة السلطة الشمولية القائمة أو حتى لحاقها بركب ما هو منطلق منها، وهو شرط لا بد من توافره لتشتيت قوى السلطة وإضعاف تأثيرها. ثم إن طهران الآن، مثل الذئب الجريح الذي تلقى ضربات دامية في أكثر من مكان، لعلّ آخرها في اليمن الذي أصبح عنواناً لتراجع نفوذها، وذلك بعد أن وصل إلى هبوط الطائرات الإيرانية المباشر في مطار العاصمة صنعاء، حيث قطعت عاصفة الحزم شريانه معها وأخرجته منها ذليلاًً، وهذا في اللحظة التي تخيّلت فيها طهران أن لا شيء يقف أمام مخططاتها في السيطرة على المنطقة.
لكل ذلك سيقدم النظام الإيراني، كما هو متوقع، على التصرف بوحشية مبالغ بها تجاه الكُرد في مهاباد، إذا ما مضوا في مسعاهم وتطوير احتجاجاتهم، بخاصة في ظل توقع عدم حصولهم على أي نوع من الدعم، حتى اللفظي منه، من الغرب، في ظل الاتفاق النووي مع إيران، وكذلك من المحيط الإقليمي. والتصرف بوحشية سيكون كذلك ضد أي مجموعة أخرى قد تفكر في الخروج من عباءة الولي الفقيه، حيث سيحاول النظام الإيراني إعادة الاعتبار الى نفسه، أمام شعبه أولاً بعد أن تمرغ في وحول العمليات الخارجية الشاقة والمكلفة وغير الحاسمة، مثلما هي الحال في سورية، وأمام العالم بعد خسارته في الملف النووي عقب سنوات طويلة من المراوغة.
لقد سجّل الكُرد في مهاباد، موقفاً ذكّر الحكم الإيراني بحقيقة الانقسام المجتمعي الذي تعانيه إيران وهشاشة الرابط الذي يجمع أطرافها، والرسالة ذاتها تبدو واضحة في شكلها السلبي، إذا ما علمنا أن احتجاجات الأحواز المتواصلة منذ فترة لا تلقى مشاركةً من المكونات غير العربية فيها. لكن هناك حقيقة بات يدركها الجميع، ألا وهي أن جمرة القومية الكُردية التي تخيّلت إيران بأنها قد أطفأتها قبل سبعين عاماً، عندما اجتاحت قواتها جمهورية مهاباد وأعدمت زعيمها، وأنها حطمت الحلم الكُردي بعد أن رأى النور لفترة قصيرة، لا تزال جمرة مشتعلة تحت الرماد.
 
الحياة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى